المقاطعة: سلاح اقتصادي لا يستهان به، لأنه يؤثر في عمليات الإمداد والتموين للجناح الاقتصادي المدعم للعمليات العسكرية، هذا يعد أيضا من جهاد العدو بالمال، كما يكون ببذله لإضعاف العدو، يكون بإمساكه عنه لإرهاقه كذلك!
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
الولاء والبراء: هما من ركائز هذا الدين، ومن صميم العقيدة، وبرهان على الإيمان.،
– الولاء والبراء يربط أواصر الأمة، ويقوي شوكتها، ويرفع رايتها، ويؤمن خائفها، وينصر ضعيفها، ومثَّل النبيﷺ ذلك فقال: « «المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه» » (رواه البخاري).
وقال: « «مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّّ» » (رواه مسلم).
وفي هذه الآونة ينتاب جموع المسلمين مشاعر الحزن والغضب على ما يجري لإخوانهم المسلمين في كثير من البلدان، ولعل أبرزها الآن ما يقوم به العدو الصهيوني بقتل أهلنا في غزة ولم يراعوا قتل النساء والأطفال حتى غدقت الطرقات بالدماء، ومنازلهم من بوابل القصف أصبحت كالركام، وأعلنوا عليهم فرض الحصار، فأصبحوا بلا ماء ولا دواء ولا كهرباء، وأوقفوا عنهم وسائل المساعدات، وأصبح الموت يحدق بهم من كل مكان، ولا حوله ولا قوة إلا بالله.
ولا غرو من أفعال هؤلاء السفاحين المجرمين بالمسلمين العزل هكذا، فهم منذ بزوغ شمس الإسلام وهم يضمرون للمسلمين العداوة والأحقاد، ولم يسلم منهم أطهر الخلائق رسول الله ﷺ فهموا بقتله ﷺ فدسوا السم له في الطعام، وأرادوا إلقاء الحجر عليه من أعلى الجدارن، وألبوا على الإسلام والمسلمين كل قوى الجزيرة العربية، وذهبوا يجمعون القبائل المتفرقة لحرب المسلمين، قال تعالى: { {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} } [النساء:٥١]، ونقضوا ما عاهدوا النبي ﷺ عليه يوم الخندق لإظهار الأحزاب على المسلمين لكي يستأصلوا شوكة الإسلام فهم أهل الغدر والمكر، قال تعالى: { {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} } [المائدة: 82].
والتاريخ مفعم بجرائمهم الدامية، فهم بارعون بإشعال الفتن ونشر الشائعات قال تعالى عنهم: { {سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ} }[المائدة: 42]، ومؤامراتهم في الخفاء ضد الإسلام والمسلمين، قال تعالى: { {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} }، ولم يسلم من شرورهم الأنبياء، فهم ملعونين حتى على ألسنة انبيائهم: { {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} } [المائدة: 78]، حفظ الله العباد والبلاد من شرورهم.
والآن جميع المسلمين يسألون كيف ننصر إخواننا من بطش هؤلاء المجرمين، وقد ضيقت سبل نصرهم.
فالمسلمين لديهم أسلحة كثيرة لنصرة أخوانهم، منها سلاح يغفل الكثير عن قوته ومدى تأثيره، وهو سلاح (المقاطعة)، وهذا من صور الولاء والبراء، فمقاطعة منتجاتهم التي غزت وتغزوا عالمنا الإسلامي هي من أبسط الأعمال، ومع ذلك تحقق أعلى الأضرار، وهي وسيلة من وسائل الضغط لتدفعهم إلى التراجع عن ظلمهم وطغيانهم.
المقاطعة: سلاح اقتصادي لا يستهان به، لأنه يؤثر في عمليات الإمداد والتموين للجناح الاقتصادي المدعم للعمليات العسكرية، وإضعاف الاقتصاد ينعكس سلبا على القوة العسكرية والنفوذ السياسي، وهذا يعد أيضا من جهاد العدو بالمال، لأن الجهاد بالمال كما يكون ببذله لإضعاف العدو، يكون بإمساكه عنه لإرهاقه كذلك!
فمنتجاتهم تغزوا جميع بلاد الأمة الإسلامية، وأغلب المنتجات ليست من الأساسيات، ويمكن الأستغناء عنها، أو البحث عن بديل لها، وأعلم أن مقاومة رغباتك بالأمتناع أو بحثك عن سلع بديلة فهذه عبادة تتقرب بها إلى الله.
ولنعلم أن هذا باب من ضمن أبواب كثيرة نستطيع بها مساندتهم ومساعدتهم، وأن المسؤليات أمام الله تتفاوت بحسب قدرة كل مسلم واستطاعته.
اللهمَّ ارفع الحصار عن غزة وانصر أهلها على الظلم والعدوان.
____________________________________________________
الكاتب: محمود مسعد
باحث بالدراسات العليا الإسلامية، جامعة القاهرة.
Source link