مناسبة السورة لما قبلها
قال السيوطي: لما كانت سورة الحشر في المعاهدين من أهل الكتاب، عقبت بهذه، لاشتمالها على ذكر المعاهدين من المشركين، لأنها نزلت في صلح الحديبية ولما ذكر في الحشر موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، ثم موالاة الذين من أهل الكتاب، افُتتحت هذه السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، لئلا يشابهوا المنافقين في ذلك، وكرر ذلك وبسطه، إلى أن ختم به، فكانت في غاية الاتصال،كما أن خاتمة المجادلة مهدت لسورة الممتحنة إذ يقول تعالى فى سورة المجادلة :” { لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (22)} ” ناسبت مطلع سورة الممتحنة ومحورها الذى تدور حوله وهو التبرؤ من أهل الشرك والمشركين
يقول البقاعي: مقصودها براءة من أقر بالإيمان ممن اتسم بالعدوان دلالة على صحة مدعاه كما أن الكفار تبرءوا من المؤمنين وكذبوا بما جاءهم من الحق لئلا يكونوا على باطلهم أحرص من المؤمنين على حقهم، وتسميتها بالممتحنة أوضح شيء فيها وأدله على ذلك لأن الصهر أعظم الوصل وأشرفها بعد الدين، فإذا نفي ومنع دل على أعظم المقاطعة لدلالته على الامتهان بسبب الكفران الذي هو أقبح العصيان.
يقول تعالى : {{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ}} (1)
إن هذه السورة تحدد المنهج الذى ينتهجه المؤمنون فى علاقتهم بأعداء الدين من الكفار والمشركين
تبدأ القصة عندما هاجر المسلمون وتركوا ديارهم وأبناءهم فى سبيل الله ولكن ظلت نفوسهم متعلقة بأبنائهم وأهلهم فى مكة وودوا لو عادوا إلى ديارهم وأبنائهم وأقربائهم برغم من أنهم ذاقوا الكثير من الأذى و ا لعنت على أيدى الكفار لكن المولى عزوجل أراد أن تتجرد هذه النفوس المؤمنة لله ولدينه من كل روابط تربطها بمادة الطين والعصبيات ورواسب الجاهلية إلا رابطة الإيمان
والذى برهن عليها قصة الصحابى حاطب بن أبى بلتعة
كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن حاطبا هذا كان رجلا من المهاجرين ، وكان من أهل بدر أيضا ، وكان له بمكة أولاد ومال ، ولم يكن من قريش أنفسهم ، بل كان حليفا لعثمان . فلما عزم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على فتح مكة لما نقض أهلها العهد ، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – المسلمين بالتجهيز لغزوهم ، وقال : ” اللهم ، عم عليهم خبرنا ” . فعمد حاطب هذا فكتب كتابا ، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة ، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من غزوهم ، ليتخذ بذلك عندهم يدا ، فأطلع الله رسوله على ذلك استجابة لدعائه . فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها ،
ففى الصحيحين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : «بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبا مرثد والزبير بن العوام ، وكلنا فارس ، وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين : فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلنا : الكتاب ؟ فقالت : ما معي كتاب . فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا ، فقلنا : ما كذب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ! لتخرجن الكتاب أو لنجردنك . فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته . فانطلقنا بها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه . فقال : ” ما حملك على ما صنعت ؟ ” . قال : والله ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله ، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هنالك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله . فقال : ” صدق ، لا تقولوا له إلا خيرا ” . فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه . فقال : ” أليس من أهل بدر ؟ ” فقال : ” لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة – أو : قد غفرت لكم ” . فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم» .
ولنقف هنا وقفة مع حديث حاطب والذى يظهر فيه صدق نيته وأنه ما كان ليخدع الرسول والمؤمنين وما كان ليكشف سر رسول الله إنما هى لحظة ضعف بشرى يعالجها القرآن
حتى لا يتخذها مرضى القلوب ذريعة ليدعوا أن هناك خيانة فى الصفوف المؤمنين تأمل معى كيف تبين النبى من حاطب الأمر قبل أن يحكم عليه عندما قال له “ما حملك على ما صنعت ؟ ” كيف استشعر صدق نيته وأمر الصحابة أن لا يقولوا له إلا خيراً
يصف سيد قطب المشهد فيقول : يقف الإنسان أمام تقدير الله في الحادث ؛ وهو أن يكون حاطب من القلة التي يعهد إليها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بسر الحملة . وأن تدركه لحظة الضعف البشري وهو من القلة المختارة . ثم يجري قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة عن المسلمين . كأنما القصد هو كشفها فقط وعلاجها ! ثم لا يكون من الآخرين الذين لم يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع ، ولا تنفج بالقول : ها هو ذا أحد من استودعوا السر خانوه ، ولو أودعناه نحن ما بحنا به ! فلم يرد من هذا شيء . مما يدل على أدب المسلمين مع قيادتهم ، وتواضعهم في الظن بأنفسهم ، واعتبارهم بما حدث لأخيهم.
وليس هذا فقط بل أنزل الله آيات تتلى إلى يوم القيامة تعلن البراءه من الكفار والنهى عن موالاتهم فهم أعداء الله وأعداء الإسلام فلا ينبغى موادتهم على حساب الدين وذلك لأنهم كفروا بالله وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين أخرجوا النبى والمؤمنين من ديارهم وقد أكرهوا على ذلك وليس لهم ذنب إلا أنهم آمنوا بالله وأخلصوا له العبادة فكيف لمن جاهد فى سبيل الله أن يُسر إلى اعدائه بالمودة وهو يعلم أن الله مطلع عليه
فكيف يجتمع فى قلب المؤمن الجهاد فى سبيل الله وموادة أعداء الإسلام ثم تختم الآية أن ممن اتخذهم أولياء فقد حاد عن سبيل الحق وضل الطريق إلى الجنة وكيف للمؤمن أن يحيا وقد ضل السبيل ثم يبصرهم بحقيقة أعداءهم وما يضمرون له من الشر
وإننا لنجد أن هذا المعنى قد تكرر فى سور آخرى إذ يقول تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة ٥/ ٥١]. وقوله سبحانه: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران ٣/ ٢٨]. والآية الأولى تتضمن تهديدا شديدا ووعيدا أكيدا.
وتطبيق هذه الآية قد يكون فى ألا يعين المسلم الكفار على إيذاء مسلم مثل لذلك بأن يبيعه سلاحاً وقد نص فقهاء الإسلام في كتبهم من أئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من فقهاء الإسلام على تحريم بيعهم ما يستعينون به على المسلمين سلاحاً أو عتاداً أو دواباً وهو ما يسمى ظهار الكافر على المؤمن
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:”وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم
وفى قوله : {{إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ}} (2)
ثم يبين لهم حقيقة هؤلاء الكفار أنهم إذ تعرض لهم فرصة يتمكنون فيها من المسلمين لنكلوا بهم بكل وسيلة بالأيدى والألسنة وأظهروا حقيقة ما فى قلوبهم إنها المودة الزائفة لهم حتى إذا كشفوا عن ما فى صدورهم تجدهم يتمنون أن يعودوا كفاراً مثلهم وهى صورة من صور الحقد على الإسلام وأهله فالقضية هى قضية عقيدة
غذ يقول تعالى :” وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”
قال تعالى :” {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ } “
إن الآيات تبين للمؤمن المقياس الذى يعادى عليه ويوالى عليه هو العقيدة ورابطة الإيمان فإن رابطة الإيمان أنفع للمؤمن من رابطة القرابة يوم القيامة إذ يقول تعالى :” {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)} .” هذه الآيات تخاطب الصحابة الذين كانوا يخشون على أولادهم وأرحامهم الذين خلفوهم فى مكة وقت الهجرة وتعلقت قلوبهم بذويهم واضطروا لموادة أعداء الإسلام فإن الله مطلع على قلوبهم ويعلم ما فيها وهو الذى يفصل بينهم يوم القيامة
والمودة لا تنفع يوم القيامة إلا بطاعة الله وقد رأينا صوراً كثيرة لعمق رابطة المودة بين الصحابة فى غزوة بدر وتبرؤهم من أهلهم والحقيقة أن الآية صالحة لكل زمان ومكان وتخاطب كل من تعلق قلبه بابن أو زوجه أو أهل تعلقاً مرضىاً جعله يعصى الله من أجله فيصبح الأهل والولد فتنة
يقول وهبه الزحيلى : ففي الآخرة يفرّق الله بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار، والله مطلع على أعمالكم، ومجازيكم عليها خيرا أو شرا.
والمقصود أن القرابة لا تنفع عند الله تعالى، إن أراد الله بكم سوءا، ولن يصل نفعهم إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم، فقد خاب وخسر وضلّ عمله، ولا تنفعه عند الله قرابة من أحد، “
حذر الله تعالى من مخالفة نهيه عن موالاة الأعداء لانه سبحانه هو الأعلم بما تخفي الصدور، وما تظهر الألسن من الإقرار بالله وتوحيده.
ثم يضرب المثل فى قضية التبرؤ من الشرك وأهله بقصة إبراهيم وقومه تلك القصة التى تناسب موضوع السورة
إذ يقول تعالى {{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ}} (4)
وضرب المثل بقصة إبراهيم يدل على أننا أمة واحدة منذ بداية الزمان أمة التوحيد لله تتوحد على كلمة واحدة وهى التبرؤ من الشرك منذ قديم الأزل كما بينت أن العداء للإسلام ممتد عبر الزمان وكأنها سنة أن يكون للحق أعداء ليعلم المؤمن أنه فرع من شجرة ضخمة عميقة الجذور منذ دعوة ابراهيم وقد يكون من قبلها أيضا فكم عانى نوح عليه السلام من قبل مع قومه فهى دعوة الأنبياء جميعا لتخلص من الشرك والدعوة للتوحيد
إنها المفاصلة بين أهل الكفر و أهل الإيمان لتعلو رابطة العقيدة على روابط النسب
وقد يجد بعض المسلمين ذريعة باستغفار إبراهيم لأبيه تجعلهم يبقون بها على ذوى القربى من المشركين فجاءت الآيات تبين لهم أن طلب المغفرة من الله جاء قبل أن يستيقن إبراهيم عليه السلام من إصرار والده على الكفر ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) ثم تنتهى الآيات بالتسليم التام لله والإنابة إليه والتوكل عليه فى مواجهة أعداء الدين وقد فوضوا الأمر لله فالمرجع والمآل إليه يوم القيامة
إذ يقول تعالى { {رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ}} (5)
أى لا تظهر الكفار علينا فيفتنوننا فى ديننا ويردونا إلى الكفر أو أن يفتن الكفار المؤمنين ذلك أنهم حين انتصروا على المؤمنين يرون أنهم على الحق وأن المؤمنين على باطل فيزدادوا فى كفرهم وعنادهم
والمؤ من يطلب المغفرة من ربه على تقصيره فى حقه
يقول صاحب الظلال : وهي الشبهة التي كثيرا ما تحيك في الصدور ، حين يتمكن الباطل من الحق ، ويتسلط الطغاة على أهل الإيمان – لحكمة يعلمها الله – في فترة من الفترات . والمؤمن يصبر للابتلاء ، ولكن هذا لا يمنعه أن يدعو الله ألا يصيبه البلاء الذي يجعله فتنة وشبهة تحيك في الصدور .
وما أكثر الفتن التى يتعرض لها المسلمين من تزيين الباطل وشبهات يلقيها أعداء الإسلام ليشككوا المسلم فى دينه مثال على ذلك
قضية الميراث وحقوق الرجل وحقوق المرأة والحجاب وأن الإسلام انتشر بالسيف وتعدد الزوجات وغيرها من الشبهات بالإضافة لما يصيب المسلمين من استضعاف وتشريد وتهجير من بلادهم وغيرها من الفتن التى يمتحن بها المسلمون فى كل مكان
وفى قوله تعالى “إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) ” أنت الغالب الذى لا يذل وأنت الحكيم فى تدبيرك وهذا ليس دعاء إبراهيم وقومه فقط إنما هو إرشاد لكل مؤمن يتعرض لفتنة أن يلتزم هذا الدعاء ولنا فى الأنبياء الأسوة الحسنة فى الاستسلام لله والالتجاء إليه وقت تسلط الأعداء
وهذه الآيات تبين أن الإلتجاء إلى الله والإنابة إليه والاستغفار هو دأب الأنبياء والصالحين من قبلنا فهل تأسينا بهم
إذ يقول تعالى
{{لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ}} (6)
التكرار لتأكيد المعنى أنه لن ينتفع بهذه المواقف ويتأسى بالأنبياء إلا من عاش يطلب رضى الله والجنة الذين يدركون قيمة المعاناة التى مر بها الأنبياء مع أقوامهم ويتبعهم فى ذلك أصحاب الرسالة فى كل زمان يدركون قيمة التمسك بالدين والخوف من الفتن فى هذا الزمان الذى تكالب عليهم أعداء الإسلام ومن يتول عن هذا المنهج ويأبَ الإ الضلال وأن يحيد عن الحق فإن الله غنى عنه وعن عبادته ولن ينقص ذلك من ملك الله شيئا والقصة تطمئن المؤمنين أنكم لستم وحدكم السائرين فى طريق الحق ونالكم ما نالكم بل هناك من سلك الطريق قبلكم حتى يستأنسوا بمن سبقهم ويستعذبوا الإيذاء طالما فى سبيل الله
إن الايات ترسم الطريق للمؤمنين وتقر حقيقة حرمة موالاة الكفار بالنصرة والتأييد والمودة وتبين فضل أهل بدر على غيرهم من المؤمين وتبين أن المؤمن قد يعمل عملاً باخلاص وصدق نية مع الله فيتقبله الله منه ويغفر له ذلاته وتقصيره فى حياته الباقية بأثر هذا العمل الصالح لهوهذا ما حدث مع عثمان بن عفان عندما جهز جيش العسرة فقاال له النبى صلى الله عليه وسلم ليس على عثمان شىء بعد اليوم ” فلينظر كل منا ماذا قدم لله ليقيل عثراته
وفى قوله {عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٞۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيم} (7)
إنه وعد من الله محقق بزوال الوحشة والنفرة بين أقربائهم الكفار يوما ما وقد تحقق ذلك يوم فتح مكة عندما أسلم يومها عدد من المشركين كأبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام إن الله وحده هو القادر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال فإن تابوا وأسلموا لله زالت العداوة وجمعت القلوب وألف بينها مصداقا لقوله تعالى: “ {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال ٨/ ٦٣]. فكانت المودة بعد البغض والألفة بعد النفرة
فقد قاطع المسلمون أقرباءهم استجابة لأمر الله فوجد بعضهم حرجا فى ذلك فخفف عليهم نزول هذه الآية لعل القلوب تلين يوما وتقتنع بعدالة الإسلام وأنه الدين الحق فترتاح النفوس وتهدأ
إذ يقول تعالى: { لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (8)
سبب نزول هذه الآية
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ««قدمت أمي، وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم، صلي أمّك» فأنزل الله فيها: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» . [ البخارى ومسلم ]
وهذا يبين عدالة الإسلام وإنصافه أنه يراعى حقوق المسلمين من أهل العهد من الكفار ويدعو إلى البر بهم وإنما النهى يكون عن موالاة ومناصرة من قاتل المؤمنين من مشركى مكة وناصبوهم العداوة وحكم على الذين يتولونهم بأنهم هم الظالمون . تلك القاعدة التى تربط المسلمين بعقيدتهم يجتمعون تحت راية الإسلام يعادوا عليه ويوالون عليه
يقول سيد قطب “وكان العمل بهذه الآية إلى أن نزلت صدر سورة التوبة بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) “
بعد مهلة أربعة أشهر لأصحاب المعاهدات غير المسماة الأجل ، ومهلة إلى انتهاء الأجل لأصحاب المعاهدات المسماة . ولكن هذا إنما كان بعدما أثبتت التجارب أن القوم لا يرعون عهودهم مع المسلمين إلا ريثما تسنح لهم الفرصة لنقضها وهم الرابحون فانتهت بهذا حالة المعاهدة والموادعة بين المسلمين والمشركين كافة فقد كان النهى عن القتال لفترة مؤقتة بوقت انتهى العمل بها بعد فتح مكة “
وإذا كانت الآيات السابقة نظمت العلاقة بين المؤمنين والكفار فى حالة السلم والحرب فإن المناكحة والمصاهرة من أوكد أسباب الموالاة فهم لا يستطيعون الخلاص من هذه العلاقات أى أنها تضع الناس فى حرج ومشقة إذا كان الزوج كافراً والزوجة مؤمنة فلذلك كان الأمر من الله عزوجل إلى النبى والمؤمنين بامتحان المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان لمعرفة صدق ايمانهن قال: سُئِلَ ابن عباس: كيف كان امتحان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم النساء؟ قال: كان يمتحنهنّ بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حبًّا لله ورسوله. فإذا حلفت بالله على ذلك أعطى النبى زوجها مهرها ولم يردها إليه
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (11}
يقول ابن جرير “وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد صالح قريشًا عام الحديبية على أن يردّ عليهم من جاء بغير إذن وليه؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وإلى الإسلام، أَبى الله أن يُرْدَدْن إلى المشركين، إذا هنّ امْتَحنّ محنة الإسلام، فعرفوا أنهنّ إنما جئن رغبة فيه “.
وهذا الاختبار يعتمد على ظاهر حالهن أما خفايا الصدور فأمرها الى الله لا يعلم حقيقة الإيمان إلا هو وهذا دليل على أن الشريعة تحكم بالظواهر وتكل السرائر إلى الله
والحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم هو حماية المسلمة من أن تفتن فى دينها بما فى ذلك دعوتها إلى الكفر أو تشكيكها في الإسلام وتزهيدا في إقامة شعائره ولا يكون لكافر ولاية عليها والحكمة من ذلك نجدها فى القرآن : “أولئك يدعون إلى النار” [ البقرة : 221 فالمرأة فى ولاية زوجها وقد يحملها ذلك مع طول العشرة متابعته فى الكفر أو على الأقل لا تقيم شعائر دينها لا تصلى لا تصوم وهكذا وفى ذلك فتنة لها كما أنه سينتج عن هذه الزيجة أولاداً ماذا عنهم كيف ينشئون فى كنف أب غير مسلم
يقول سيد قطب : فقد أنبتت الوشيجة الأولى . . وشيجة العقيدة . . فلم تعد هناك وشيجة أخرى يمكن أن تصل هذه القطيعة . والزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار ، لا يمكن أن تقوم إذا انقطعت هذه الوشيجة الأولى . والإيمان هو قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة أخرى ، فإذا خوى منه قلب لم يستطع قلب مؤمن أن يتجاوب معه ، ولا أن يأنس به ، ولا أن يواده ولا أن يسكن إليه ويطمئن في جواره . والزواج مودة ورحمة وأنس وسكن ومنه على المؤمنين أن يردوا للمشركين المهور التى دفعوها للمهاجرات استبراء للعلاقة بينهم فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية
وليس على المؤمنين حرج اإذا أرادوا الزواج من هؤلاء المهاجرات بشرط انقضاء العدة وأن يفرضوا لهن مهرا
وفى قوله {: ( واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ) } يقول ابن عاشور أي كما تعطونهم مهور أزواجهم اللائي فررن منهم مسلمات ، فكذلك إذا فرت إليهم امرأة مسلم كافرة ولا قدرة لكم على إرجاعها إليكم تسألون المشركين إرجاع مهرها إلى زوجها المسلم الذي فرت منه وهذا إنصاف بين الفريقين ” .
إنه حكم الله وحكمته فى تشريعه فهو أمر تعبدى ليس لنا مخالفته باتباع الأهواء ولكن علينا التسليم لحكم الله وإن لم نعلم الحكمة فهو وحده عليم بما يصلح عباده حكيم فى أفعاله
و قوله {وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا}
فإن ارتدت زوجة أحد المؤمنين ورجعت إلى الكفار ولم يعطوكم ما دفع لهن من المهر فليأخذوه من العقب قال ابن جرير ” العقب : ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن .” وقيل ان العقب الغنيمة فإذا غزوتموهم وأصبتم منهم غنيمة فأعطوا لمن ذهبت زوجاتهم مثل ما أنفقوا عليهن من المهر من هذه الغنيمة
ثم يدعوهم إلى تقوى الله بتطبيق شرعه والرضى بحكمه وهذا دليل إيمان
وهذا يدل على عدالة هذا الدين وأن الشرع يكفل حقوق البشر دون تفرقة بين مؤمن وكافر
ولما وقع الامتحان لهؤلاء المهاجرات وتبين مقدار إيمانهن فأمر الله عزوجل النبى بأخذ البيعة على النساء بالإسلام والطاعة لله ولرسوله
قال تعالى “َ {يا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم} “
سبب نزول هذه الآيات : قال البخاري : عن عروة أن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبرته : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية : { ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك )} إلى قوله : {( غفور رحيم )} قال عروة : « قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” قد بايعتك ” ، كلاما ، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما يبايعهن إلا بقوله : ” قد بايعتك على ذلك» “
والآيات تتضمن عدم الشرك بالله وهذا هو حق الله أما حق الناس فعدم أخذ أموالهم بغير حق وَلَا يَسۡرِقۡنَ ” أي يأخذن مال الغير بغير استحقاق في خفية إلا فى حالة أن يكون الزوج مقصرا في نفقتها ، فلها أن تأخذ من ماله بالمعروف ، بدليل حديث هند بنت عتبة أنها قالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، فهل علي جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك » ” . أخرجاه في الصحيحين .
{﴿ولا يسرقن﴾} ، وأتبع ذلك بذل حق الغير لغير أهله فقال: {.وَلَا يَزۡنِينَ } أى لا يمكن أحدا غير أزواجهن من وطئهن يقول البقاعى :” ولما كان الزنى قد يكون سبباً في إيجاد نسمة بغير حقها، أتبعه إعدام نسمة بغير حقه ” وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ ” بأى طريقة إما عن طريق الوأد أو بواسطة الغجهاض فليس من حقهن إزهاق روح بغير حق فهم أمناء على ما فى بطونهن “
قال تعالى :” {وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ} قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن . ولعل ذكر ذلك بعد التحذير من الزنى لأنه كان هناك نوع من الأنكحة فى الجاهلية تهب المرأة نفسها لعدة رجال ثم إذا جاء الولد ألحقته بما تهواه هى أو أقربهم شبها له وليس له أن يعترض وكان هذا نوع من النكاح
وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر لما فيه من اختلاط الأنساب وضياع الحقوق فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول حين نزلت آية الملاعنة : ” أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه ، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين “
وفى قوله :” { وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ } ” هذا دليل على أن لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق وأن طاعة ولى الأمر تكون فى حدود الشرع
يقول البقاعى ، وقدم المنهيات على المأمورات المستفادة من المعروف لأن التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح
فإن تمت البيعة ووافقن على هذه االأمور وسائر الأحكام فأطلب لهن من الله المغفرة والرحمة لما سلف من الذنوب فإن الله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات
وكما بدأت الآيات بالتحذير من موالاة الكفار تنتهى بما يناسب البداية بالتحذير من موالاتهم
قال تعالى :” { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
فقد نهاهم عن موالاة اليهود والنصارى وسائر الكفار ومن غضب الله عليهم واستحقوا الطرد من رحمة الله والسبب فى ذلك أنهم يئسوا من أن ينالوا شيئا من النعيم فى الآخرة كما يئسوا من بعث موتاهم وانقطع رجاؤهم منهم لأنهم لا يعتقدون فى بعث ولا نشور
وفى النهاية فإن السورة ترسخ معنى أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة النسب ليتعلم المسلم كيف يكون عبدا ربانيا يحب فى الله ويبغض فى الله وأن التعصب يكون لدين الله لا لأهل أو عشيرة كما تدعوننا لضرورة الإنابة إلى الله والتسليم له كما فعل إبراهيم عليه السلام ومن معه حتى لا نكون فتنة لغيرنا كما أن امتحان المؤمنات المهاجرات ليتبين مدى إخلاصها لله وأنها ليست مفارقة من أجل كراهية زوج أو طلب منفعة إنها تجسيد لأوثق عرى الإسلام الحب فى الله والبغض فى الله
Source link