هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن النبي ﷺ كان ضالًا قبل الوحي، مع أن قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، يدل على أنه ﷺ فُطرَ على هَذا الدين الحنيف، ومعلوم أنه باقيًا على الفطرة حتى بعثه الله رسولً
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطى في دفع إيهام الإضطراب:
هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضالًا قبل الوحي، مع أن قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30].
يدل على أنه صلى الله عليه وسلم فُطرَ على هَذا الدين الحنيف، ومعلوم أنه لم يهوده أبواه، ولم ينصراه، ولم يمجساه؛ بل لم يزل باقيًا على الفطرة حتى بعثه الله رسولًا، ويدل على ذلك ما ثبت من أن أول نزول الوحي عليه كان وهو يتعبد في غار حراء، فذلك التعبد قبل نزول الوحي دليل على البقاء على الفطرة.
والجواب: أن معنى قوله {ضَالًّا فَهَدَى} أي غافلًا عما تعلمه الآن من الشرائع وأسرار علوم الدين التي لا تُعلم بالفطرة ولا بالعقل، وإنما تُعلم بالوحي، فهداك إلى ذلك بما أوحى إليك، فمعنى الضلال على هذا القول: الذهاب عن العلم. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].
وقوله: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52].
وقوله: {قَالُوا تَاللَّهِ إنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: 95].
ويدل لهذا قوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإيمَانُ} [الشورى: 52]. لأن المراد بالإيمان شرائع دين الإسلام.
وقوله: {وَإنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].
وقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113].
وقوله: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إلَيْكَ الْكِتَابُ إلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86].
وقيل: المراد بقوله: ضالًا: ذهابه وهو صغير في شعاب مكة، وقيل ذهابه في سفره إلى الشام، والقول الأول هو الصحيح، والله تعالى أعلم، ونسبة العلم إلى الله أسلم. انتهى [أضواء البيان ج9/ 334].
Source link