صيام اللسان – طريق الإسلام

وصيام اللسان يكون بالإمساك عن فضول الكلام والخوض في الباطل والمراء، والخصومة والكذب والنميمة والفحشاء والجفاء، واللعن والسخرية والاستهزاء.

وصيام اللسان يكون بالإمساك عن فضول الكلام والخوض في الباطل والمراء، والخصومة والكذب والنميمة والفحشاء والجفاء، واللعن والسخرية والاستهزاء.

 

وإذا كان صوم اللسان يكون على الدوام، إلا أنه يتأكد عند الصيام، كما جاءت بذلك الأخبار عن الحبيب المختار – صلى الله عليه وسلم -.

 

فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم. إني صائم».

 

• الرفث: الكلام الفاحش كما قال الحافظ في الفتح 4/126).

 

 ولا يجهل: أي لا يفعل شيئاً من أفعال أهل الجهل، كالصياح والسفه… ونحو ذلك.

 

وفي رواية أخرى عند النسائي من حديث عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الصيام جُنَّةٌ من النار، فمَن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبّه، و ليقل: إني صائم».

 

وعند البخاري في كتاب الصيام – رضى الله عنه – باب حفظ اللسان للصائم وفضل الصيام) من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّةٌ، وإن كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإنه سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم» الصخب: الخصام والصياح.

 

قال القرطبي – رحمه الله -:

لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم.

 

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سَابَّكَ أحدٌ، أو جهل عليك، فقل: إني صائم إني صائم» (صحيح الجامع: 5376).

 

وفى رواية عند ابن خزيمة: «لا تسابّ وأنت صائم، فإن سَابَّكَ أحدٌ، فقل: إني صائم، وإن كنت قائماً فاجلس».

 

وأخرج البخاري عن أبي هريرة – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

 

وفى رواية ابن ماجه وأبو داود: مَن لم يدع قول الزور، والجهل والعمل به، فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه.

 

• والمراد بقول الزور: الكذب، والجهل: السفه، والعمل به: أي بمقتضاه.

 

وعند الطبراني من حديث أنس – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«مَن لم يدع الخنا والكذب، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»

 

قال ابن بطال – رحمه الله -:

ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه.

 

قال المناوي – رحمه الله – كما في فيض القدير 6/224):

قال الطيبي:

فيه دليل على أن الكذب و الزور أصل الفواحش ومعدن النواهي، بل هو قرين الشرك، قال تعالى:

{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] وقد علم أن الشرك مضاد الإخلاص، وللصوم مزيد اختصاص بالإخلاص فيرتفع بما يضاده.

 

أحبتي في الله..

إن الصيام لم يشرع لتُحْرَم من الأكل والشراب ساعات النهار، ولكن المقصود أن نكسر شهوات النفس، ونمسك عنان اللسان عن تتبع العورات، والخوض بالباطل، ونحفظ الجوارح عن ارتكاب ما حرَّم الله، قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37].

 

ومن أعظم أفات اللسان والتي تقدح في الصيام الغيبة والكذب:

أخرج الإمام أحمد عن أبي عبيدة بن الجراح – رضى الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «الصيام جنة ما لم يَخْرِقها» قال الدارمي: يعنى بالغيبة.

 

وتقول حفصة بنت سيرين: الصيام جنة ما لم يَخْرِقها صاحبها، وخرقها: الغيبة.

 

وقال بعض السلف:

الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يرقعه، فمَن استطاع منكم أن لا يأتي بصوم مخرق فليفعل.

 

وقال عبيدة السلماني: اتقوا المفطِرَين: الغيبة والكذب.

 

وقال مجاهد – رحمه الله -: ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب.

 

الشوى – بالقصر- أي: الهين من الأمر، وقال يحيى بن سعيد: الشوى: هو الشيء اليسير الهين.

 

وقال مجاهد أيضاً: مَن أحب أن يسلم له صومه؛ فليجتنب الغيبة والكذب.

 

أو قال: خصلتان مَن حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب.

 

وذكر الأعمش عن إبراهيم أنه قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم.

 

ويقول أبو العالية: الصائم في عبادة وإن كان راقداً على فراشه: ما لم يغتب

 

وقال الشاعر في هذا المعنى:

واعلم بأنك لا تكونُ تصومُه   **   حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه 

 

وقال آخر:

إذا لم يكن في السمع مني تَصَــــــوُّنٌ   **   وفى بصري غضُ، وفى منطقي صمتُ 

فحظي إذاً من صومي الجوعُ والظمأُ   **   وإن قلتُ إني صمت يوماً فما صمـــت 

 

فكيف يزعم الصيام مَن هو يكذب ويغتاب، ويكثر الشتم والسباب، وقد نسى يوم الحساب؟!

 

كيف يصوم من شهد الزور، ولم يكف عن المسلمين الشرور؟!

 

قال ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري 4/125):

الغيبة تضر بالصيام، وقد حُكِي هذا عن عائشة، وقد قال الأوزاعي: إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً أو قولاً، لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -: فلا يرفث ولا يجهل، وقوله: مَن لم يدع قول الزور والعمل به، والجمهور وإن حملوا النهي على التحريم، إلا أنهم خصوا بالفطر الأكل والشرب والجماع. اهـ.

 

فمَن لم يصن لسانه عن الغيبة والنميمة والبهتان؛ فاته تحقيق الحكمة من مشروعية الصيام، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

 

ومن المعلوم أن مفهوم التقوى هو فعل المأمور واجتناب المحظور.

 

وقبل أن نترك هذا النوع من أنواع الصيام وهو صيام اللسان؛ لابد أن نُذَكِّر بحقائق ربما يغفل عنها كثير من الناس:

الحقيقة الأولى: إن اللسان مع كونه لا تعب في إطلاقه ولا مئونة في تحريكه، إلا أن كل حرف منه مسطر مكتوب، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

 

وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].

 

وقال تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} [آل عمران: 181].

 

الحقيقة الثانية: أن جميع الأعضاء تذل وتخضع للسان، كما أخبر بذلك الحبيب العدنان – صلى الله عليه وسلم.

 

فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضى الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«إذا أصبح ابن آدم؛ فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان – وفي رواية: تُفكِّر اللسان – فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا». صحيح الجامع: 351).

 

• تُكفِّر اللسان: بمعنى تذِلُّ له وتخضع، أو هو كناية عن تنزيل الأعضاء منزلة الكافر بالنعم.

 

وأخرج الإمام أحمد من حديث أنس – رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجلٌ الجنة حتى يأمن جاره بوائقه» (صحيح الألباني في الأدب المفرد).

 

الحقيقة الثالثة: أن أكثر ما يدخل الناس النار حصائد اللسان.

 

ودليل ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث معاذ بن جبل – رضى الله عنه – قال:

قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يُدخِلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على مَن يسرَّهُ الله تعالى عليه، تعبُدُ الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيتُّ، ثم قال: ألا أدُلُّك على أبواب الخير؟: الصوم جُنَّة، والصدقةُ تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)، ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتى بلغ: {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16-17].

 

ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه»، قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: « رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله»، قلتُ: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: «كفُّ عليك هذا» ، فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك، وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم» ؟.

 

وزاد الطبراني: ثم إنك لن تزال سالماً ما سكتَّ، فإذا تكلمت كتب عليك أو لك.

 

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله معلِّقاً على قول النبي – صلى الله عليه وسلم -:

ألا أخبرك بملاك ذلك كله: قلت: بلى. فأخذ بلسانه، فقال: «كفّ عليك هذا».

هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن مَن ملك لسانه، فقد ملك أمره، وأحكمه وضبطه اهـ.  جامع العلوم والحكم: 2/146)

 

وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه – قال:

سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم -: عن أكثر ما يُدخِل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخلق، وسُئِل عن أكثر ما يُدخِل الناس النار» ؟ فقال: «الأجوفان: الفم والفرج». (حسنه الألباني في صحيح الترمذي: 2/ 194).

 

لذا وجب على الإنسان أن يُفَكِّر قبل أن يتكلم، لأنه ربما تكلم بالكلمة يهوي بها في نار جهنم.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

«… وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب».

 

وفي الحديث السابق يتبين من خلاله: أنه على الإنسان أن يَتَفكَّر في الكلمة قبل أن يَتَلفَّظ بها.

 

• ومعنى يتبين: يتفكر أنها خير أم لا.

 

قال النووي رحمه الله:

في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم، وإلا أمسك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء. اهـ.

 

لذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول كما عند الترمذي: «وأعوذ بك من شر لساني». (صححه الألباني في صحيح الترمذي: 2775).

 

وكان الحسن يقول: ما عقل دينه مَن لم يحفظ لسانه.

 

أحبتي في الله…

المسلم الحق هو الذي يسلم المسلمون من لسانه.

فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري أيضاً من حديث عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما -: «المسلمُ مَن سلمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ، والمهاجر من هَجَرَ ما نهي اللهُ عنه»

 

• بل حفظ اللسان علامة من علامات الإيمان:

قال النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضى الله عنه -:

«مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».

 

بُشرى:

من حفظ لسانه وفرجه ضمن له النبي – صلى الله عليه وسلم – الجنة.

فقد أخرج البخاري من حديث سهل بن سعد – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

«مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة».

__________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *