تبدأ السورة بإقرار الهلاك للمطففين من هؤلاء الذين يبخسون الناس أشياءهم فإذا كان للناس حقا عندهم فيما يكال ويوزن اعطوهم حقهم ناقصا وإذا كان لهم عند الناس شي أخذوا حقهم كاملا
مناسبة السورة لما قبلها :
أنه جل جلاله لما قال في الانفطار: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين} “الانفطار: ذكر في هذه السورة حال ما يكتبه الحافظان، وهو: كتاب مرقوم جعل في عليين، أو في سجين
وفى المجمل إن هذه السورة هى الموضحة لسورة الانفطار والمفصلة لمجملها
يقول السيوطى ” السور الأربع ترتبط ببعضها فغالب ما فى التكوير وجميع ما فى الانفطار يقع فى صدر يوم القيامة ثم بعد ذلك يكون الموقف الطويل ومقاساة العرق والأهوال فذكره فى هذه السورة يوم يقوم الناس لرب العالمين ” تناسق الدر فى تناسب الآيات
محاور السورة :
إعلان الحرب على المطففين
وعيد الكفار
وعد الأبرار بالثواب العظيم
مشاهد تصف سوء أدب الذين أجرموا مع المؤمنين وجزاء المؤمن يوم القيامة
قال تعالى :” {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4)}
تبدأ السورة بإقرار الهلاك للمطففين من هؤلاء الذين يبخسون الناس أشياءهم فإذا كان للناس حقا عندهم فيما يكال ويوزن اعطوهم حقهم ناقصا وإذا كان لهم عند الناس شي أخذوا حقهم كاملا
ثم تتعجب الآيات من هؤلاء المطففين ألا يظن هؤلاء أن هناك يوم حساب سيقفون بين يدى المولى عزوجل للحساب ألا يردهم ذلك عن أكل أموال الناس بالباطل واستخدامهم لسلطتهم فى ظلم الناس وبخسهم حقهم
لقد كان التطفيف فى الميزان متفشيا فى المدينة فنزلت هذه الآيات لتحذرهم من هذا الأمر وتذكرهم باليوم الآخر يوم الحساب فقد أهلك الله أقواما من قبلهم كانوا يبخسون الناس فى الميزان ولا يؤدون حقهم
وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال ﴿ { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً} [ سورة الإسراء: 35]) وقال ( {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} ) [الأنعام 152] وقال { (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) )} [الرحمن : 9]
وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم بأنهم كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان .
وليعلم كل من بخس الناس حقهم أنه سينال مصير المطففين وأن التطفيف يظهر فى كل زمان ومكان فإنه آفه من آفات العصر أنك تجد من يحتكر السلع ويستغل الناس واحتياجهم للسلعه فيغالى عليهم السعر وترى الأسعار فى ازدياد غير مبرر وما هو إلا جشع التجار وتحكم الكبار فى أقوات الناس ولا عجب فى تزكية النبى صلى الله عليه وسلم للتاجر الأمين إذ يقول “التاجرُ الصدوقُ يُحشَرُ يومَ القيامةِ مع النبيينَ والصدّيقينَ والشهداءِ وحَسُنَ أولئكَ رفيقا”
إن الآيات تعلن الحرب على المطففين الذين تلاعبوا باقتصاد البلاد وتقف فى وجه الغبن والاحتكار والبخس وق د حظرت الآيات من أكل أموال الناس بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض بينهم وأى تراض وهؤلاء المطففين يزايدون على الناس فى كل يوم ليقبل المشترى الثمن لأنه ليس هناك بديل ثان
يقولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: “ «لا يحلُّ لأحدٍ يبيعُ بيعاً إلا بيّنَ ما فيه، ولا يحلُّ لِمَنْ يعلمُ ذلكَ إلاَّ بيَّنَه» “، ف الأزمة إذن أزمة أخلاق وبعد عن الدين
فإذا كان التهديد فى الآيات لمن يطفف في حبات القمح والذرة ، فكيف بمن يطفف في حقوق زوجته وأولاده وأهله أجمعين
قال تعالى {(الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون)} التعبير بعلى وليس اللام ليدل على استعلاء هؤلاء التجار المطففين وغلبتهم على الناس بأموالهم واحتكاارهم للتجارة
يقول الفخر الرازى : أنَّ أمْرَ المِكْيالِ والمِيزانِ عَظِيمٌ، وذَلِكَ لِأنَّ عامَّةَ الخَلْقِ يَحْتاجُونَ إلى المُعامَلاتِ وهي مَبْنِيَّةٌ عَلى أمْرِ المِكْيالِ والمِيزانِ، فَلِهَذا السَّبَبِ عَظَّمَ اللَّهُ أمْرَهُ فَقالَ: {﴿والسَّماءَ رَفَعَها ووَضَعَ المِيزانَ﴾} [الرحمن: ٧] { ﴿ألّا تَطْغَوْا في المِيزانِ﴾} [الرحمن: ٨] فإن السماء رفعت والأرض سطحت والأنبياء بعثوا بهدف أقامة العدل فى الأرض
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لَهُمْ: {﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾} ؟ الاستفهام هنا يبين أن هذا العمل لا يصدر إلا ممن لا يؤمن بالبعث والحساب لانه لو آمن به لما عصى ربه
وقوله :” {یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ } فهل قاموا بحق الله فى الدنيا واستوفوا حقوق الناس قبل أن يقوموا بين يدى الله عزوجل يوم القيامة
والحق أن التطفيف ليس قاصرا على الكيل والميزا ن فهناك تطفيف فى الوظيفة عندما يطلب الموظف كل حقوقة المالية مع تقصيره فى ادائه واجبه الوظيفى وما أسند إليه من أعمال فهذا تطفيف وهناك تطفيف مع العمال يستأجره ويستعمله ولا يوفيه حقه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (( «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطِهِ أجره» ))؛ [رواه البخاري (2270)]. من التطفيف المعاملة بين الزوج والزوجة ف واننا نجد كل طرف يطالب الاخر بحقوقه ويتناسى ما عليه من واجبات كل هذا صور من صور التطفيف فى المجتمع
ثم ينتقل إلى المحور الثانى من السورة وهو الوعيد للكفار
إذ يقول تعالى :” {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)}
الفجار هم المتجاوزون للحد فى المعصية والإثم
يقول الطبرى : ( كلا ) ، أي ليس الأمر كما يظن هؤلاء الكفار ، أنهم غير مبعوثين ولا معذبين ، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ( لفي سجين ) وما سجين هى مكان تحت الأرض السابعة يقول بن كثير سجينا مأخوذ من السجن وهو الضيق فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق وكل ما تعالى منها اتسع وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة”
وقوله “ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ” للتهويل والتعظيم ليشعرك أن الأمر أكبر من إدراك البشر
” كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ” أي مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد
أى أن هؤلاء الفجار أعد لهم كتاب أحصى جميع أعمالهم السوء هم ومن على شاكلتهم فى الأرض السفلى أو قعر جهنم
ثم توعدهم بالهلاك والدمار لهؤلاء الذين كذبوا بيوم الحساب ثم يبين السبب فى تكذيبهم هذا هو تجاوز الحد فى الآثام والمعاصى فكيف لمن هذه حياته وديدنه أن يفكر فى يوم الحساب ويعمل له لأنه يعلم أن أعماله هذه ستؤدى به إلى النار حتما فماذا يفعل لكى يغطى على صوت ضميره أن يكذب بالحساب أصلا وتجده يسىء الأدب مع آيات الله إذا تتلى عليه ويدعى أنها أساطير وأوهام لما فيه من قصص الأمم السابقة و العبر منها التى لا تتبدل ولا تتغير
فى قوله :” { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
وتكشف لنا الآيات عن سبب تكذيبهم إنها المعاصى والذنوب التى حجبت عن القلب النور نور الحق فانطمس القلب وأظلم وفقد حساسيته شيئا فشيئا حتى مات وذلك الذى يفسره لنا حديثالنبى صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت فذلك قول الله :” {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
تكرر كلا للردع
وقوله :{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ}
ونتيجة ان هذة القلوب حجبتها المعاصى والذنوب فكان الجزاء من جنس العمل ان تحجب عن النظر الى ربها فى الآخرة وأن أعلى درجات النعيم فى الآخرة هى رؤية وجه الله بكرة وعشية تلك النعمة التى حرموا منها فكان نوع آخر من العذاب أن تحجب الروح عن خالقها وأصل وجودها فى الحياة فقد طمست فطرتها وفقدت إنسانيتها فى الحياة فقست القلوب فأصبحت كالحجارة وأصبح لاحل لإذابه قسوتها إلا النار
وهناك الكثير من الأحاديث الدالة على رؤية المؤمنين ربهم فى الآخرة بالأبصار يوم القيامة والتى منها مارواه مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “ «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبِيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ. فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» “
ثم يقال لهم على وجه التوبيخ {” هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)} إنه نوع آخر من العذاب أن يقف الانسان فى موقف ذلة وانكسار كموقف الكفار يوم القيامة
وعليه فإن فى الآيات ثلاثة عذابات عذاب الحجيم وعذاب التوبيخ واللوم وعذاب الحجب عن رب العالمين
وبالمقابلة للفجار نرى جزاء الأبرار الصفوة المختارة الذين كتبت أعمالهم فى كتاب فى عليين فى أعالى الجنان
” {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)}
فلفظ عليين يوحى بالعلو والارتفاع لعلو مكانة هؤلاء الصفوة من المؤمنين عكس سجين الذى يوحى بالسفول والانحطاط
وقد عقبت الآيات بوعد الأبرار بعد وعيد الفجار
يقول الآلوسى فى ذلك ” إشعارا بأن التطفيف فجور والإيفاء بر،
“يشهده المقربون ” المراد بالمقربين جمع من الملائكة
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)}
ثم يصف النعيم الذى يتفضل الله به عليهم يجلسون على أسرة منعمين ينظرون في ملكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل الذي لا ينقضي ولا يبيد “وقيل انهم ينظرون إلى وجه الله بكرة وعشية بالمقابلة للفجار المحجوبون عن رؤية ربهم
إذا نظرت إليهم تعرف كم هم مترفون ومنعمون تفيض النضرة والجمال على وجوههم حتى ليراها كل من ينظر إليهم وكيف لا وهم ينظرون غلى ربهم بكرة وعشيا فألبسهم نورا من نوره
” يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ” أي يسقون من خمر من الجنة والرحيق من أسماء الخمر قاله ابن مسعود وابن عباس
وتعددت الأقوال فى ختامه مسك
وقال ابن مسعود في قوله ( ختامه مسك ) أي خلطه مسك أو طيبه مسك عن مجاهد
أن ختمه الذي يختم به الإناء مسك، قاله ابن عباس .
وفى ذلك يكون التنافس الحقيقى التنافس فى الدرجات العلى من الجنة
والناس فى الدنيا تتنافس فى متاع زائل فى مال فى سلطة وتتباهى وتتفاخر بالأولاد والعشائر والأحساب والأنساب وإنه لنعيم مهما بلغت درجته فهو إلى زوال كما وصفها الحق تبارك وتعالى ” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا “
وقد يصل إلى هذا المتاع بالظلم والغش وأكل أموال الناس بالباطل كما فعل هؤلاء المطففون هؤلاء ليس لهم حظا فى الآخرة من النعيم إنما الجنة تنال بطاعة الله و السعى لمرضاته ف كيف للعاقل أن يتنافس على شىء زائل
ان الله عزوجل يربى العباد على علو الهمة ويجعلهم دائما ينظرون إلى الآخرة غايتهم ربهم وما عنده من نعيم فالدنيا هى مزرعة الآخرة والسبق يكون فى أعمال الخير وليس لنيل شرف فى الدنيا أو جاه
{(وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ )}
تسنيم : هو أرفع شراب في الجنة يشربها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجا قاله ابن مسعود وابن عباس
{إِنَّ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَضۡحَكُونَ ٢٩ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمۡ یَتَغَامَزُونَ ٣٠ وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِینَ ٣١ وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ لَضَاۤلُّونَ ٣٢ وَمَاۤ أُرۡسِلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ حَـٰفِظِینَ ٣٣ فَٱلۡیَوۡمَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ یَضۡحَكُونَ ٣٤ عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ ٣٥ هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ ٣٦﴾} .
إنه مشهد استهزاء المجرمين الفجار بالمؤمنين والسخرية منهم يسخرون من ضعفهم وعدم قدرتهم على رد الأذى فقد كان المشركون يستهزئون بفقرائهم كعمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من الفقراء وكذلك يفعل المجرمون فى كل زمان ومكان تراهم يأخذونهم مادة للسخرية والاستهزاء من صلاتها أو من شكل حجابها أو لأنها لا تختلط بالرجال وتراهم يضحكون ويتغامزون عليهم كلما مروا بهم والغمز حركة بالعين وهى حركة تكشف عن سوء أدب هؤلاء المجرمين الفجار وتوغر صدور المؤمنين وتشعرهم أنهم ينقصهم شىء عن غيرهم ولكن الحقيقة ان المجرمين هم الناقصون وأنهم يتخفون وراء هذه الحركات الوضيعة ليداروا نقصهم لأنهم لم يسلكوا طريق الحق مثلما فعل المؤمنون فماذا يفعلوا ؟
يسخرون منهم وليس هذا فقط إنما تصور الآيات موقفهم إذا انقلبوا إلى أهليهم انقلبوا مبتهجين بما فعلوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين. لم يشعروا بأى وخز للضمير إذا خلوا بأنفسهم أو بالندم على ما فعلوا وهذا دليل على موت قلوبهم وأنه لا أمل من إصلاحهم
يقول سيد قطب :
وهذا التصوير المفصل لمواجعهم من أذى المشركين ، فيه بلسم لقلوبهم . فربهم هو الذي يصف هذه المواجع . فهو يراها ، وهو لا يهملها – وإن أمهل الكافرين حينا – وهذا وحده يكفي قلب المؤمن ويمسح على آلامه وجراحه . إن الله يرى كيف يسخر منهم الساخرون . وكيف يؤذيهم المجرمون . وكيف يتفكه بآلامهم ومواجعهم المتفكهون . وكيف لا يتلوم هؤلاء السفلة ولا يندمون ! إن ربهم يرى هذا كله . ويصفه في تنزيله . فهو إذن شيء في ميزانه . . . وهذا يكفي
.وليس هذا فقط إنما العجب كل العجب أن هؤلاء الفجار يرون أن المؤمنين هم الضالون {{وَإِذَا رَأَوۡهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ}} وهو المعروف فى علم النفس بالإسقاط أى أنهم يسقطون ما فى نفوسهم على غيرهم فيتهمون غيرهم بما فى أنفسهم من الذى وكلهم على المؤمنين يقيمون أعمالهم ويزنونها وما شأنهم والمؤمنين”وَمَآ أُرۡسِلُواْ عَلَيۡهِمۡ حَٰفِظِينَ”
ثم يأتى يوم الفصل يوم القيامة لينتهى الإيذاء ويبدأ الحساب اليوم الكفار محجوبون عن ربهم يقاسون ألوان العذاب والمؤمنون جعلهم الله من اوليائه المقربون ينظرون إلى ما أعده الله لهم من النعيم فى الجنة يأكلون ويتمتعون وتتبدل الأحوال وتراهم يضحكون مما حدث للمجرمين ويسخرون منهم مقابلة بسخريتهم من المؤمنين فى الدنيا عدلا من الله وحكمة
{{فَٱلۡيَوۡمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ ٱلۡكُفَّارِ يَضۡحَكُونَ} } هل وجدوا جزاء ما فعلوه ؟ إنه سؤال للسخرية والتهكم عليهم {هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (36
يقول ابن عاشور :” والثواب : هو ما يجازى به من الخير على فعل محمود وهو حقيقته كما في « الصحاح » ، ولكنه استعماله في جزاء الشر هنا استعارة تهكمية “
وفى النهاية سورة المطففين إنذار مدوى لكل من طفف فى معاملته وظلم غيره ظلم معنوى أو مادى
قد يستهين البعض بالأمر ولكنه عند الله عظيم فقد أهلك قوم شعيب لأنهم كانوا يبخسون الناس حقوقهم ولكل من استغل احتياج الناس وعوزهم فغالى فى السلعة لتحقيق مكسب على حساب غيره إنها دعوة لإقامة العدل فى الأرض الذى هوأساس الرسالات فى كل زمان ومكان وهى تذكره للمسلم بأن أعماله تسجل عليه من ملائكة كرام كاتبين إما فى عليين أو فى سجين فليراقب الله فى أعماله ليرتقى إلى أعالى الجنان وينال لذة النظر إلى وجه الله فى الجنة بكرة وعشيا
Source link