ما أحوجَ الإنسانَ أنْ يُقدِّم لنفسه كثيرًا من فعْل الخيرات! فالإنسان إذا مات لا ينفَعُه من عمله إلا صدقةٌ جارية، أو علمٌ يُنتَفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له، فالعاقِل هو مَن يَزرَع اليوم كي يحصد غدًا.
ما أحوجَ الإنسانَ أنْ يُقدِّم لنفسه كثيرًا من فعْل الخيرات! فالإنسان إذا مات لا ينفَعُه من عمله إلا صدقةٌ جارية، أو علمٌ يُنتَفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له، فالعاقِل هو مَن يَزرَع اليوم كي يحصد غدًا.
ويأتي شهر رمضان حاملاً بذور الخير، ينثرها في قلوبهم؛ فتحلِّق أفئدتهم، وتَسكُن جوانحهم، ويَشعُرون بفقرائهم، فيتألَّق عطاؤهم، ويَكثُر إنفاقهم، ويتحوَّل المجتمع إلى خليَّة نحل، يلمُّ شملها التكافُل الاجتماعي، ليبرهِن كلُّ مسلم على إيمانه، بأنَّه أعطى واتَّقى، وصدَّق بالحسنى؛ لكي ييسِّره ربه الكريم المنَّان لليسرى كما وعَد.
ويُذكِّرنا شهر الصيام بِمَدَى ما يُعانِيه الفُقَراء من ألَمِ الجوع ولوعة الفقر؛ فعلى الصائمين أنْ يذكُروا إخوانهم الفُقَراء المحتاجين، وألاَّ يأخذهم الشحُّ أو الخوف من الظروف الاقتصاديَّة ويجعَلهم لا ينفقون، وعليهم أنْ يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الجود والصدقة، وليعلَمُوا أنَّ الله هو الرزَّاق، وليذكُروا فضل الصدقة.
الجود تقوى:
لقد وصَف الله المتَّقِين حيث قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 134 – 136].
الإنفاق في السرَّاء والضرَّاء، وكظم الغيظ، والعفو والإحسان، والإقلاع عن الذنوب، هي صِفات المتقين: فأمَّا الإنفاق فعلاقته بالتقوى تظهَر من كون المنفق يتَّقِي بصدقته غضبَ ربه، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي: «والصدقة تُطفِئ غضب الرب».
ومن المعلوم أنَّ الإيمان يَزِيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقُص بالمعصية، فالجود يزيد الإيمان؛ لأنَّه ينطَلِق من تقوى الله – عزَّ وجلَّ.
شمول الجود:
لا يكون الجود بالمال فقط، بل بالعلم والخلق، فهلاَّ واسَيْت – أخي المسلم – فقيرًا في رمضان، سواء بالمال أو الطعام أو الشراب، أو حلو العشرة والكلمة الطيِّبة، وهلاَّ قمتَ بإعطاء درسٍ ديني، وعمل مجلس قرآن.
الصدقة في رمضان لها فضل:
الصدقة في رمضان له فضلٌ عظيم عند الله، فالخائب الخاسر من ضيَّع على نفسه مواسم الخير ونفحات الدهر دونما أن يتعرَّض لها ويغتَنِمها؛ ففي الحديث: ((إ «ذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقتْ أبواب النار فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، ويُنادِي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتَقاء من النار، وذلك كلَّ ليلة»؛ (أخرجه الترمذي – كتاب الصوم باب ما جاء في فصل شهر رمضان).
قضاء الحوائج ومعاونة الآخَرين:
للجود في رمضان أشكالٌ متعدِّدة، فلنَجُدْ بالعلم والمال والكلم الطيب، والصُّلح بين الناس والمشي في حوائجهم، فلا مانع من الجود بالوقت كالسعي في شتَّى طرق الخير؛ كأنْ يُصلِح الإنسان بين متخاصمَيْن، أو أنْ يُصلِح بين زوجَيْن غاضبَيْن، أو أنْ يُصلِح بين أبٍ وابنٍ مختلفين، أو يأمر بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ، أو يمشي في حوائج المسلمين… إلخ.
كافل اليتيم:
وما أجملَ مساعدةَ الأيتام في رمضان! فهذا أمرٌ عظيم يحبُّه الله ورسوله؛ فقد قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «أنا وكافلُ اليتيم في الجنَّة كهاتَيْن»؛ (“الأدب المفرد”؛ لمحمد البخاري – (ج1/ص61)).
فلتسارِعْ أخي المسلم ولتغتَنِم تلك الفرصة بمساعدة الأيتام في هذا الشهر الفضيل؛ كي تنعَمَ بالأجر والثواب العظيم – إنْ شاء الله تعالى.
مَن فطَّر صائمًا:
إنَّ تفطير الصائم شيءٌ عظيم؛ إذ يقول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيما يرويه عنه زيد بن خالد الجهني: «مَن فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره غيرَ أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه ابن حبان).
وهناك بعضٌ ممَّن يسَّر الله لهم الحال، يقومون بأشياء طيِّبة في رمضان، منها تجهيز أكياس بها وَجَبات للإفطار وتوزيعها على السيَّارات المارَّة، أو مَن يمرُّون في الطريق وقتَ أذان المغرب، ومَن يقفون بأطباق التمر أو أكواب اللبن أو الماء أمام منازلهم؛ كي يفطروا الصائمين منها.
وهناك مَن يقومون بذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين؛ فمثلاً هناك مَن يذبح شاةً ويدعو الصائمين كي يُفطِروا عنده، وهناك مَن يذبح عجلاً ويُوزِّعه على الفُقَراء والمحتاجين، وهناك مَن يشتري قماشًا ويُوزِّعه على الفُقَراء في رمضان، وهناك بعض المساجد والجمعيَّات الخيريَّة تفعَل ذلك، فكلُّ هذا من منافذ الخير الطيِّبة.
______________________________________________________
الكاتب: د. جمال عبدالناصر
Source link