منذ حوالي ساعة
الناس حيال وقوع المنكرات ثلاثةٌ: مرتكبها، والْمُنْكِرُ عليه، وتاركها، وقد وقع التركيز في القرآن على القسمين الأوَّلين وعاقبتهما، وفي سياقهما ذُكِرت أوصافهما
الناس حيال وقوع المنكرات ثلاثةٌ: مرتكبها، والْمُنْكِرُ عليه، وتاركها، وقد وقع التركيز في القرآن على القسمين الأوَّلين وعاقبتهما، وفي سياقهما ذُكِرت أوصافهما، ومن تلك الأوصاف ما يتصل بالناس لها أو عليها، فالواقع في المنكر صار عبرةً وسلفًا ومثلًا للناس؛ قال الله سبحانه وتعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56]، ومُنْكِرُ الْمُنْكَر شهيد على الناس؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78].
أما الفريق الثالث – تارك المنكر – الذي لم ينكره في العلن ولم يرتكبه، فقد جاءت حالته في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فلْيُغَيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
والإنكار بالقلب مرحلة خَفِيَّة دقيقة، وهي مهمة وذات قيمة عالية، وقد يحصل بها بعض الإصلاح، صحيح أنها قد لا تحجب العقوبة الشاملة، لكنها تنجي صاحبها بإذن الله يوم القيامة، وتعذره أمام الله.
وتقتضي – أولًا – صدق القلب بإقرار الْمُنْكِر أنه مُنْكَر، والتألم من وقوعه وانتشاره، وحزم النفس على عدم ارتكابه، ثم تقتضي – ثانيًا – عدم شهوده، وترك المكان الذي يُرتكَب فيه، فليس منكِرًا لو قعد في مكان الْمُنكَر وقت حدوثه، بل هو واقع فيه ولو لم يفعله؛ لأن جلوسه تقرير بعدم خطأ مرتكب المنكر؛ قال الله تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].
إن الإنكار بالقلب ولو لم يُعْطِ صدقًا واضحًا على صاحبه، وموقفًا بينًا له من الخارج، فيكفي فيه صدق القلب، ويكفي عدم الإقرار بالمنكر، وهذا بذاته موقف مهم يحصل به التأثير.
وخفاء موقف الإنكار بالقلب جعل بعض الناس يظن لقصر التفكير، وضيق التأمل، عدمَ وجوده، فيصير أمام خيارين: إما الإنكار العلني الذي قد يتعذر عليه، فليس أمامه سوى ركوب المنكر، لكنَّ بين يديه حلًّا دقيقًا، وموقفًا عظيمًا، هو ترك المنكر وعدم تقريره.
وقريب من صاحب هذا الموقف من لا يفعل المنكر، لكنه لا يبالي به؛ لضعف إيمانه، وقصر تأمله، حتى إذا طُلِبَ منه أو عُرِضَ عليه، لا يتوانى في ارتكابه، كالذي قال لمن طلبوا منه أن يُقرِّب شيئًا للصنم: “ما عندي ما أُقرِّب”، فهو مستعدٌّ للمنكر، ينتظر متى يُعرَض له.
وجود هذه التفاصيل في التعاطي مع المنكرات يعني وجوب إحياء القلب بالتفكر والتأمل؛ لأن التماهي معها يُفْقِد القلب وازع الإنكار، فيتشرَّب الفتن، فيسودُّ القلب فيؤول إلى سوء المصير.
______________________________________________________
الكاتب: عبدالكريم الخنيفر
Source link