أكلت يوم أكل الثور الأبيض . – محمد سيد حسين عبد الواحد

إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ وَالْعَامَّةِ والْمَسْجِدِ

العناصر الأساسية:
العنصر الأول : مثال يحاكي الواقع ويشهد عليه .
العنصر الثاني: بلاغة القرآن في تشخيص الداء ووصف الدواء .
العنصر الثالث : الاختلاف المذموم ، والاختلاف المحمود.

الموضوع:

أخرج الإمام أحمد رحمه الله في مسنده  من حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «« إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ وَالْعَامَّةِ والْمَسْجِدِ »»

أيها الإخوة الكرام : في قديم الزمان كان عند الناس شيء كبير من الحكمة ، فكانت كلماتهم وأمثالهم تحمل من الحكمة والعظة والعبرة ما ينفع الناس ..

ومن بين ما كان يقول الناس في قديم الزمان قولهم ( أكلت يوم أكل الثوم الأبيض) .

أكلت يوم أكل الثوم الأبيض مقولة ( عربية ) وقيل بل هي مقولة ( يونانية ) تنسب إلى القصص الشعبي دلالتها أن ما طال غيرك لو سكت عنه ، لو لم تأخذ حذرك منه قد يطولك أنت أيضاً ، فيكون مصيرك مصير غيرك .

أكلت يوم أكل الثوم الأبيض قصة خيالية ومثال افتراضي ، ومشهد تمثيلي يشرح الآية الكريمة {{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}} [سورة الأنفال] .

أكلت يوم أكل الثور الأبيض هذا مثال يحاكي الواقع وليس من الواقع لكنه يدل عليه ..

يقولون : انه في يوم من الايام خرج اسد جائع الي احدي الغابات، وفي طريقه وجد الأسد  قطيعاً مكونا من ثلاثة ثيران ،أحدهم أبيض ، والثاني أحمر ، والثالث أسود ، يأكلون من العشب الموجود بالغابة ..

اراد الاسد بطبيعته أن يفترس الثيران الثلاثة ويأكلهم ليسد جوعته ..

لكنهم اتحدوا في وجهه واجتمعوا معاً ، ودافعوا عن انفسهم بقوة وشجاعة ، وطاردوه حتى أخرجوه بعيدا ..

قرر الأسد أن يستعمل الحيلة ، قرر أن يتخلص من يقضي على سبب القوة وهو ( وقوفهم صفا واحدا) قرر أن يفرق الجمع ، ويشتت الشمل ، حتى ينال فريسته …

ذهب اولاً الي الثورين (الاحمر والاسود) وقال لهما : ليس لدي اي خلاف معكما، فأنتم حلفائي واصدقائي وانا احبكم كثيراً، وليس في قلبي شر لكما ، ولكن ما في الموضوع انني اريد فقط ان اكل الثور الابيض حتي لا اموت جوعاً .

حيلة خبيثة ، لكنها آتت ثمارها ، تخلى الثوران الأحمر والأسود عن صديقها ، فخذلاه وأسلماه ولم يتحدوا معه ولم يدافعوا عنه ، فكان الثور الأبيض فريسة سهلة بين أنياب الأسد..

أيام ورجع الأسد جائعا ، يود لو يفترس ثورا ثانيا لكنه هذه المرة قد عرف الطريق وعرف الحيلة ، ففرق بين الثورين حتى أكل الثور الأسود ، تم ذلك على مرأي ومسمع من الثور الأحمر والذي هذا صاحبه ووقف عن الدفاع عنه فوقع الثور الأسود بين أنياب الأسد..

وبقي الثور الأحمر وحيدا فريدا ضعيفا ، لا يقدر أن يرفع رأسه في وجه الأسد ، والذي قرر أن يفترسه ، يلحقه بأخويه  ، وعندها قال الثور الأحمر: أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض .

أيها الإخوة الكرام: 
هذه القصة تحولت من مثل شهير إلى دعوة قوية لضرورة التضامن بين الناس وضرورة التعاون بين الناس وعدم الانانية وعدم الخيانة ..

قلت : وأصدق من ذلك القصص ، وأبلغ من ذلك الذي سمعتم ، وأحكم منه ، ما جاء به الإسلام على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم..

أن يكون المسلمون على اختلاف ألوانهم ، ولهجاتهم ( رجلا واحدا ، وقلبا واحدا ، ويدا واحدة ) ..

أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «” لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ “»

وقال عليه الصلاة والسلام «” إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ” وشَبَّكَ صلى الله عليه وسلم بين أصَابِعَهُ» .

هذه النصوص : 
من صحيح السنة تقول للمسلمين (أفرادا وشعوبها وقبائل ودولا ) إن الاتحاد قوة ، وإن الفرقة ضعف وهزيمة ، أنت قوي بأخيك ، ضعيف بدونه قال الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام ( ينشد عضدك بأخيك ) 
وفي البيان النبوي « يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ » كما قال النبي عليه الصلاة والسلام .

 وفي التنزيل الحكيم : { {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }}
سورة آل عمران .

هذه الآية نزلت بعد حيلة يهودية خبيثة تشبه حيلة الأسد الذي افترس الثيران الثلاثة ، فرقهم فأكلهم ..

على أنقاض الخلاف يبنى العدو ملكه ، فاعتصم بالله دوما ثم بالناس  ..

كذلك أرادت اليهود أن يفرقوا جمع المسلمين ، بعد أن ألف الله بين قلوبهم ، فأرادت يهود أن يشتتوا شملهم ، وأن يردوهم إلى أيام الجاهلية الأولى، يعادي بعضهم بعضا ، ويقضي بعضهم على بعض ، لولا لطف الله تعالى ، ولولا يقظة النبي محمد صلى الله عليه وسلم..

أدرك الرسول أصحابه قبل أن ينفرط العقد فأتاهم يقول:
(يا معشر المسلمين! الله، الله .. أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟!).

الشاهد : 
أن المسلمين لو وضعوا أيديهم بأيدي بعض لن يقدر عليهم أحد الناس ، ولو أنهم تنازعوا ، وتهاجروا ، وتخاصموا ، وتفرقوا ، وأسلم بعضهم بعضاً ، وخذل بعضهم بعضا ، باتوا لقمة سائغة بين أسنان أي أحد ..

قلت : وقد جاء البيان النبوي بذلك ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”.

ايها الإخوة الكرام:
إن الله تعالى بحكمته ولطفه يدعونا كل يوم من أيام الحياة لأن نجتمع على قلب رجل واحد ، حزمة واحدة ، يدا واحدة ..

يدعونا إلى صلاة الجماعة في المسجد كل يوم خمس مرات ، ويدعونا إلى الجمع والجماعات ..

هذا تدريب على الوقوف صفا واحدا في وجه الشيطان ، وفي وجه كل عدو قال النبي عليه الصلاة والسلام 🙁 {عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ } »

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينصر الإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن أن الاتحاد قوة ، وأن على المؤمن أن يناصر أخاه .. بقي لنا أن نقول :
إن في القرآن الكريم آية يقول فيها رب العالمين سبحانه وتعالى 
{ ﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾} { ﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }}

هذه الآية تقول إن الله تعالى فعال لما يريد ، وأنه سبحانه هو الذي خلق ، وأنه اقتضت حكمته أن يجعل الناس مختلفين ، وأنه سبحانه قصد هذا الاختلاف قصدا ..

{﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾} { ﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ  }}

اختلاف الناس في هذه الآية ليس معناه الخصومة ، وليس معناه المنازعة ، وليس معناه التنافر ، لأن الاختلاف الذي ينبت التنافر والتناحر ، والتحاسد ، والتباغض ، شر كله قال النبي عليه الصلاة والسلام (إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ) 

إنما الاختلاف الوارد في هذه الآية {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ‘ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ  } فهو اختلاف التنوع ، اختلاف التكامل ،والتعاون ، اختلاف في الأرزاق بين الغنى والفقير ، وبين الصحة والمرض ، اختلاف الأفهام هذا زكي وهذا بليد ..

 هذا الاختلاف ينبت حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان ، وأنه لا غني لأحد عن أحد ، القوي بحاجة إلى الضعيف ، والضعيف بحاجة إلى القوي ، والغني بحاجة إلى الفقير ، والفقير بحاجة إلى الغني ، وبهذا يبقى هذا العالم عامرا ..

{﴿ وَقَالُوا۟ لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾} { ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَٰتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ }

اختلاف التنوع ، والتعاون ، والتكامل ، هو أحد أسباب بقاء الحياة على وجه الأرض ، والاختلاف بهذا المعنى ممدوح ومحمود ..

وبهذا تضخ الرؤية ويزول الإشكال عن قول الله تعالى { {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ‘ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ  } }

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يؤلف بين قلوبنا ، وأن ينزع الغل والحسد من صدورنا إنه ولي ذلك مولاه وهو على كل شيء قدير.
———————————-
جمع وترتيب / الشيخ محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
مديرية أوقاف القليوبية . مصر .


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

من ذنوب المعرفة – طريق الإسلام

ثمة ذنوب يتعفّف عنها العوام، وتقترفها قلوب طلاب العلم والمثقفين دون أن يشعروا بثقلها، لأنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *