طموحات المرءِ وأهدافه ونظرته للأمور تتغيَّر في كلِّ مرحلةٍ من مراحل الحياةِ، ولا تبقى ثابتةً جامدةً استيتاكيةً لا نستطيع التغيير فيها أو عليها، وكلما زاد وعي المرء كان التغيير أكبر وأعظم…
♦ عليك أن تعي أنَّك مهما حاولت جاهدًا اكتشاف نفسك، ومهما حصدتَ من إنجازاتٍ ناجحةٍ في سبيل معرفة ذاتك، سيبقى هناك جزءٌ مخبوءٌ من نفسك لم تنجح في اكتشافه بعد والسبر عن أغواره، وهذا يعني أنَّ مرحلة التنقيب عن الذات والنَّفس تبقى مستمرةً لا تكاد تنتهي إلا بانتهاء الحياة!
♦ مجالسةُ نفسك كلَّ يومٍ لمدةٍ قصيرةٍ تكشف لك حقائق عن ذاتك قد خفيَتْ عليك، لقد مدح الله في كتابه عبادة التفكُّر في أكثر من آيةٍ، ومن أعظم التفكرِ تفكُّر المرء بذاته ونفسِه.
♦ قد يتعجَّل المرءُ أحيانًا في التعريفِ عن نفسه وذاته (ماذا يحب؟ وما يهوى؟ وماذا يرغب؟ ومن يكون؟) ومع مرور الأيام يكتشف أنَّه لم ينجح فعليًّا في معرفة ذاته ونفسه وقد صُدِم بهذه الحقيقةِ بين طيَّات وَورقات الواقع، ويعني هذا: التروِّي والتريث والتمهُّل في التعريف عن ذواتنا ونفوسنا والقول في اكتشافها.
♦ طموحات المرءِ وأهدافه ونظرته للأمور تتغيَّر في كلِّ مرحلةٍ من مراحل الحياةِ، ولا تبقى ثابتةً جامدةً استيتاكيةً لا نستطيع التغيير فيها أو عليها، وكلما زاد وعي المرء كان التغيير أكبر وأعظم، ماذا يعني هذا؟ من الطبيعي أَن يُغيِّر المرء من أهدافه وطموحاته وتعريفه عن ذاته ونفسه، وهذا لا يعد تنازلًا عن الماضي وإنما يعد تجديدًا له ومواكبةً للمرحلة الزمنيةِ التي يعيشها الواحد منا.
♦ هناك أربعة أسئلة تكشف لنا ذواتنا وتزيدنا معرفةً بنفوسنا:
من أنا؟ هذا السؤال دعا جَمْعًا من الشعراء إلى أن يكتبوا فيه أبياتًا، فالمتنبي عرَّف نفسه قائلًا:
أنا الذي نظَرَ الأعمى إلى كتبي *** وأسمَعتْ كلماتي من به صمَمُ
نازك الملائكة كتبت قصيدةً بعُنوان “أنا”:
الليلُ يسأل: من أنا؟
أنا صمته المتمرد
أنا من أكون
والريح تسأل: من أنا؟
والذات تسأل: مَن أنا؟!
والحجَّاج بن يوسف الثقفي كان يردد بيت سُحَيْم بن وثيلٍ المشهور كثيرًا:
أنا ابن جلا وطلَّاع الثنايا *** متى أضع العِمامةَ تعرفوني
وللصراحةِ فإنَّ جواب السؤال ليس سهلًا يسيرًا، وكلَّما خاض المرء غِمار التجربةِ في أكثر من حقلٍ عرف نفسه بشكلٍ أكبر.
1- من أنا؟ يعني: ما طموحاتي وأهدافي وشغفي وسر تميزي ونقاط قوتي؟
2- ماذا أريد؟ قائمة من الأمور التي أسعى لتحقيقها من مشاريع العمر التي أرغب في إنجازها قبل الوفاةِ، ثم أبدأ تجزئتها على مدار الشهور والسنوات.
قيل لأحدهم: ما هو مشروع العمر الأعظم لك في هذه الحياة؟ قال: تخريج ١٠٠ ألف حافظٍ لكتاب الله! قيل له: وكم حفَّظت وخرجت حتى الآن؟ قال: عشرين ألف حافظٍ حتى الآن!
3- أين أنا الآن من الأمور التي أريد تحقيقها؟ مفهوم هذا يكمن في إبصار موضع القدمين بدقةٍ ومعرفة خطاك اللحظة كي تسير في تحقيقِ أهدافك بشكلٍ واضحٍ وناجح.
4- كيف أصِل؟ الخطة التي سأسير عليها، الشخص المناسب الذي سيساعدني، الأوقات التي سأصرف فيها الجهد لتحقيق إنجازي، المال الذي يحتاج إليه المشروع الذي أسارع فيه، خطة كاملة تأخذ بيدك خُطوةً خُطوة باتجاه مجدك وبناء عزك وتحقيق نجاحاتك.
أخيرًا أُخَي، لم يستعذ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من نفسه، لكنه استعاذ من شرها «وأعوذ بك من شر نفسي» فلا تبخل على نفسك بالتعرف عليها وإعطائها نصيبًا من العناية والبحث والتنقيب؛ حتى يعظم إنجازك ويزداد رصيدك.
_________________________________________________________
الكاتب: نسيم إسماعيل الديسي
Source link