الاستعجال (2) – طريق الإسلام

تكلمنا في مقال سابق عن الاستعجال كآفة تصيب بعض العاملين لنصرة الدين، وقد تناولنا تعريفه، ومظاهره وآثاره وشيئا من أسبابه.
وفي مقال اليوم نكمل الحديث حول هذه الأسباب ثم نتناول أهم طرق العلاج.
فمن أسباب هذه الآفة:
العمل بعيداً عن ذوي الخبرة والتجربة:
وقد يكون العمل بعيداً عن ذوى الخبرة والتجربة هوالسبب في الاستعجال، ذلك أن الإنسان يولد ولا علم له بشيء في هذه الحياة كما قال سبحانه: 
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ….}
ثم يبدأ – عن طريق ما وهبه الله من السمع والأبصار والأفئدة – التعلم، والتعلم لا يكون من الكتب وحدها، بل يتم أيضاً بواسطة التجربة، والممارسة، والعامل الواعي هو الذي ينتفع بخبرات وتجارب من سبقوه على الطريق ليوفر على نفسه الجهد، والوقت والتكاليف، أما إذا شمخ بأنفه ونأي بنفسه وبدأ العمل بعيداً عن ذوى الخبرة والتجربة فستكون له أخطاء، وقد يكون الاستعجال واحداً منها.

ولعل السر في وصية الإسلام باحترام العلماء وكبار السن الصالحين وذوى الفضل حيث يقول – صلى الله عليه وسلم -:”  «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً ولا يؤمَّن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه»  “. 

الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع:
وقد تكون الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع هي السبب في الاستعجال، ذلك:
أن من سنن الله في الكون: خلق السموات والأرض في ستة أيام، وخلق الإنسان والحيوان والنبات على مراحل مع أنه قادر على خلق كل ذلك وغيره بكلمة ” كن ”
{إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}. ومن سنن الله في النفس: أنها لا تضحي ولا تبذل ولا تعطي إلا إذا عولجت من داخلها، واقتلعت منها كل الحظوظ، وأدركت قيمة وفائدة التضحية والبذل والعطاء {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} وذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما لابد له من جهد ووقت وتكاليف.

ومن سنن الله في التشريع: أن الخمر حرمت على مراحل وكذلك الربا، وإذا نسى العامل أوالداعية هذه السنن كانت السرعة والعجلة، أما حين تظل ماثلة أمام عينيه، حاضرة في ذهنه وفؤاده، فإنها تهدئ من نفسه، وتضبط حركته، وتبصره بموضع قدميه.

نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم:
وقد يكون نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم هي السبب في الاستعجال، ذلك أن المسلم يسعى أساساً لتحقيق مرضات الله، وهذا إنما يتحقق بالتزام منهجه، وعدم التفريط فيه، والثبات على عليه إلى يوم اللقاء قدر الطاقة مع الإخلاص
{فمن كان يرجولقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}، {فاتقوا الله ما استطعتم …} }
وتلك مقدمات يسأل عنها المسلم بين يدي الله يوم القيامة وعليها تكون النجاة أوعدم النجاة أما النتائج من التمكين أوعدم التمكين فلا يسأل عنها، لأنها بيد الله يأتي بها حيث يشاء وكما يشاء. فإن حدث ونسي العامل أوالداعية هذه الحقيقة فإنه يقع لا محالة في الاستعجال. 

الغفلة عن سنة الله مع العصاة والمكذبين:
وقد تكون الغفلة عن سنة الله مع العصاة والمكذبين هي السبب في الاستعجال.
ذلك أن من سنة الله مع العصاة والمكذبين، الإمهال، وعدم الاستعجال
{وأملي لهم إن كيدي متين}، {وربك الغفور ذوالرحمة لويؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً}. ومن سننه كذلك معهم: أنه إذا أخذهم لم يفلتهم {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة * إن أخذه أليم شديد}، {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون}. ومن سنته أيضاً: أن أيامه ليست كأيامنا هذه {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون}.
وإذا غفل العامل أوالداعية عن هذه السنن استعجل قائلاً: نناجزهم قبل أن يستفحل شأنهم، وقبل أن يمسكوا بزمام الأمور، فتستحيل إزاحتهم بعد ذلك من طريق الناس. 

 صحبة نفر من ذوى العجلة وعدم التأني:
وقد تكون صحبة نفر من ذوى العجلة وعدم التأني هي السبب في الاستعجال، ذلك أن الطبع يعدي، والمرء على دين خليله، وإذا لم يحسن المسلم اختيار صاحبه، فإنه يقتدي به لا محالة فيما يعتنق وفي كل ما يسلك – سيما إذا كان هذا الصاحب قوى الشخصية – وقد يكون من بين ذلك الاستعجال، ولعل هذا هوسر تأكيد الإسلام على ضرورة مراعاة الدقة والأمانة في اختيار الصديق والصاحب.
تلك هي الأسباب التي توقع في الاستعجال.  

سادساً: طريق علاج الاستعجال:
ما دمنا قد وقفنا على أهم الأسباب التي تؤدي إلى الاستعجال، فإنه صار من السهل علينا أن ندرك طريق العلاج وتتلخص في:
1- إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الاستعجال، فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث والتأني.
2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل، فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس، وفي التشريع ومع العصاة والمكذبين والبصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني والتروي، قال الله تعالى:
{… سأريكم آياتي فلا تستعجلون}، {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}، {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.

3- دوام المطالعة في السنة والسيرة النبوية، فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار ما لاقى النبي – صلى الله عليه وسلم – من الشدائد والمحن، وكيف أنه تحمل، وصبر ولم يستعجل، حتى كانت العاقبة له، وللمنهج الذي جاء به.
ومعلوم أن الوقوف على ذلك مما يضبط حركة المسلم، إقتداء وتأسياً به – صلى الله عليه وسلم –
{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوالله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}

.4- مطالعة كتب التراجم والتاريخ، فإن ذلك مما يعرفنا  بمنهج أصحاب الدعوات والسلف في مجابهة الباطل، وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم، وهذا بدوره يحمل على الاقتداء والتأسي، أوعلى الأقل المحاكاة والمشابهة على حد قول القائل:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم                     إن التشبه بالرجال فلاح

5- العمل في أحضان وفي ظل ذوى الخبرة والتجربة ممن سبقوا علي الطريق فإن ذلك من شأنه أن يجعل خطوات العاملين دقيقة محسوبة وأن يوفر عليهم الكثير من الجهد والوقت وباقي التكاليف.

6- العمل من خلال منهاج وبرنامج واضح الأركان محدد المعالم يستوعب الحياة كلها ويأخذ بيد العامل من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة فيشبع تطلعاته ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه.

7- الفهم الدقيق لأساليب ومخططات الأعداء فإن ذلك من شأنه أن يحمل العامل على النظر في عواقب الأمور وعلى التريث والتأني والتصرف بحكمة وعلى بينة.

8- عدم الرهبة أوالخوف من تسلط الأعداء وإحكامهم القبضة على العالم الإسلامي لأن ذلك يمكن أن يزول في لحظات وما هوعلى الله بعزيز: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}. {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم}. {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.

بيد أن هذا الشرط بأن نقيم الإسلام في أنفسنا وفيمن حولنا بكل ما نملك وبكل ما نستطيع: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.

9- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله والرجولة لا تكون إلا بذلك.
10- الانتباه إلى الغاية أوالهدف الذي من أجله يحيا المسلم فإن ذلك يحول دون الاستعجال ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج.

11- الانتباه إلى موقف المسلم من المنكرات وأسلوب تغييرها فإن ذلك يبصره بمعالم الطريق ويحول بينه وبين الاستعجال.
تلك خطوات لابد منها على الطريق العلاج.

سابعا: الداعية بين الفتور والاستعجال:

ويظهر من حديثنا عن الفتور والاستعجال تحديد موقع الداعية: إن موقعه يجب أن يكون وسطا بين الفتور والاستعجال عل معنى أنه مع المقدمات كخلية النحل دائب النشاط والحركة لا يقصر ولا يتوانى لحظة من ليل أومن نهار ولا يضيع فرصة تتاح له أما أوانه مع النتائج فهوهادئ متريث متأن غير متهور لا يستعجل شيئا قبل أوانه وإلا عوقب بحرمانه.

هذا ولم يفت الحركة الإسلامية المعاصرة أن تحدد هذا الموقع وتلك كلماتها أحرف من نور ومشاعل على الطريق :(إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ.

يسهل على كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالا باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل المضني، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله، وفي قصة طالوت بيان لما أقول، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوى البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها ….. ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل وعند ذلك يكون عون الله وتأييده ، ونصره ).

نسأل الله أن يجنبنا والمسلمين كل مكروه وسوء، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *