اختص الله تعالى شهر رمضان من بين الشهور بفضائل كثيرة؛ ففيه تتنزل الرحمة ويعتق الناس من النيران، وفيه نزلت أول سورة من القرآن الكريم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
لقد اختص الله تعالى شهر رمضان من بين الشهور بفضائل كثيرة؛ ففيه تتنزل الرحمة ويعتق الناس من النيران، وفيه نزلت أول سورة من القرآن الكريم، وفيه تصفد الشياطين. وهو شهر فضيل مليء بالعبادة والذكر. ومن أهمها الصوم الذي هو ثالث ركن من أركان الإسلام. ويعني الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وهو بصورته هذه قد اختصت به أمة الإسلام دون سائر الأمم. فلا تجد من الناس من يضحي بطعامه وشرابه ولذاته غير المسلمين. وحتى من يصوم من أهل الكتاب لا يتركون كل ذلك لله لشهر كامل؛ فمنهم من يصوم عن الماء فقط، ومنهم من يصوم عن أنواع معينة من الطعام، ومنهم من يصوم ليوم واحد في العام، وغيره.
ولابد في الصوم من النية الصحيحة. فمن كانت نيته لغير الله لا يقبل منه. ومن الناس من يصوم لغير الله كمن يصوم فقط لفقد الوزن أو للتحدي أو عمل محتوى أو غيرها من الأسباب. فعليهم بتصحيح النية وجعلها لعبادة لله. ولا بأس من أن يستفيد الإنسان من الفوائد المصاحبة للصوم كصحة البدن. ولابد أن يكون الصوم بالطريقة الصحيحة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ولا يقبل أن كان خلاف ذلك، كمن يصوم غير الزمن المحدد من اليوم. ولا يجوز فيه الجماع ولا تناول المفطرات التي فصل فيها العلماء. ولابد أن يكون الصائم مسلماً قبل كل ذلك. فمن كان كافرا أو من أهل الكتاب لا يقبل صومه.
والصوم عبادة مختلفة عن كل العبادات لما فيها من مشقة. حيث يترك فيها الإنسان طعامه وشرابه وملذاته ليتقرب إلى الله. ولذا لا يقوى عليها عادة إلا المسلم حسن الإسلام. فالفاسق والمنافق تصعب عليهم لضعف إيمانهم. ومن رحمة الله بعباده أنه لم يفرضها عليهم طيلة العام؛ ولكنه حددها بشهر رمضان. وقد خصها الله له لما فيها من صعوبة وتضحية بالملذات لأجل رضوان الله وطاعته. وتلك الصعوبة تحصل بها تزكية الروح والنفس وتعويدها على الصبر على طاعة الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: «(كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)» [1]. فالله تعالى بفضله يقدِّر الصوم من عباده؛ ولذا قال “يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي”. وهو بالطبع أهل لكل عبادة وثناء وتمجيد ولكنه سبحانه يجزل العطاء على العمل القليل من عباده ويشكر لهم تعبهم وجهدهم وسعيهم في مرضاته، رغم أن ما يقدمونه لا يسوى شيء ولن يزيد أو ينقص في ملكه. قال تعالى: { (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)} [2]. وقال: {(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)} [3]. وكرم الله الصائمين وخصهم بمزايا وامتيازات كثيرة.
فضل الصوم والصائمين:
- أن يغفر لهم كل ذنوبهم. قال صلى الله عليه وسلم: «(من صام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)» [4].
- إن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: «(الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار؛ فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل؛ فشفعني فيه، فيشفعان)» [5].
- الصوم يكون لصاحبه جنة وحماية من النار. قال صلى الله عليه وسلم: «(قال ربنا عز وجل: الصيام جنة يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به)» [6].
- أنه خصص للصائمين بابا من أبواب الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «(في الجنة باب يقال له: الريان أعد للصائمين فإذا دخل أخراهم أغلق)» [7].
- وباعدهم عن نار جهنم سبعين خريفا. قال صلى الله عليه وسلم: «(من صام يوما في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)» [8].
- وجعل للصائم دعوة لا ترد. قال صلى الله عليه وسلم: « (للصَّائمِ عندَ فطرهِ دعوةً لا تردُّ)» [9].
- وجعل خلوف فم الصائم عنده أطيب من رائحة المسك. قال صلى الله عليه وسلم: «(لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)» [10].
- ويقيهم من عذاب القبر. قال صلى الله عليه وسلم: «(إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل …)» [11].
كل هذا الأجر العظيم يناله الصائمين. وهذا غير الفوائد الصحية التي ينالها الصائم من صومه. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام رمضان وصوم الست من شوال وغيرها من صوم النوافل. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[4] أخرجه البخاري (38)، ومسلم (760) مطولاً.
[5] صححه الألباني في صحيح الترغيب (1429). وأخرجه أحمد (6626)، والطبراني (14/72) (14672)، والحاكم (2036) باختلاف يسير.
[6] ذكره شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند لشعيب (14669)؛ وحكمه عليه: صحيح بطرقه وشواهده. وأخرجه أحمد (14669)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (3582).
[7] أخرجه البخاري (1896)، ومسلم (1152) باختلاف يسير.
[8] أخرجه البخاري (2840)، ومسلم (1153) باختلاف يسير.
[9] ذكره ابن عساكر في معجم الشيوخ (1/307)، وحكمه عليه: حسن غريب.
[10] أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (١١٥١) باختلاف يسير.
[11] صحيح ابن حبان (3113).
Source link