يُستحب حفظ القرآن عن ظهر قلب، والإكثار من تلاوته كل وقت؛ لأن تلاوته من أفضل العبادات وأعظم القربات، وأجل الطاعات، وفيها أجرٌ عظيم وثواب جسيم من المولى الكريم
يُستحب حفظ القرآن عن ظهر قلب، والإكثار من تلاوته كل وقت؛ لأن تلاوته من أفضل العبادات وأعظم القربات، وأجل الطاعات، وفيها أجرٌ عظيم وثواب جسيم من المولى الكريم، ولا سيما في شهر رمضان؛ قال الله تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف: 27].
وأخبر تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به، ويعملون بما فيه من إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله تعالى في الأوقات المشروعة ليلًا ونهارًا سرًّا وعلانيةً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30].
وعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلمه»؛ (رواه البخاري، ومسلم).
ما جاء في فضل حمل القرآن:
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»؛ (رواه البخاري).
وعن أبي أمامة الباهلي – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»؛ (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا القرآن فاقرؤوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه، فقرأه وقام به، كمثل جراب محشو مسكًا تفوح ريحه في كل مكان، ومثل من تعلَّمه فرقد وهو في جوفه، كمثل جراب أُوكي على مسك»؛ (رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه).
وعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرٌّ»؛ (رواه البخاري، ومسلم).
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو به آناء الليل وآناء النهار، ورجل تعلم علمًا فهو يعلم الناس منه»؛ (رواه البخاري، ومسلم).
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب»؛ (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمن عنده»؛ أخرج البخاري في صحيحه عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده؛ إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، فقرأ فجالت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «اقرأ يا بن حضير، اقرأ يا بن حضير»، قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا فرفعت رأسي، فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها؛ قال «وتدرون ما ذاك»؟ قلت: لا، قال: «تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى».
فالعاقل من يُكثر تلاوته واستذكاره للاهتداء بهديه، والاسترشاد بمواعظه والاعتبار بقصصه، والالتقاط من درره وحكمه، والاستضاءة بنوره، كيف لا وهو أساس الفصاحة وينبوع البلاغة والبراعة، فتجد الخطيب المصقع والشاعر البليغ يقتبسان من آياته، ويستمدان من عذوبة ألفاظه ومعانيه ما يزينان به كلامهما ويحسنان به مقامها.
شعرًا:
سأصرِف وقتي في قراءة ما أتى ** عن الله مع ما جاءنا من رسوله
فإن الهدى والفوز والخير كلــــــه ** بما جاء عن رب العباد ورسلـــه
وهو أساس الشريعة الإسلامية، ومنه تُستمد الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية، والحق أنه عمادنا في أمر ديننا ودنيانا.
القرآن أصل أصول الدين قاطبة ** فكن هديت به مستمسكًا وثقَا.
قال يحيى بن أكثم: كان للمأمون وهو أمير إذ ذاك مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب والوجه، طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة.
فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم، قال: أسلم حتى أفعل بك وأصنع ووعده، فقال: ديني ودين آبائي وانصرف.
قال: فلما كان بعد سنة جاء مسلمًا، فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال: بلى.
قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخط، فعمَدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت مني؛ (المعنى ما بارت، تصرفت وطافت ما حقَّق فيها، ولا انتبه لتحريفها).
وعمدت إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت مني.
وعمَدت إلى القرآن، فعمِلت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها.
فلما وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها، فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي، قال يحيى بن أكثم: فحجبت تلك السنة، فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الخبر، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله قال: قلت في أي موضع؟ قال: في قوله تعالى في التوراة والإنجيل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44]، فجعل حفظه إليهم فضاع وقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فحفظه الله جل وعلا علينا فلم يضع.
شعرًا:
عليك بقول الله حفظًا فإنـه ** هو الذخر في يوم تشيب الذوائب
وقول رسول الله أيضًا فإنه ** به مع كتاب الله تؤتى المطالــــب
وفَّقنا الله وجميع المسلمين للتمسك بكتابه، والمسارعة إلى امتثال أمره واجتناب نهيه، والوقوف عند حده، والتفكر في أمثاله ومعجزه، والتبصر في نور حكمه، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان
Source link