لا شيء يَشدُّ انتباه “روعة”؛ لقد انْتهت للتوِّ من أشغال البيت، فكَّرت أنْ تُطالع كتابًا أو تَجلس أمام التلفاز، لكنَّها أخذت تبحث في القنوات عن الجديد بتوتُّر ومَلل، لا جديد! مُذيعات كأنَّهن عرائس، تَمتمت بغضب: هذا سببُ الهلاك، “نادر” لا يَنفكُّ يُصدِر التعليمات: كُوني مثلَ المذيعة الفلانية، والممثِّلة الشهيرة، انظري إليهن، كأنَّهن النساء بين العالمين!
ليته يَفهم أنَّها لن تستطيع أن تكون كل يوم أخرى، لم تخدعه يومًا، حتى عندما جاء لزيارتهم في البيت لأوَّل مرة قصَدت طبيعية إلا من تجميل خفيف فقط، تتذكَّر وصية أمِّها “كونِي جميلة من الداخل؛ حتى يَنجلي جمالك بالخارج”، إيه! ليتَها كانت على قيد الحياة لِترى الجمال الصَّارخ الذي يأخذ العقول والألباب، كل شيء تغيَّر، أصبحت المظاهر تَطغى وتُسيطر على القلوب.
لكنَّها أمام مُشكِلة عاطفية، يُثيرها بصمته وجموده بعد أنْ استنفد معَها جميع الحيل، الهُوَّة تتَّسع بينهما، وكلما استعصت على التغيير زاد نفورًا منها، ماذا يريد بالتحديد؟! امرأةً سمراء في أول اليوم! ورديَّة اللون في المساء! صاخِبة المكياج والعطور في الليل! وشموعًا وظلاًّ راقصًا على ألحان نبضاته الحالِمة، تُطالِع وجهها في المرآة لمرات عديدة، ما الذي يَنقُصها كي تكون مَلِكة قلبه وفؤاده الملهوف؟
بعضًا من الأزياء، والقليل من المكياج، وعطر باريسي يَنثُر شذاه في كل أرجاء البيت، ودلال وتغنُّج وإبراز لكل مفاتنها حتى تَسلبه لبَّه، لا بدَّ لهذا كلِّه من جُهد ومال كثير وصبْر، لكن دولاب الملابس فيه الكثير من الفساتين التي جَلَبها معه في سفَره الأخير؛ فلا حُجَّة لها إذن!
ذات مرة بَاح بما يُكدِّر صفْوه: “كل شيء أضعُه بين يديك؛ كي نكون سعداء، والعمل يَأخذ كل وقتي وأَشعُر بالتعب والإجهاد، أحتاج لحظاتك السعيدة كي أستعيد نشاطي”.
كانت تُمسِك بكتاب تُقلِّب صفحاته بدون تركيز.
لكنَّه انتزعه منها غاضبًا: بعضًا من الاهتمام يا امرأة!
هل هذه أول خُطوة إلى الجفاء والنُّفور؟
كلامه ومعاملته لها تغيَّرت كثيرًا، لم يعد يَهتمُّ حتى وإنْ تَغيَّرت، ساء الحال وبدت في الأُفُق سحُبُ الفراق تُنذِر بالهطول، شيء ما تَحرَّك في الأعماق، حبيب الأمس قد يَضيع من بين يديك.
أخرى قد تُغدِق عليه من حنانها وحبِّها، وتبثُّه أشواقها، فيُهاجر عصفور الحب الأخضر إلى غير رجْعة.
مازالت تتذكَّر كيف قابَلها ببرود، وهي تَستعرِض أمامه فستانها الجديد، كانت رائعة، لكنَّها لم تُفلِح بعد! تَحتاج إلى دورة تدريبية في فنِّ المعاملة مع زوج رومانسي حالِم، ربَّما ابتسامة بدلال وكلمة عذبة تَجعله يُدرِك حاجتَها إلى قُربه الدائم، قليل من الصبر، فالقلوب جُبِلت على حبِّ من أَحَسن إليها.
ولكي تستعيد قلبَه النابض عليها أنْ تَكسر هذا الحاجز، لن تَكتفي بمعاملتها الطيِّبة في إيصال ما تَشعُر به تُجاهه، بل ستَبتكِر أساليب جديدة؛ كأنْ تكتُب له في ورقة صغيرة كلماتٍ عذْبة يبدأ بها صباحه، أو تضع وردة حمراء على مكتبه، أشياء تبدو صغيرة قد تُعيد الحياة إلى حبٍّ شَارَف على الهلاك.
__________________________________________________________
الكاتب: حسنية تدركيت
Source link