“إن وقع المسلمون في حصار كان واجبا على المسلمين فك الحصار عن إخوانهم، والدفاع عنهم، والإبقاء على حياتهم بكل وسيلة ممكنة يبعدون عن المسلمين ما حل بهم من الحصار والتجويع.
في غياب أخلاق الخصومة في الأحداث السياسية، خرجت علينا تسريبات لصور ومشاهد من مأساة تعيشها أخواننا الفلسطينيون، ولست هنا بصدد تحليل الموقف السياسي، فتلك مهمة السياسيين، ولكن الأهم هنا التذكير ببيان الموقف الشرعي لما يقوم به الخصومة السياسية من تجويع طائفة من المسلمين.
ذلك أن مثل هذا الفعل محرم شرعا، بل هو من أكبر الكبائر، كما أنه مجرم قانونا وعرفا وعقلا، ولا يدرى إلى أي مدى انسلخ هؤلاء الذين يحاصرون المدنيين من الرجال والنساء والصبيان، فيمنعونهم أقل حقوقهم الإنسانية من الطعام والشراب والحاجات الضرورية التي لا غنى للحيوان عنها، فضلا عن الإنسان. وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز لإنسان أن يمنع عن آخر طعاما أو شرابا، حتى إذا كان مسجونا، فإنه يجب عليه أن يدفع إليه الطعام والشراب وما تقوم به حياته.
قال الإمام أبو يوسف في ” كتاب الخراج ” : لم تزل الخلفاء تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وإدامهم، وكسوتهم الشتاء والصيف، وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب بالعراق، ثم فعله معاوية بالشام، ثم فعله الخلفاء بعده اهـ. بل نص الفقهاء على أن من منع الطعام عن سجين عمدا، وكان السبب في موته، فإنه يقتل به؛ لأنه يكون ظهر منه قصد موته. إن التجويع يخالف أخوة الإسلام التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أحد حقوق المسلم على أخيه أن يطعمه إن كان جائعا.
ففي فقه الشافعية والحنابلة: ولو حبس أحد آخر ومنعه الطعام والشراب، حتى مات، فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا، فيكون حكمه حكم القتل العمد، وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس من حيث القوة والضعف والزمان حرا وبردا، وهذا مراعاة لحال الأطفال والنساء بخلاف الرجال، ففقد الماء في الحر ليس كفقده في البرد. وإن لم تمض المدة المذكورة فإن لم يكن بالمسجون جوع وعطش سابق على الحبس فيكون القتل شبه عمد، وإن كان به بعض جوع وعطش سابق على الحبس، فيأخذ حكم القتل العمد، فيقتل به.
وما قاله الفقهاء من وجوب القصاص في القاضي أو الحاكم إن قصد تجويع المسجون الذي حبس في تهمة، فما بالنا بقوات أتت من خارج البلاد مع قوات ظلم وبغي تجوع الناس في بيوتهم وشوارعهم دون أن يكون عليهم أحكام من قضاء عادل.
إن التجويع يخالف أخوة الإسلام التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أحد حقوق المسلم على أخيه أن يطعمه إن كان جائعا، كما ورد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس المؤمن يبيت شبعان وجاره طاوٍ». قال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن.
وفي حديث ابن عباس أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره طاوٍ إلى جنبه».
بل جعل الله تعالى الإطعام من الأعمال الصالحة التي يفعلها المسلم للمسلمين وغير المسلمين، وأنها مما يدخره المرء لنفسه من أعمال صالحة عند الله تعالى، كما قال سبحانه في صفات المؤمنين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورً} [الإنسان: 8، 9]
إن الإسلام جعل من أهم مقاصده العظمى حفظ النفس، وحرم قتلها بأي وسيلة مادامت نفسا محترمة، فالواجب على المسلمين إنقاذ إخوانهم في الدين والعقيدة والملة والعروبة بإنهاء هذا الحصار الجائر من الظالمين، فإن الحصار ما استعمل إلا في أن يحاصر جيش المسلمين جيش الاعداء الكافرين في الحرب، كما قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]. و
قد نص الفقهاء على أنه إن أسلم المحصورون أثناء الحصار وقبل الاستسلام عصموا دماءهم وأموالهم، وأولادهم الصغار ، فلا يقتلون ولا يستولى على أموالهم ، وإن كان الفتح قريبا. أما إن وقع المسلمون في حصار؛ كان واجبا على المسلمين فك الحصار عن إخوانهم، والدفاع عنهم، والإبقاء على حياتهم بكل وسيلة ممكنة، من المفاوضات السياسية، أو من إمدادهم بما يقيمون به حياتهم، أو بكل وسيلة يبعدون عن المسلمين ما حل بهم من الحصار.
نسأل الله تعالى لهم بالفرج القريب، وما ذلك على الله بعزيز، فعسى الله تعالى أن يفرج الكرب عن بلاد المسلمين، وأن يجمعهم على كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وأن لا يتفرقوا.
____________________________________________
Source link