أيها المحزون – طريق الإسلام

أيها المحزون: اعلم انك لست الوحيد في البلاء فما سلم من الهم احد وما نجا من الشدة بشر، وتيقن ان الدنيا دار محن وبلاء وتفكر فيمن سبقوك في مسيرة الحياة فابتلوا بأشد من بلائك فعند ذلك يهون بلاؤك عندك وتستمتع بالحياة كالآخرين.

بسم الله الرحمن الرحيم

 
أيها المحزون: اعلم انك لست الوحيد في البلاء فما سلم من الهم احد وما نجا من الشدة بشر، وتيقن ان الدنيا دار محن وبلاء وتفكر فيمن سبقوك في مسيرة الحياة فابتلوا بأشد من بلائك فعند ذلك يهون بلاؤك عندك وتستمتع بالحياة كالآخرين.

أيها المهموم: كل ما أصابك فأجره على الله من الهم والغم والحزن والمرض والمصائب، واعلم بأن المصائب تفتح الأسماع والأبصار وتحيي القلب فتردع النفس وتزيد الثواب. فاترك الهموم جانبا واعلم بأن الحياة قصيرة فلا تقصرها أكثر بالنكد، واجعل همك هما واحدا فقد أرشدك قدوتك صلى الله عليه وسلم بقوله: «من جعل الهموم هما واحدا؛ همَّ المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» [1].

ونتيجه توحيد الاهتمام يخلف الله عليك، فتنال سعادة الدنيا قبل الآخرة، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» [2].

أيها المسلم: أنت الذي تلون حياتك بنظرك إليها، فحياتك من صنع أفكارك فلا تضع نظارة سوداء على عينيك واعمل بوصية حبيبك صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» ، وليكن إيمانك بقضاء الله وقدره قويا فإن الله يقول: {ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}.

وقال صلى الله عليه وسلم: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.. وقال عليه الصلاة والسلام: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [3]. 

قال شريح رحمه الله: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذلم يجعلها في ديني[4]. وجاء رجل إلى يونس بن عبيد رحمه الله فشكا اليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك فقال: ايسرك ببصرك مئة الف ؟ قال: لا، قال: فبسمعك؟ قال:لا، قال: فبلسانك؟ قال:لا، قال: فبعقلك؟ قال:لا، وذكره نعم الله عليه ثم قال يونس: أرى لك مئات الالوف وانت تشكو الحاجة[5].

وقال أحد السلف لهارون الرشيد: أرأيت لو ظمئت ظمأً شديدا ولم تعط الماء الا بنصف ملكك اكنت باذله؟ قال: نعم، قال: ارأيت لو حبست هذه الشربة في بطنك ولم تستطع اخراجها من بطنك الا بنصف ملكك اكنت باذله؟ قال: نعم، فقال: ملك لا يساوي شربة ماء وبولة لا يستحق ان يعصى الله بسببه.

ايها المسلم: اتعلم احدا حيزت له الدنيا فملكها؟ إنهم كثيرون ولكن قل من يشكر. قال صلى الله عليه وسلم: «من اصبح منكم آمنا في سربه معافا في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» [6].وقال رجل لعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ قال: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: مسكن تسكن إليه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما، قال: فأنت من الملوك[7].

أنت في نعمه فاعرف قدرها ، قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» ، ارض بالله فسيرضيك قال صلى الله عليه وسلم: «من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمدا صلى الله عليه وسلم رسولا كان حقا على الله ان يرضيه».

أيه المسلم: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة وهي ذكر الله وطاعته وحبه والانس به والشوق اليه،

ومما زادني شرفا وتيهـــــــــا — وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي —  وأن صيرت أحمد لي نبيـا

أيها المحزون: ألا زلت مصرا على ألا تبتهج بالدنيا؟ تأمل قوله تعالى: «ألم نشرح لك صدرك» شرحناه بالإيمان وأسعدناه بالهدى كما قال سبحانه: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء…، كيف تحزن وقد هداك الله للإسلام بعد أن ضل عنه كثير من الناس؟

أيا ربي لك المنَّــة  —  على الإسلام والسنة
هما والله برهانان  —  لأن ندخل الجنــــــة[8]

كيف يحزن من كان الله كافيه {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [9].
كيف يخاف من كان الله معه
{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [10].

أيها الفقير الحزين: صبر جميل فقد سلمت من تبعات المال وخدمة الثروة وعناء الجمع ومشقة حراسة المال وخدمته وطول الحساب عند الله.

ايها المريض الحزين: طهور إن شاء الله فقد هذبت من الخطايا ونقيت من الذنوب وصقل قلبك وذهب عُجبك وكبرك.
يا من كف بصره فحزن: أبشر بالجنة ثمنا لبصرك واعلم انك عوضت نورا في قلبك وسلمت من رؤية المنكرات ومشاهدة الملهيات.

أيها المذنب المحزون: تفكر في رحمة الله الرحيم الرحمن فقد غفر لبغي سقت كلبا وعفا عمن قتل مئة نفس وبسط يده للتائبين. أبونا آدم أكل من الشجرة وعصى ربه فأهبطه الله الى الأرض، فلما اعترف واستغفر تاب الله عليه وهداه وجعله نبيا وأخرج من صلبه الانبياء والاولياء وصارت حاله الثانية افضل واكمل من حاله الاولى.

وهذا داوود عليه السلام ارتكب الخطيئة فندم وبكى فكانت في حقه نعمة من اجلِّ النعم فإنه عرف ربه معرفة الذليل الطائع المنكسر الخاشع، وهذا ركن العبودية كما في نونية ابن القيم رحمه الله:

وعبادة الرحمن غاية حبه  —  مع ذل عابده هما قطبان

وقد سئل شيخ الاسلام عن قوله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن لا يقضي الله له شيئا الا كان خيرا له..» هل يشمل هذا قضاء المعصية؟ فقال: نعم، بشرط أن يندم ويتوب وينكسر بين يدي الله تعالى.

أيها المهموم: لا تقصر حياتك بالهموم وتأمل هذا الحوار الشعري في قول الشاعر:

قال السماء كئيبة، وتجهمــــــــــــا  —  لت: ابتسم، يكفي التجهم في السما
قال: العدا حولي علت صيحاتهــم  —  أأسر والاعداء حولي في الحمـــــى؟
قلت: ابتسم، لم يطلبوك بذمهــــم  —  لو لم تكن منهم أجل وأعظمــــــــــــا
قال: الصبا ولّى، فقلت له ابتســـم   —  لن يرجع الأسف الصبا المتصرمـــــا
قال: البشاشة ليس تسعد كائنـــــا   —  يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغمــــــــا
قلت: ابتسم ما دام بينك والــردى  —  شبر فإنك بعد لن تتبسمــــــــــــــــــا[11] 

ويخاطب مكتئبا فيقول:

أيهذا الشاكي وما بـــــك داء  —  كن جميلا تر الوجود جميـــــلا
والذي نفسه بغير جمـــــــال  —  لا يرى في الوجود شيئا جميلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيـه  —  لا تخف أن يزول حتى يـــزولا[12]

ويختصر ابو العتاهية رحمه الله السعادة في هذه الابيات فيقول:

رغيف خبز يابس تأكله في عافيـــــــــه  —    وكأس ماء بارد تشربه من صافيــــة
وغرفة ضيقة نفسك فيها راضيــــــــــة  —    ومصحف تدرسه مستندا لساريـــــة
خير من السكنى بأبراج القصور العاليـة  —    وبعد قصر شاهق تُصلى بنار حامية
 

——————————————
[1] رواه ابن ماجه عن ابن مسعود، والحاكم عن ابن عمر، وحسنه الألباني في صحيح الجامع/ 6189.
[2]  رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 6510 والصحيحة/949،950.
[3] مسلم (2999)
[4] السير 4/105.
[5] السير 6/292.
[6] الترمذي(2268) وابن ماجه(4131) وحسنه الالباني في صحيح الجامع /6042.والصحيحة/2318.
[7]  رواه مسلم.
[8] أنشده الإمام البربهاري في شرح السنة.
[9] الانفال/64
[10] النحل/128
[11]  ديوان ايليا ابو ماضي /529، والمؤمن يستمر في سعادته بعد الموت.
[12] ديوان ايليا ابو ماضي /490.

______________________________________________________
الكاتب: 
د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *