الإيجاز في إعجاز القرآن الكريم

القرآن دستور وتشريع رباني، به كل ما يصلح حال الإنسان والمجتمع في الدنيا والآخرة، فحث على الصدق والأمانة، والعفو والتسامح والاعتدال وحسن التخطيط والتنظيم، وتولية الكفاءات، والمحافظة على كرامة الإنسان،وأوجه إعجاز القرآن الكريم أعمُّ وأشملُ من أن يحصيها مقال أو كتاب.

القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة العظيمة؛ حيث أراد الله سبحانه أن يكون القرآن الكريم هو آخر اتصال بين السماء والأرض، منزلًا على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء القرآن معجزًا في جميع الأوجه والمجالات، شاهدًا ودليلًا على سماوية مصدره من الله رب العالمين، شاهدًا ومصدقًا على صدق نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، وليدحض ويهدم افتراءات وشبهات وطعون المغرضين من أعداء الإسلام من دهريينومستشرقين أو غير مسلمين.

 

ورغم الطعون والافتراءات والسهام المسمومة التي وجَّهها أعداء الإسلام ضد الإسلام وكتابه ونبيه، ابتداءً من مشركي قريش زمن الرسالة، ومرورًا بيوحنا الدمشقي الذي بدأ الجدل العقائدي بين الإسلام وغير المسلمين، ثم حركة الاستشراق وما صاحبها باهتمام بالإسلام والمسلمين بدوافع تبشيرية واستعمارية، وإلى كتابات المغرضين في عصرناالحالى، إلا أن القرآن الكريم يخرج كل مرة منتصرًا شامخًا معجزًا، ليُذِل هؤلاء المغرضين، ويعودوا خائبين يجرُّون ذيول الكفر والهزيمة.

 

-الإعجاز العلمي:

فالقرآن الكريم معجز علميًّا بما جاء فيه مما أثبتته نظريات العلم الحديث؛ مثل: نشأة الكون التي أكدتها نظرية “الانفجار العظيم”، وخلق السماوات والأرض، وحجم الأرض المثالي للحياة، وحجم وجاذبية القمر، وحركة المد والجزر؛ للمحافظة على مياه المحيطات وعدم غرقها،وخلق المجرات، وحركة النجوم والكواكب، وتركيب الماء وخواصه الكيميائية كمادة مذيبة ومتعادلة وضرورية لكل كائن حي، وغيرها من الشواهد العلمية التي ذكرها القرآن، وأثبتها العلم الحديث.

 

– الإعجاز الطبي:

في خلق الإنسان في أفضل صورة، ووظائف جسم الإنسان التي يقف مبهورًا أمامها الطب والفسيولوجيا البشرية، بسبب دقة عمل أجهزة الجسم ووظائفها الحيوية وتناغمها التي لا ينكرها حتى الملحد الكافر، وذكر القرآن مراحل نمو وتطوُّر الجنين، وأن الله وحده يعلم ما في الأرحام، من صفات الإنسان الجسدية والخلقية وعمره ورزقه وعمله، وهل شقي أم سعيد؟ والقرآن سبق الطب الحديث في إثبات أن الرجل هو المسؤول عن تحديد جنس المولود بالكروموسوم الذكري(Y).

 

وكذلك حرَّم القرآن أكل لحم الخنزير، والميتة، وشرب الخمر، وإتيان الحائض، مما أثبتأضراره الطب الحديث.

 

– الإعجاز التاريخي والإنبائي:

بما ذكر القرآن من قصص الأمم السابقة ونهايتها، وقصة خلق آدم وطوفان نوح، وذاتيات الأنبياء، وذكر شخصيات وأحداث ووقائع لم ترد في الكتب السابقة، مما يؤكد تفرُّد القرآن وعدم الاقتباس من غيره من الكتب، وكذلك الإنباء عن غيبيات البعثوالحساب ويوم القيامة وقيام الساعة، ووصف الجنة والنار.

 

-الإعجاز التشريعي:

القرآن دستور وتشريع رباني، به كل ما يصلح حال الإنسان والمجتمع في الدنيا والآخرة، من تشريعات أوضحت الحلال والحرام، والحكمة من التشريع سواء بالإباحة أو التحريم، ومع آيات التشريع قطعية الدلالة، هنا أيضًا فسحة للاجتهاد بما لا يخالف ثوابت العقيدة والتشريع، الذي يثبت صلاحية القرآن والإسلام لكل زمان ومكان ومجتمع، وما يؤكد ما جاء به الإسلام من اتساع ورحمة مناسبة للواقع، وهذا معروف في الفقه بفقه الواقع.

 

-الإعجاز الأخلاقي والسلوكي:

القرآن دستور أخلاقي فاضل، لم يترك خلقًا أو فضيلة حميدة إلا دعا إليها؛ مثل: الصدق والأمانة، والعفو والتسامح والرحمة والبر، والعفة والطهارة، وحفظ الفروج، وصون الأعراض، والعدل والاعتدال في كل الأمور.

 

ولم يترك خبيثةً أو خلقًا ذميمًا إلا نهى عنه؛ مثل: الخيانة، والقتل، والزنا، والغش والكذب والخداع، والغلو والتناحر والظلم، والغيبة والنميمة.

 

– الإعجاز الاعتقادي:

لغة القرآن في العقيدة والإيمان واضحة جليَّة، لا لبس فيها ولا تأويل، من الدعوة إلى الإيمان بالله وحده كخالق قادر مُدبِّر لا شريك له، والنهي عن الشرك في كافة صوره، وتنزيه الله، وإثبات صفاته التي جاءت في القرآن، والإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، وحفظ مكانة النبوة، والإيمان بكتب الله المنزلة قبل التحريف والتبديل، والإيمان بالملائكة، ويوم الحساب، وأن الجنة والنار حق، والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.

 

-الإعجاز في مجال العبادات:

بما قرره القرآن الكريم من عبادات؛ كصلاة وصيام، وزكاة وحج، وبيان آثارها وفضلها على الفرد والمجتمع، فالعبادات في الإسلام تجعل المسلم في تواصل دائم مع ربه، يخشاه ويتذكَّره، ويدعوه في كل وقت، ولها آثار إيجابية في تلاحم المجتمع المسلم في صلاة الجماعة، والشعور بجوع الفقير، ويمثل الحج مؤتمرًا إسلاميًّا عالميًّا للاجتماع بين المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.

 

-الإعجاز الاقتصادي والإداري:

في القرآن الكريم أساسيات علم الاقتصاد العالمي والحديث؛ من تحليل البيع والشراء والتجارة، وتحريم الربا والفوائد، التي نراها الآن تثقل كواهل الدول النامية بالقروض وفوائدها، والحث على الأمانة في البيع والشراء، والموازين، والمعاملات التجارية، وذكر القرآن الكريم إثبات العقود والبيع والشراء، والإشهاد عليها،والعدل والحق بين الناس في كافة المعاملات، ومهما اختلفت دياناتهم، والعدل حتى على النفس أو ذي القربى.

 

وكذلك دعا القرآن الكريم إلى حسن التخطيط والتنظيم، وتولية الكفاءات، وتوزيع الاختصاصات، والاستعانة بأهل الخبرة والرأي، مما يمثل قواعد الإدارة الحديثة، ودعا القرآن إلى المحافظة على كرامة الإنسان في العمل، والعدل والاحترام بين المرءوسين والرؤساء، ومسئولية المدير الراعي نحو موظفيه، والمساواة في الحقوق والواجبات، والحرص والمحافظة على المنشآت والأسرار العامة والخاصة.

 

وأوجه إعجاز القرآن الكريم أعمُّ وأشملُ من أن يحصيها مقال أو كتاب، إلا أنه يمكن التأكيد على أن القرآن هو بالفعل معجزة الله الخالدة، ومعجزة الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وسوف ينتصر دومًا القرآن على طعون وافتراءات وشكوك الحاقدين والملحدين، وسيظل القرآن والإسلام كالبحر الخضم، لا يعكره ولا يعيقه من يُلقي حجرًا فيه، ولن يبوء هؤلاء إلا بالخزي والانكسار في الدنيا والآخرة.

______________________________________________________________
الكاتب: د. مدحت محمد العزب


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *