بعض علامات الساعة التي نعيشها في هذا الزمان

شيوع بعض النبؤات والعلامات التي أخبر عنها النبي ﷺ تدل على زوال هذه الدنيا، واقتراب خرابها وهلاكها.

أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله واستعدوا لليوم الآخر، فقد أُنذرتموه، واستقبلوه بالأعمال الصالحة، واخشوا من عقابه واحذروه!

 

معاشر المسلمين والمسلمات لمثل هذا اليوم وشدته، قدم الله له أشراطًا وعلاماتٍ تدل عليه وتذكر به، فهو اليوم الذي يجازي الله به الخلائق، فيجزي المؤمن بحسناته، والمسيء بسيئاته.

 

وسنتكلم في هذه الجمعة المباركة عن بعض هذه العلامات التي تدل على زوال هذه الدنيا، واقتراب خرابها وهلاكها.

 

وهذه العلامات تتعلق بأحوال أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وما الذي سيكون ويحصل لهم في آخر الزمان، وما الذي سيكون عليهم من أعداء الاسلام، ونبدأ هذه العلامات بعلامة عظيمة، وخطيرة انتشرت انتشارًا باهرًا، ألا وهي تداعي أعداء الإسلام على أمة الإسلام، فلنسمع ماذا قال رسولنا عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها» ، فقال قائل: من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من قلوب عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن» ! قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» [1].

 

اللهم ارحم أمة الإسلام، يا رحيم يا رحمن.

 

هل سمعتم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تروا كيف يُحارب الإسلام؟ ألم تروا كيف سيطرت دول الغرب على أمة الإسلام، وصارت تلعب بها، وتسيرها كيفما تريد، وتفرض لها ما تشاء، وتحرم عليها ما تشاء؟!

 

ألم تروا إلى أعداء الإسلام كيف يجعلون المسلمين يتناحرون فيما بينهم، ويدخلون الفرقة، والاختلاف والعداوة في قلوبهم؟! ألم تروا ما حصل في هذه السنوات المتأخرة في كثير من بلدان العالم الإسلامي، كل ذلك وأعداء الإسلام يستلذون ويتفرجون إلى هذه الأفلام التي صنعوها وطبخوها، وبلدانهم بأمن واستقرار؟! جعلها الله في خراب وبوار ودمار، كل ذلك بسبب الداء الذي أصابنا، ألا وهو حب الدنيا، وكراهية الموت كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام.

فيا شديد الطول والإنعام  **  إليك نشكو محنة الإسلام 

 

العلامة الثانية: التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل قويُّنا ضعيفَنا، فلقد روى الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الألباني رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «يا عائشة، قومك أسرع أمتي بي لحاقًا» ، قالت فلما جلس قلت: يا رسول الله – جعلني الله فداك – لقد دخلت وأنت تقول كلامًا ذعرني قال: «وما هو» ؟» قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقًا؟ قال: «نعم»  قالت: وكيف ذاك؟ قال: «تستحليهم المنايا» – أي: أن الموت يراهم صيدًا حلوًا؛ فيهجم عليهم، قالت: فقلت يا رسول الله: وكيف الناس بعد ذلك؟ قال: «الناس بعد ذلك دبًا – وهو الجراد قبل أن يطير – يأكل شدادُه ضعَافه حتى تقوم عليهم الساعة» [2].

 

صلى الله على من لا ينطق عن الهوى، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام!

 

فهيا بالله عليكم تأملوا في حديث رسول الله، وقفوا مع حال كثير من الناس في جميع شؤون حياتهم، وانظروا، وتأملوا كيف أصبح قويُّهم يأكلُ ضعيفهم، وكبيرهم يستضعف صغيرهم، وغنيهم يحتقر فقيرهم، كم من رجل والله مات قهرًا؛ لأنه ذهب يطالب بحقه، وما وجد أحدًا ينصفه أو وينصره، بل ربما انقلب الذي له عليه.

 

تأملوا وتأملوا في الدوائر الحكومية، تأملوا في المحاكم والسجون الإجرامية في البلدان الإسلامية، ستجدون أن السجون مليئة بالضعفاء والمستضعفين، والفقراء والمساكين، وأما الغرماء المعتدون الظالمون، فهم يلهون ويلعبون، ولكن الموعد الله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42].

 

العلامة الثالثة: هي عدم المبالاة بمصدر المال، هل هو من حرام أمن حلال، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أمن حرام» [3]، صلى الله على من لا ينطق عن الهوى!

 

فهذا – والله – أمر مشاهد في كثير من البلدان، خاصة في هذا البلد، وفي كثير من المجامع، والدوائر الحكومية، فلقد أصبح كثير من الموظفين – إلا من رحم الله – قد غذَّى جسمه بالحرام، يشتري السيارة بالحرام، ويبني العمارة بالحرام، تستغرب يوم تراه يشتري بالآلاف الحوائج لبيته، ويأكل ما لذ وطاب مع أولاده وزوجته، وربما يبني، ويشتري، ويفعل ما يفعل مما لا يتناسب مع دخله الشهري، نعم تستغرب، وتتعجب، لكن يزول عجبك واستغرابك يوم تدخل بعض الدوائر الحكومية – مثلًا – لمعاملة، أو لأي غرض ما، تراهم يستقبلونك وكأنك فريسة وصلت إليهم، وكأنك غنيمة جُعلت بين أيديهم، كل واحد يريد أن يأكل منك، ويأخذ نصيبه منك، ترى القترة في وجوههم – والعياذ بالله – تأتيك الوحشة، والقلق، والخوف عند رؤيتهم، فالواحد منهم – وهو في عمله – لا يتحرك حركة، ولا يتكلم بكلمة، أو يأخذ القلم والورقة، إلا بمقابل، ما يفعل لك شيئًا ببنانه إلا وكلمة القات على لسانه، حق القات، حق القات، والثاني يدلك على الثالث، وهكذا ولا تخرج إلا وقد أكلوك، ما تخرج إلا وكل واحد قد أكل منك جزءًا، وجعل له منك نصيبًا، وربما عملك لا يأخذ إلا دقائق معدودة، لكنهم يجعلونها معاملة صعبة ممدودة، ولا تخرج إلا وقد ضاق صدرك، وتحجر قلبك، وأصبحنا – للأسف الشديد – نعيش في حالة مزرية، وفي قمة السقوط، نسأل الله السلامة و العافية.

 

العلامة الرابعـة: ترك الحكم بما أنزل الله، فقد روى الإمام أحمد، والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تبعتها أختها، وأولهن نقضا هو الحكم وآخرهن الصلاة» [4].

 

لا إله إلا الله، بالله عليكم أيها الناس أين الحكم بما أنزل الله؟ وأين هو تطبيق حدود الله على أصحابها؟ هل رأينا سارقًا قُطعت يده؟ هل رأينا زانيًا رُجم، أو جُلد جسده؟ هل رأينا سارقًا أو معتديًا أُقيم عليه الحد الذي يستحقه؟ هل رأينا قطاع الطرق قُتلوا، أو صُلبوا، أو قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف؟ هل حكم بما أنزل الله، لا وكلا وألف كلا، بل قد استبدل بحكم الله القوانين الوضعية، وأصبح المسلمون يُحكمون من الدول الشرقية أو الغربية، ونقض حكم الله كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يجعل ولايتنا فيمن خافه واتقاه واتَّبع رضاه.

 

العلامة الخامسة: من علامات زوال هذه الدنيا: ذهاب الأخيار والصالحين، وكثرة الأشرار المفسدين، فقد روى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من الأرض –أي: أهل الخير، والصلاح– فيبقى فيها عُجاجة لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا» [5].

 

وروى الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة، ويبقى منهم حثالة – والحثالة هو الرديء من كل شيء – يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم، وأماناتهم – أي: قد اختلطت عهودهم وأماناتهم – واختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه»  [6].

 

صلى الله على الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، عليه الصلاة والسلام ذهب الصالحون، نعم ذهبوا، ذهب الأخيار، ذهب الصالحون الأبرار على دين الله، ذهب العلماء الذين لا تأخذهم لومة لائم في الله.

 

كم نسمع من آبائنا من يقول: رعى الله فلانًا، فقد كان وكان! كم نسمع من يقولون: كان الأولون يفعلون ويفعلون! كم نسمع تلك الكلمة التي تردد على كثير من الألسنة “ذهب من كل شيء أحسنه”! وصدق الحبيب المصطفى، عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من الأرض» [7].

 

العلامة السادسة: كثرة موت الفجأة.

فقد روى الطبراني وصححه الألباني رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمارات الساعة: أن يظهر موت الفجأة» [8].

 

وهذا أمر مشاهد في هذا الزمان، فترى الرجل في غاية صحته، ثم إذا به يموت فجأة على فراشه، أو وهو يمشي في طريقه، أو وهو راكب على سيارته! كم من رجل خرج من بيته وما رجع إلا ميتًا، كم من إنسان ركب سيارته وما رجع إلا وقد اختلط لحمه وعظمه بحديدها!

 

كم من رجل نام وما قام! وذهب وما رجع! كم هم أولئك الشباب الذين يموتون بعز شبابهم، وفي كامل صحتهم وقوتهم!

 

قفْ وتأمل في أكثر من يموت في هذه الأيام، هل رأيتم رجلًا مات وقد جاوز السبعين والثمانين من عمره؟ هذا قليل في هذا الزمان، وإلا فأكثر من يموت بموت الفجأة، تصلي مع أحدهم صلاة، وإذا بك تصلي عليه الصلاة الأخرى، تراه قبل ساعات وبعدها تتفاجأ بأن يقال لك: فلان مات، كيف مات؟! قالوا ذبحة صدرية، وآخر سكتة قلبية، أو جلطة أو رصاصة طائشة، وغير ذلك من الأعراض التي نسمع بها في هذا الزمان، نسأل الله حسن الختام.

 

العلامة السابعة: كثرة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، فقد روى الإمام أحمد، وصححه الألباني رحمهما الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن بين يدي الساعة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق» [9]؛ إي – والله – لقد ظهرت شهادة الزور، وأصبح كثير من الناس يستطيع أن يبيع دينه، ويشهد زورًا بلقمة عيشه، أو بتخزينة يومه – كما يقال – فإذا أراد أحد الظلمة أن يبرئ نفسه، ويجعل الحق الذي عليه له، أخذ له واحدًا ممن لا خلاق لهم من جوار المحكمة، ووعده أن يملأ كرشه، أو ينفخ وجهه بتخزينة يومه، فيدخله إلى الحاكم، ليشهد له بما أراد، وإذا به يشهد، ويتكلم، ويرعد، ويزبد بالأخبار الكاذبة، ويحلف الأيمان الفاجرة، وهكذا يصبح المظلوم ظالمًا، والبريء متهمًا، بشهادة الزور ظلمًا وبهتانًا!

 

كم – والله – في السجون من الأبرياء والمظلومين الضعفاء؛ بسبب شهداء الزور، بل كم قد حُكم بالإعدام على أناس بُرَآء، ولكن الموعد الله، وعند الله تجتمع الخصوم.

 

يقول أحد العلماء: قلت لأحد القضاة ما أغرب وأعجب قضية عُرضت عليك؟ قال: قضية رجل سجن بتهمة القتل بشهادة زور، وسجن وهو متهم بالقتل ظلمًا وعدوانًا، حتى حكم عليه بالإعدام، وبالفعل وُقِّعت أوراقه وانتهي من قضيته، قال: فلما قرأت البيان، وكان المجلس ممتلئًا، والمشهد رهيبًا، وفي نهاية القراءة قلت: وقد حكمت المحكمة بناءً على ما سبق، قال: وبدل أن أقول بإعدام المتهم، قلت – وبدون شعور -: ببراءة المتهم، لا إله الا الله! قال: والناس منهم من يصرخ، ومنهم من يبكي، وأنا لم أتمالك أعصابي، فتركت منصة القضاء وعدت إلى مكتبي، ووضعت رأسي بين يدي، وظللت أبكي، قال: وأقسم بالله لقد عرفنا القاتل الحقيقي، فقد جاء واعترف تفصيلي بجريمة قتله، وبرَّأ الله المتهم من فوق سماواته قبل أن تبرئه المحكمة، ولكن شاهد الزور له يوم لن يفلت منه، فسيجمعه الله بمن ظلمه، وشهد عليه زورًا وبهتانًا: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، فشهادة الزور من أعظم الكبائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ … ثم قال: وشهادة الزور!» [10].

 

أسأل الله العظيم أن يجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل لنا وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا…

 


[1] رواه أحمد (5 / 278)، وأبو داود (4297).

[2] رواه أحمد (24519).

[3] رواه البخاري (2083).

[4] رواه أحمد (22160)

[5] رواه أحمد في مسنده (6964).

[6] رواه أحمد في مسنده (7049).

[7] رواه أحمد في مسنده (6964).

[8] رواه الطبراني.

[9] رواه أحمد (3870).

[10] رواه البخاري (5976)، ومسلم (87)، وهذا لفظ مسلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *