على المعلمين أن يعلموا أن رسالة التعليم والتربية من أشرف الرسائل، ويجب أنْ يعلموا أنَّ مسؤوليتهم اليوم تجاه الطلاب قد تضاعفت مع تعدد المؤثرات والضغوط النفسية…
الحمد لله الكريم المنَّان، علَّم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام الْمُربِّين والمعلمين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فأوصيكم – عباد الله – ونفسي بتقوى الله، بها تُفرَج الكُرُبات، وتُغفَر الزَّلَّات، وتتنزَّل البركات؛ {وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
معاشر المؤمنين:
عام دراسي جديد بدأ، فيه يُنشَر العلم، وتتأدب النفوس، وتزكو الأخلاق، وتزداد المعرفة، العلم الذي رفع الله به أقوامًا، ووضع به آخرين، فلا يستوي أبدًا عالم وجاهل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
والعلم – معاشر المؤمنين – هو أيسر الطرق وأحسنها وأوضحها للوصول إلى رضوان الله وجنَّتِهِ؛ روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَلَكَ طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة» .
ولتتحقق غاية التعليم وأهداف العام الدراسي لا بد من أن يؤدي كل طرف مسؤوليته، ويقوم بواجباته، من المعلمين وأولياء الأمور والطلبة.
فعلى المعلمين أن يعلموا أن رسالة التعليم والتربية من أشرف الرسائل، وأنبل الغايات، فهي رسالة الأنبياء والرسل؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46]، وأن غاية العلم وثمرته المبتغاة هي بناء جيلٍ يجمع بين جوانبه إيمانًا صادقًا، وعلمًا نافعًا، وخُلُقًا حسنًا، ومعرفةً نيِّرةً، وإخلاصًا للوطن والأمة.
ويجب أنْ يعلموا أنَّ مسؤوليتهم اليوم تجاه الطلاب قد تضاعفت مع تعدد المؤثرات والضغوط النفسية والاجتماعية والفكرية عليهم، وتعاظُم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الغَثَّ والسمين، والنافع والضار، فوجب عليهم مضاعفة الجهود في الملاحظة والنظر، والتربية والتوجيه، ومعالجة ما يتعرض له أبناؤنا وبناتنا من التأثيرات السلبية على عقيدتهم وأخلاقهم، وثقافتهم وهُوِيَّتِهم.
معاشر الآباء والأمهات، اغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم حبَّ العلم وأهله، وإجلال المعلمين والمعلمات وتوقيرهم واحترامهم؛ طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وأوصُوهم بالجِدِّ والاجتهاد، والصبر والمصابرة؛ فإن بلادهم تنتظر منهم خيرًا كثيرًا، فإنما الشباب المتعلِّم عماد الحضارات، وقِوام المجتمعات، وإن أعظم التحديات اليوم أمام الشباب هو الانشغال بالترف والتُّرَّهات، وحياة الدَّعَةِ والتفاهات، لا سيما مع أدوات التواصل الاجتماعي، مما يستدعي توجيههم – دون حرمان – لحياة الجِدِّ والاجتهاد، والاهتمام بمعالي الأمور.
أبناءنا الطلبة:
اعلموا – وفقكم الله – أن الغايات والأهداف النبيلة لا تُدرَك بالمنام، ولا تُطلَب في الأحلام، ولكن بالجد والاجتهاد، والكفاح والصبر.
فعليكم بالمذاكرة والمراجعة، وحسن الاستماع والمناقشة، والمثابرة والمواظبة، وتنظيم الأوقات، وأداء الواجبات، فذلك هو سبيل النجاح والتفوق بعد توفيق الله وعونه، وأحسِنوا – حفظكم الله – اختيار أصحابكم، فإن الصاحب ساحب؛ وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالِل»، (صحيح الجامع).
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
فاصحب ذوي الأخلاق الحميدة، والخِصال الكريمة، والزم ذوي الجِدِّ والاجتهاد، وأهل الاستقامة والمثابرة، وذوي النجاح والفَلَاح، تَكُنْ منهم.
معاشر المؤمنين:
كوارث طبيعية أصابت بلاد المغرب وليبيا هذا الأسبوع، وتركت آثارًا مدمرة، وآلافًا من القتلى والجرحى والمنكوبين، والدمار في المباني والبُنى التحتية، وجرفت السيولُ أحياء بأكملها، ولنا مع هذه الكوارث وقفات:
أولها: الإيمان بأن هذه الكوارث من تقدير العزيز الحكيم، يبتلي بها العباد؛ قال تعالى: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} [غافر: 81]، وموقف أهل الإيمان من تلك الكوارث هو الرضا والصبر، والتفكر والتدبر، واللجوء إلى الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
ثم إن المبادرة لإغاثة تلك الشعوب المنكوبة واجب علينا وعلى المسلمين جميعًا؛ وذلك تحقيقًا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى»، (متفق عليه).
فنسأل الله تعالى أن يتقبل الشهداء، ويداوي الجرحى، ويواسي المنكوبين، ويعجِّل الفَرَج، ويرفع البلاء.
___________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي
Source link