عن النواس بن سمعان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قال سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة تقدمه سورة البقرة وآل عمران»
{بسم الله الرحمن الرحيم }
** سميت هذه السورة في كلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلام الصحابة: «سورة آل عمران»، ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ( «إقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران» ).
وفيه عن النواس بن سمعان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قال سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ( «يؤتى بالقرآن يوم القيامة تقدمه سورة البقرة وآل عمران» )
وروى الدارمي في مسنده: أن عثمان بن عفان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: “ «من قرأ سورة آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة» ”
وسماها ابن عباس في حديثه في “الصحيح”، قال: “ «بت في بيت رسول الله فنام رسول الله حتى إذا كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله فقرأ الآيات من آخر سورة آل عمران» “.
** ووجه تسميتها بسورة آل عمران أنها ذكرت فيها فضائل آل عمران وهو عِمْرَانُ بْنُ مَاتَانَ أبو مريم وآله هم زَوْجُهُ حَنَّةُ وَأُخْتُهَا زوجة زكريا النبي، وزكريا كافل مريم إذ كان أبوها عمران توفي وتركها حملا فكفلها زوج خالتها.
** من أسمائها أيضا: طيبة، الزهراء. كما جاء في صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، «باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة»، عن أبي أمامة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ( «اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ» …. )
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “وذكر الآلوسي أنها تسمى: الأمان، والكنز، والمجادلة، وسورة الاستغفار. ولم أره لغيره، ولعله اقتبس ذلك من أوصاف وصفت بها هذه السورة مما ساقه القرطبي، في المسألة الثالثة والرابعة، من تفسير أول السورة”.
** وهي مدنية، نزلت بعد البقرة وقبل الأحزاب، وعلى ذلك تكون السورة الثامنة والثمانين من حيث ترتيب نزولها.
** فضلها:
– لقد شاركت سورة آل عمران سورة البقرة في كثير من فضائلها، فهما الزهراوان اللتان تأتيان يومَ القيامةِ كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقٌ من طيرٍ صوافّ تحاجّان عن صاحبِهما، وتقدمان القرآنَ وأهلَه يومَ القيامةِ: كما ورد في حديث أبي أُمَامَةَ الباهليِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سمعتُ رسولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «(اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا ..)» . [مسلم]
– وكما جاء في حديث النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: سمعتُ رسولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «(يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ)، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: (كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ [ضوء] أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ [طائفتان] مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا)» [مسلم].
– وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يعدون قارئ البقرة وآل عمران من عظمائهم: كما ورد في حديث أنسِ بنِ مالكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: « أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ: الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، جَدَّ فِينَا -يَعْنِي عَظُمَ-» [الإمام أحمد، وقال عنه شعيب الأرنؤوط: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”].
– وقد اشتملت كل من السورتين على «اسم الله الأعظم» الذي إذا دُعِيَ به أجاب وإذا سئل به أعطى: كما جاء عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «(اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {{الم اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}} )» . [أبو داود، والترمذي، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”، وحسنه الألباني في تعليقه على السنن، وكذلك حسين أسد في تعليقه على سنن الدارمي]
– وهما من السَّبعِ الأُوَل من القرآنِ اللواتي عد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخذهن حبرا: كما جاء في حديث عائشةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «(مَنْ أخذَ السَّبعَ الأُوَلَ منَ القرآن فهو حبرٌ)» [أحمد، وحسنه شعيب الأرنؤوط].
– كما أنهما من السبعِ الطِّوالِ التي أوتيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانَ التوراة: كما ورد في حديث واثلةَ بنِ الأسقعِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(أُعطيتُ مكانَ التوراةِ السبعَ…)» [أحمد، وحسنه شعيب الأرنؤوط]
– ومن فضائلهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كثيراً ما يقرأُ في ركعتيِ الفجر بآيتين من السورتين المذكورتين، كما في حديث ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: {{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}} الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْهُمَا: {{آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} } التي في آل عمران” [مسلم كتاب الصلاة: باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما، وتخفيفهما والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما].
– ومما اشتركت فيه آل عمران من الفضل مع غير البقرة: قول عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: علمنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة الحاجة: «(إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا})» [الأحزاب:70-71] [أبو داود، والترمذي وصححه، وأحمد، وصححه الألباني في تعليقه على السنن، وكذلك الأرنؤوط في تعليقه على المسند].
– ومما اختصت به آل عمران فضل خواتيمها، بدءا من قوله تعالى: {{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..}} [الآيات:190-200]؛ ما جاء في حديث ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: “ «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِسَادَةٌ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طُولِهَا فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَاتِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ) » [البخاري، ومسلم].
– فشأن هذه الآيات عظيم، ذلك أن الويل لمن قرأها ولم يتفكرْ فيها، كما ورد في حديث عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- حين طلب منها عبيد بن عمير أن تخبره عن أعجب ما رأت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: فسكتتْ. ثم قالت: «لما كان ليلة من الليالي. قال: يا عائشة، ذريني أتعبدُ الليلةَ لربي، فقلت: والله إني لأحبُّ قربَكَ وأحب ما يسرُّك. قالت: فقام فتطهرَ، ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي، حتى بلَّ حِجْرَهُ. قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيتَه قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسولَ الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد أنزِلَتْ عليَّ الليلةَ آيةٌ؛ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..} الآيات) » [ابن حبان في صحيحه، وقال الأرنؤوط في تحقيقه له: “إسناده صحيح على شرط مسلم”].
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
Source link