جعل الله للوالدين منزلةً عظيمةً لا تعادلها منزلة، فجعل بِرَّهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرضًا عظيمًا، بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال
جعل الله للوالدين منزلةً عظيمةً لا تعادلها منزلة، فجعل بِرَّهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرضًا عظيمًا، بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال، والحديث معهما بكل أدب وتقدير، والإنصات إليهما عندما يتحدثان، وعدم التضجر وإظهار الضيق منهما، وقد دعا الإسلام إلى البر بالوالدين والإحسان إليهما وذكره بعد الأمر بعبادة الله تعالى.
يا عباد الله، تقول فتاة: طلَّقَني زوجي وأنا صغيرة، ومعي طفل صغير، نذرت نفسي وحياتي لابني؛ كي أربِّيَه أحسنَ تربية، لم أقصِّر تجاهه في شيء، حرمت نفسي اللقمة والثياب والزيارة من أجله، لما كبر وصار عمره 20 سنة، بدأ والده بالتقرب إليه أكثر وأكثر، حتى أقنعه بالزواج من بنت أخت زوجته، لم أكن أرغب في هذا الزواج، حزنتُ كثيرًا، لكن ولدي لم يهتم، بدأت المشاكل تزداد مع زوجته وأسرته، وولدي مع الأسف صار معهم ضدي، لم أحتمل، خرجت وسكنت عند أخي، لكن قلبي يتقطع كمدًا على ابني، هل هذا هو جزائي؟ ماذا أفعل؟
قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، يا ألله من قلوب قد تحجَّرت وماتت، وانعدم فيها الإحسان والخوف من الله، قلوب نسيت المعروف وماتت الرحمة فيها!
يا عباد الله، وحتى لا نصل إلى مثل هذه القصص، علينا أن نعلِّم أولادنا بِرَّ الوالدين، وأنه من أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحَبُّ إلى الله؟ قال: (( «الصلاة على وقتها» ))، قلت: ثم أي؟ قال: (( «بِرُّ الوالدين» ))؛ [ (رواه مسلم) ].
علينا أنْ نعلِّمهم أنَّ رضا الوالدين من أسباب رضا الله سبحانه وتعالى؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (( «رضا الله في رضا الوالدين، وسَخَطُ الله في سخط الوالدين» ))؛ [ (رواه الترمذي) ]، وحتى نكسب بر أولادنا؛ علينا أن نعلمهم أن بِرَّ الوالدين يُطيل في العمر، ويزيد في الرزق؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (( «من سرَّهُ أن يُمَدَّ له في عمره، ويُزاد في رزقه، فَلْيَبَرَّ والديه، ولْيَصِلْ رَحِمه» ))؛ [ (رواه الإمام أحمد) ].
أيها المسلمون، علينا أن نعلم أولادنا أن كل الأعمال الصالحة تُقرِّب إلى الله، لكن الأعمال تتفاوت، تتفاوت درجاتها وفضلها، وأفضلها بر الوالدين؛ كما قال ابن عباس: “إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة”؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد]، وعلينا أن نعلم أولادنا أن بر الوالدين سبب في غفران الذنوب؛ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ قال: (( «هل لك من أمٍّ» ؟))، قال: لا، قال: (( «هل لك من خالة» ؟))، قال: نعم، قال: (( «فبرَّها» ))؛ [ (رواه الترمذي) ].
قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]، أما بعد:
أيها المسلمون، وحتى نساعد أولادنا على بِرِّ الوالدين علينا أن نجلس معهم، ونتحاور معهم، ونعلمهم وسائل البر التي يحتاج إليها الوالدان وهم كبار؛ مثل الإحسان لهما بالفعل والكلام والحركة؛ كما قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] وبرهما حتى وإن كانا عاصِيَيْنِ لله أو كافرَينِ؛ قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، وأن يكون البر خاصة في حالة الكبر؛ لأن الوالدين محتاجان إلى ذلك.
يا عباد الله، علينا أن نُعلِّم أولادنا إكرام الوالدين وأصدقائهما، والحذر من مضايقتهما بالقول أو بالفعل أو تحديق النظر إليهما، وعلينا إكثار الدعاء لهما، والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، والعافية وحسن الخاتمة، والصلاح، ودخول الجنة، والشفاء، علينا أن نعلمهم الصدقة عنهما؛ كبناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة الكتب، وغيرها من الأعمال الصالحة.
أيها المسلمون، نحن – كآباء – محتاجون إلى بِرِّ أولادنا؛ ولذا علينا أن نعلمهم البِرَّ وهم صغار؛ كي يبرونا كبارًا.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيِّكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
Source link