القراء العشرة الذين تُروى عنهم القراءات العشر المتواترة أكثرهم ليسوا من العرب، كما أن أكثر حفاظ الحديث المصنفين ليسوا من العرب!
القراء العشرة الذين تُروى عنهم القراءات العشر المتواترة أكثرهم ليسوا من العرب، كما أن أكثر حفاظ الحديث المصنفين ليسوا من العرب!
هذا مع أن كثيرا من مشايخ القراء العشرة ومشايخ حفاظ الحديث المصنفين المشهورين من علماء العرب، وأسانيد كلٍّ من القراء والمحدثين تنتهي إلى علماء الصحابة من المهاجرين والأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله سبحانه: {{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}} [الجمعة: 2، 3]، وروى البخاري (4897) ومسلم (2546) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: { {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}} قال رجل: مَن هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: «((لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال مِن هؤلاء))» .
صدق الله ورسوله؛ فإن أكثر القراء العشرة أصلهم من فارس، وأصحاب الحديث الستة المشهورة كلهم من فارس: البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، إلا أن مسلما وأبا داود نسبهما يرجع إلى العرب، وأشهر علماء النحو من فارس كسيبويه، وأشهر علماء التفسير والتاريخ من فارس كمحمد بن جرير الطبري، ومن أشهر علماء الفقه الإمام أبو حنيفة قيل: أصله من فارس!
ولا يعني هذا أنه لا يوجد علماء من العرب، بل هؤلاء العلماء الذين من فارس أشهر مشايخهم من العرب، فمن أشهر قراء التابعين أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السُّلمي الذي بقي يعلم الناس القرآن أربعين سنة، هو من العرب من أبناء الصحابة، وأبو عمرو بن العلاء المازني البصري وابن عامر اليحصبي الدمشقي من القراء العشرة هما من العرب، وأعلم التابعين بالحديث محمد بن شهاب الزهري من العرب من قريش، ومن أفضل التابعين وأفقههم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهم من العرب، وكثير من حفاظ السنة النبوية من العرب كقتادة السدوسي وأبي إسحاق السبيعي الهمداني وعامر الشعبي الهمداني وسفيان الثوري ووكيع بن الجراح الرؤاسي وإسحاق بن راهويه الحنظلي، والأئمة الفقهاء الثلاثة المشهورون: مالك بن أنس الأصبحي ومحمد بن إدريس الشافعي القُرشي وأحمد بن حنبل الشيباني من العرب، والخليل بن أحمد الفراهيدي إمام العربية والنحو شيخ سيبويه من العرب، وعبد الملك بن قُرَيب الأصمعي راوية الشعر واللغوي المشهور من العرب، وعبد الملك بن هشام الحِميَري المعافري صاحب السيرة النبوية من العرب.
فلا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجته فقال: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى)» رواه أحمد (23489) وصححه الأرناؤوط والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2700).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، {{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} ) رواه الروياني في مسنده (207) وابن جرير في تفسيره (21/ 387) بإسناد حسن.
فالعلم مكانه من طلبه وجده، سواء كان شريفا أو وضيعا، وسواء كان أبيض أو أسود، وسواء كان عربيا أو عجميا، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، { {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}} [الحجرات: 13].
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (28/ 543): إنما يفضل الإنسان بإيمانه وتقواه؛ لا بآبائه؛ فإن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان شريفا قرشيا.
وقال ابن تيمية أيضا كما في مجموع الفتاوى (35/ 230): تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب هو حكم من أحكام الجاهلية، وليس في كتاب الله آية واحدة يُمدح فيها أحد بنسبه ولا يُذم أحد بنسبه؛ وإنما يُمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (7/ 418): هذه الآيات القرآنية تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان، ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه تقوى الله وطاعته، فأكرم الناس وأفضلهم أتقاهم لله، ولا كرم ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب.
Source link