منذ حوالي ساعة
في صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون الأنصاري أنه قال: “شهدت عمر قبل موته بأيام، وهو يقول: لئن سلمني الله لأجعلن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا، فما أتت عليه رابعة إلا وأصيب”
عاش عمر بن الخطاب في رحاب الإسلام، فها هي العداوة تنقلب إلى محبة؛ بل تنقلب إلى صحبة وأي صحبة، إنها صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقربَّه النبي صلى الله عليه وسلم منه، وجعله وزيره ومستشاره، وولَّاه الكثير من الأعمال، كان جابيًا للصدقات، وأمينًا على بيت المال، وكاتبًا للوحي، الكثير من الأمور التي جعلت لعمر منزلة رفيعة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلَّلت تلك الصداقة والمحبة بزيادة الرابطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم بزواج النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «“أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: ((عَائِشَةُ))، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: ((أَبُوهَا))، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب)، فَعَدَّ رِجَالًا”» ؛ [رواه البخاري ومسلم] .
ثم تولَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة بعد أبي بكر الصديق، سنة ثلاث عشرة من الهجرة، فكان امتدادًا لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يسير كلاهما على خُطى الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فحينما دخل عمر رضي الله عنه بيت المقدس، وسلموا له مفاتيحه صَلَّى في بيت المقدس حيث صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ روى الإمام أحمد من طريق أبي سلمة، قال: حدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صَليتَ خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك؛ فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيتَ اليهودية، لا؛ ولكن أُصَلِّي حيث صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القِبْلة فصَلَّى، ثم جاء، فبسط رداءه، فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس.
فلا يستطيع أحد أن يقول عنه إلا أنه اتبع حقًّا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنصت حقًّا إلى وصية صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه في آخر أيامه، حينما أوصى عمر بن الخطاب وقال له: أوصيك بتقوى الله يا عمر.
ما أعظمها من وصية! فالصاحب الحق هو من يعطي النصيحة لصاحبه حتى لو كان صاحبه ممن يتقي الله، لقد علم أبو بكر الصديق أن السلطة فتنة لصاحبها، ففيها يمتلك القوة والمال والنفوذ، فنادرًا ما يملك ولاة الأمور هؤلاء ولا يطغوا، فأراد أبو بكر أن يذكر عمر بن الخطاب بتقوى الله في المعاملات، وألا يطغى على الضعفاء؛ فكانت خير وصية من خير صاحب.
فأين الآن تلك الوصايا بين أصحاب القوة والسلطة والجاه؟! فرحم الله صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أول من سُمِّي بأمير المؤمنين، وكان تقيًّا ورعًا زاهدًا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد كثرت الفتوحات في عهده، وسقطت دولتَي فارس والروم، وكانت هذه من أعظم الإنجازات في عهده، وأصيب الناس في إحدى سنوات عهده بمجاعة شديدة، أجدبت الأرض، وانقطع المطر، وسُمِّي ذلك العام عام الرمادة، فكان يأكل الخبز والزيت، ويقول: لن أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين، ما أعظمك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيق دربه!
وكان يقول: لو أن بغلة عثرت في طريق العراق لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة.
وفي صحيح البخاري من حديث عمرو بن ميمون الأنصاري أنه قال: “شهدت عمر قبل موته بأيام، وهو يقول: لئن سلمني الله لأجعلن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا، فما أتت عليه رابعة إلا وأصيب”.
فليتك كنت بيننا اليوم يا عمر.
بقلم/ فاطمة الأمير
فاطمة الأمير
كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.
Source link