منذ حوالي ساعة
قال ﷺ «من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيءٌ، حتى يرتحل من منزله ذلك»؛ (رواه مسلم برقم (2708)).
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت خولة بنت حكيم السُّلميَّة، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلًا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيءٌ، حتى يرتحل من منزله ذلك»؛ (رواه مسلم برقم (2708)).
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لم يضره شيءٌ حتى يرتحل:
قال الأَبَّي: في “شرح مسلم” (7/ 133 ـ 134): قوله: لم يضره شيء حتى يرتحل: ليس ذلك خاصًّا بمنازل السفر، بل عام في كل موضع جلس فيه، أو نام، وكذلك لو قالها عند خروجه إلى السفر، أو عند نزوله للقتال الجائز، فإن ذلك كله من هذا الباب.
وشَرْط نَفْع ذلك النيّة، والحضور، فلو قاله أحد، واتَّفَقَ أنْ ضَرَّه شيء حُمل على أنه لم يَقُلْه بنيّة، ومعنى النيّة: أن يستحضر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أرشده إلى التحصُّن به، وأنه الصادق المصدوق؛ اهـ[1].
السبب التاسع والعشرون: قول: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطانٍ…:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعوِّذ الحسن، والحسين: «أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عينٍ لامة» ، (رواه البخاري برقم (3371)).
وعن ابن عباس قال: كان النبي ﷺ: يُعوِّذ الحسن، والحسين، ويقول: «إن أباكما كان يُعوِّذُ بها إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عينٍ لامَّة»، (رواه البخاري برقم (3371)).
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: من كل شيطانٍ وهامَّة:
قال في “مطالع الأنوار” (6/ 132): قوله: من كل شيطانٍ وهامَّة، قيل: الهامَّة الحيَّة وكل ذي سم يَقتُل، وجمعها هوام؛ فأما ما لا يقتل ويسم فهو السوام كالزنبور.
وقيل: الهوام: دواب الأرض التي تهم بالناس، ومنه: طُرُقَ الدواب ومأوى الهوام يعني: أن الطريق لا يُؤمن فيه، هذا عند التَّعريس عليه؛ اهـ.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ومن كل عينٍ لامَّة:
قال في “مصابيح الجامع” (7/ 131): قوله: ومن كلِّ عينٍ لامَّة؛ أي: ذاتِ اللَّمَم، وهو كلُّ داء يُلِمُّ بالإنسان من خَبَلٍ أو جُنونٍ أو نحوِهما؛ اهـ.
وقال الحافظ: في “الفتح” (6/ 410): قوله: ومن كل عينٍ لامَّة: قال الخطابي: المُراد به كل داء وآفة تلمُّ بالإنسان، من جنونٍ وخبل.
وقال أبو عبيد: أصله من ألممتُ إِلمامًا، وإنما قال: لامَّة؛ لأنه أراد أنها ذات لمم.
وقال ابن الأنباري يعني: أنها تأتي في وقتٍ بعد وقت، وقال لامَّة ليُؤاخي لفظ هامَّة؛ لكونه أخف على اللسان؛ اهـ.
و”في المفاتيح في شرح المصابيح” (2/ 393): اللامَّة: ما يُلم به الإنسان؛ أي: ينزل من جنون وغيره؛ يعني: ومن عينٍ حاسدةٍ يحصل منها ضرر بالإنسان؛ اهـ.
وفي “شرح المصابيح” لابن الملك (2/ 308): قوله: ومن كل عينٍ لامَّة؛ أي: جامعة للشر على المعيون، من لمَّه: إذا جمعه، أو يكون بمعنى مُلِمَّة؛ أي: منزلة. قيل: وجه إصابة العين: أن الناظر إذا نظر إلى شيء واستحسنه، ولم يرجع إلى الله، وإلى رُؤية صُنعه، قد يُحدث الله في المنظور عليه بجنايةِ نظره على غفلة؛ ابتلاءً لعباده؛ ليقول المحق: إنه من الله تعالى، وغيره من غيره؛ اهـ.
قلت: والشاهد من الحديثين: أن إسماعيل وإسحاق ـ عليهما السلام ـ لم يُصابا بشيءٍ من ذلك؛ لتعويذ أبيهما إبراهيم عليه الصلاة والسلام لهما.
كما أن الحسن والحسين رضي الله عنهما لم يُصابا بشيءٍ من ذلك ـ أيضًا ـ لتعويذ النبي صلى الله عليه وسلم لهما بذلك، والعلم عند الله.
قول:أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، تقي قائلها من ذوات السُّمُوم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة! قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق؛ لم تضرك»؛ (رواه مسلم برقم (7005)).
قال في “الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني”: (14/ 236): قال سهيل: فكان أبي إذا لُدغ أحدٌ منَّا يقول: قالها؟ فإن قالوا نعم: قال كأنه يرى أنها لا تضره؛ اهـ.
وقال الإمام القرطبي: منذُ سمعت هذا الخبر، عملتُ عليه، فلم يضـرني شيء إلى أنْ تركته، فلدغتني عقرب ليلًا، فتفكرت في نفسي، فإذا بي قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات؛ اهـ[2].
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: أمَّا لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات، من شر ما خلق؛ لم تضرك:
قال المبارك فوري: في “مرعاة المفاتيح” (8/ 373): قوله: لم تضرُّك؛ أي: العقرب، بأن يُحال بينك وبين كمال تأثيرها، بحسب كمال المتعوِّذ، وقوَّته وضعفه؛ لأن الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه وإن وقع لم يضرَّه؛ اهـ.
وفي “شرح مسلم” لأبي الإشبال ـ الدرس رقم (108) ـ: يعني: لا يُمكن أن تلدغك.
وتصوَّر أن واحدًا من الصحابة رضي الله عنهم يقول: هذا وهو معتقد أن العقارب والخفافيش، وحشرات الأرض وهوامها ودوابها – لا يُمكن أن تقربه إلا بإذن الله، لذا فقد كان معظم الصحابة أهل بادية.
والبادية معروفة بالحشرات السامة القاتلة، فالواحد منهم كان يقول كلمة ثم ينام على عقيدة: أنه لا يُمكن لأي شيءٍ يأتيه؛ اهـ.
وقال سعيد بن المسيب: بلغني أنه من قال حين يُمسي: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِين} [الصافات: 79]؛ لم تلدغه عقرب؛ اهـ[3].
[1] وراجع: “البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج” (42/ 276). [2] من “تطريز رياض الصالحين” (ص797). [3] من “التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد” (21/ 241).
_____________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني
Source link