العاقل من كانت نهاية أعماله مشرقة كما كانت بدايتها مشرقة، ومن وفق لطاعة لا بد أن يحافظ عليها حتى يأتي بها يوم الحساب سليمة خالية من المخالفات، والاهتمام بنهاية الأعمال والحرص على المحافظة عليها منهجاً إسلامياً،
العاقل من كانت نهاية أعماله مشرقة كما كانت بدايتها مشرقة، ومن وفق لطاعة لا بد أن يحافظ عليها حتى يأتي بها يوم الحساب سليمة خالية من المخالفات، والاهتمام بنهاية الأعمال والحرص على المحافظة عليها منهجاً إسلامياً، قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} [الإسراء: 80]. ومن الأمور التي تجب مراعاتها في التعامل مع الطاعات:
الاستغفار وتجديد العهد مع الله:
تجديد العهد مع الله يكون بالاستغفار والإنابة والتوبة، سئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال: «أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة إقباله على مولاه، بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذي هو فيه[1]، وتجديد العهد مع الله لا يكون بعد فعل الذنب فقط، بل يكون أيضاً بعد فعل الطاعة، وهناك نصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة تدل على ذلك، منها قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]، وقوله سبحانه: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 199]. وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً[2].. إلى غير ذلك من النصوص.
الدعاء قبولاً وتثبيتاً.. رجاء وخوفاً:
الدعاء روح العبادة وملاذ العباد، وهو مطلوب في كل وقت وآكد عند الانتهاء من الطاعة، فإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا عند رفع قواعد البيت – ورفع قواعد البيت من أجل الطاعات – يدعوان الله أن يتقبل منهما، كما حكى القرآن الكريم: {وَإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 127 رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّـمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْـحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ} [البقرة: 127 – 129]. واتباعاً لسنة إبراهيم عليه السلام كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الدعاء بعد الطاعة والعمل الصالح، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد معاذ فقال: «يا معاذ والله إني لأحبك» فقال معاذ: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك فقال: «يا معاذ أوصيك أن لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك». قال: وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى بذلك الصنابحي أبا عبد الرحمن وأوصى بذلك أبو عبد الرحمن عقبة ابن مسلم[3].
الاستعانة بالله:
لا يستطيع العبد المداومة على طاعة الله إلا بالاستعانة، ولا الوصول إلى الهداية إلا بتوفيق منه سبحانه: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5 اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٥، ٦]، وقال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
الشكر والثناء على من أنعم عليك بطاعته:
كان صلى الله عليه وسلم بعدما يفعل الطاعة يحمد الله ويثني عليه أن وفقه لها، فيقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات[4].فكل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا تحتاج إلى شكر، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر وهكذا فالعبد لا يقدر على القيام التام بشكر النعم؛ لأن الله هيأ له الزمان والأحوال والإعانة، فالفضل كله منه؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم: «والله لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا»[5].
الشكر الحقيقي: قال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعةً[6]. ومن شكر الطاعة أن تداوم عليها وإن قلت لكي تكون دائماً موصلاً بالله، فخير الأعمال ما دام وإن قل.
الفرح بالطاعة دون من ومفاخرة:
ما من إنسان إلا ومرت عليه ساعة فرح، فمنا من فرح بنجاحه، أو بزواجه، ومولوده، ووظيفته، ومنا من فرح لرواج ماله وعظم سلطانه.. إلى غير ذلك من أسباب الفرح، لكن الفرح الأكبر عند المؤمن هو فرحه بطاعته لربه وزيادة حسناته، يفرح بفضل الله وبرحمتــه وبقربــه منــه سبحانــه، قــال تعالــى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّـمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ 57 قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57، 58].
والفرح بالطاعة منهج نبوي قال صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» [7]. كما أن هذا الفرح بالطاعة مسلك الصحابة رضي الله عنهم، فعن أنس بن مالك قال رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه قال رجل يا رسول الله الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب»[8].
وكما أن المسلم يفرح بطاعته فإنه يفرح بطاعة غيره، فقد كان صلى الله عليه وسلم يفرح بإسلام الناس ونجاتهم من النار، فحين مرض غلام يهودي وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقعد عند رأسه وقال: «أسلم» وأبوه بجواره فقال له: «أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار»[9].
إن فرح العبد بطاعة الله لا بد ألا يجعل العبد يرى لنفسه منة، فكل ما نوفق إليه من الطاعات محض فضل من الله، كما يجب عليه ألا يتفاخر على أحد بطاعته فرب حسنة أدخلت صاحبها النار، ورب سيئة أدخلت صاحبها الجنة، قال بعض السلف: «إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه مشفقاً وجلاً باكياً نادماً مستحياً من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه، حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة، ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه، فإذا أراد الله تعالى بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمر يكسره به ويذل به عنقه ويصغر به نفسه عنده، وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه»[10].
[1] نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 2/302.
[2] أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[3] صحيح ابن حبان 5/ 364.
[4] سنن ابن ماجه، وفي الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات.
[5] متفق عليه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
[6] مدارج السالكين لابن القيم: 2/244.
[7] أخرجه أحمد في مسنده «3/128 و199 و285 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[8] متفق عليه.
[9] أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام.
[10] الوابل الصيب، لابن القيم ص11.
________________________________________________
د. خالد راتب
Source link