فالفراسة من المواضيع التي بحثها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فالفراسة من المواضيع التي بحثها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
[مدارج السالكين في منازل السائرين]
- الفراسة الصادقة:
الفراسة الصادقة هي: نور يقذفه الله في القلب, يفرِّق به بين الحق والباطل والصادق والكاذب. قال تعالى: {﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ﴾} [الحجر:75] قال مجاهد: للمتفرسين, وقال ابن عباس رضي الله عنهما: للناظرين, وقال قتادة: للمعتبرين, وقال مقاتل: للمتفكرين.
ولا تنافي بين هذه الأقوال, فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم وما آل إليه أمرهم أورثه فراسةً وعبرةً وفكرةً.
الفراسة الإيمانية…على حسب قوة الإيمان, فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدَّ فراسة.
- أمور تستجلب بها الفراسة:
قال أبو عمرو بن نجيد: كان شاه الكرماني حاد الفراسة, لا يخطئ, ويقول: من غضَّ بصره عن المحارم, وأمسك نفسه عن الشهوات, وعمر باطنه بدوام المراقبة, وظاهره باتباع السنة, وتعود أكل الحلال, لم تخطئ فراسته.
- صحة الفراسة لها سببان:
للفراسة سببان:
أحدهما: جودة ذهن المتفرس, وحدة قلبه, وحسن فطنته.
والثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه.
فإذا اجتمع السببان لم تكد تُخطئ للعبد فراسة, وإذا انتفيا لم تكد تصحُّ له فراسة, وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراسته بين بين.
- الفراسة هبة من الله جل وعلا يهبها لمن يشاء من عباده:
أصل هذا النوع من الفراسة: من الحياة والنور اللذين يهبهما الله لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير, فلا تكاد فراسته تخطئ.
فراسة الصحابة رضي الله عنهم أصدق الفراسة… وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه كان صادق الفراسة.
- من كانت لهم فراسة من السلف:
كان إياس بن معاوية من أعظم الناس فراسة, وله الوقائع المشهورة, وكذلك الشافعي رحمه الله, وقيل: إن له فيها تواليف.
ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية أموراً عجيبة, وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم, ووقائع فراسته تستدعى سفراً ضخماً, وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختصُّ بي, مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني, وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل, ولم يُعين أوقاتها, وقد رأيت بعضها وأنا انتظر بقيتها.
[إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]
نور القلب وصحة الفراسة…فمن غض بصره عما حرمه الله عليه عوضه الله من جنسه ما هو خير منه, فكما أمسك نور بصره عن المحرمات, أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغُضَّه عن محارم الله.
[روضة المحبين ونزهة المشتاقين]
في غض البصر عدَّة فوائد:…الفائدة الثالثة: أنَّه يُورث صحة الفراسة, فإنها من النور وثمراته, وإذا استنار القلب صحت الفراسة, لأنه يصيرُ بمنزلة المرآة التي تظهرُ فيها المعلوماتُ كما هي.
[الروح]
- الفرق بين الفراسة والظنِّ:
الفرق بين الفراسة والظن: أن الظن يخطئ ويصيب, وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته, ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أن بعضه إثم.
وأما الفراسة فأثنى على أهلها ومدحهم في قوله: {﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ﴾} [الحجر:75].
فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفَّى, وتنزَّه من الأدناس, وقرب من الله, فهو ينظر بنور الله الذي جعله في قلبه,…وإذا غلب على القلب النور فاض على الأركان, وبادر من القلب إلى العين, فيكشف بعين بصره بحسب ذلك النور.
[الكلام على مسألة السماع]
- أصحاب الفراسة يرون ما لا يظهر لجمهور الناس:
تأمل قوله تعالى: { ﴿ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ ﴾} [محمد:30] فهذا قسم محقق لا شرط فيه, وذلك أن ظهور ما في قلب الإنسان على لسانه أعظمُ من ظهوره على وجهه, لكنه يبدو بُدواً خفياً يراه الله, ثم يقوى حتى تصير صفةً في الوجه يراها أصحاب الفراسة, ثم يقوى حتى يظهر لجمهور الناس.
[الداء والدواء]
العقوبات التي رتبها الله سبحانه على الذنوب….أنا أسوق لك منها طرفاً…منها مسخ القلب, فيُمسخ كما تمسخ الصورة, فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته, فمن القلوب ما يمسخ على خُلُق خنزير لشدة شبه صاحبه به ومنها ما يمسخ على خُلُق كلب أو حمار أو حية أو عقرب وغير ذلك….وتقوى هذه المشابهة باطناً حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهوراً خفيفاً يراه المتفرسون وتظهر في الأعمال ظهوراً يراه كل أحد.
[التبيان في أيمان القرآن]
جعل سبحانه العينين… مرآتين للقلب؛ يظهر فيهما ما هو مودع فيه من الحب والبغض، والخير والشر، والبلادة والفطنة، والزيغ والاستقامة.
فيُستدل بأحوال العين على أحوال القلب, وهو أحد أنواع الفراسة الثلاثة, وهي: فراسة العين والأذن والقلب. فهما أي: العينان مرآة لما في القلب…ولذلك يستدل بأحوال العين على أحوال القلب من رضاه وغضبه وحبه وبغضه ونفرته وقُربِه.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
Source link