منذ حوالي ساعة
– قال الله – عز وجل -: «أَحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا»، ثوان الإفطار توقُّف وانطلاق، توقُّف عن طاعة امتدت طوال النهار، وانطلاق نحو طاعات تملأ الليل من قراءة وذِكْر وقيام ودعاء وسحور.
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر»؛ (متفق عليه) [1].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال الله – عز وجل -: «أَحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) [2].
وعن سلمان بن عامر الضبي الصحابي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا أفطر أحدكم، فليُفطِر على تمر، فإن لم يجد، فليفطر على ماء؛ فإنه طهور»؛ (رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .
دقائق وقد تكون ثواني، لحظات كاللؤلؤ والمرجان، من أغلى ما في شهر رمضان، وما أرخص ما يُنفِق البعضُ فيه وقتَه.
لحظات غالية وثمينة، أكرم الله – تبارك وتعالى – بها الصائم وهي تمر كلمح البصر، ومَن وفَّقه فيها فاز بالدرر، سريعة المرور عظيمة الأثر، فاز من استغلَّها وعرف قدْرها واهتمَّ لها وتَحرَّاها، وحرَص على اقتناصها.
روضة الإفطار: فيها يتجلَّى كرمُ الله – تبارك وتعالى – وتنزل رحمته بعباده، ويُغدِق فضلَه على الصائمين بما جعل فيها من إجابة الدعوة وانشراح صدر الصائم بتمام المنة وكمال النعمة وقضاء المهمة وتوفيق ذي المنة – تبارك وتعالى – للقيام بالطاعة.
ساعة الإفطار أو دقائقه، بل لحظات الإفطار هذه غاليات، يَنشغِل عنها البعض وما ينبغي، ويتجاهَلها البعض ولا يَصِح، ولا يدري عنها البعض وليت شعري كم من الخير فات الجميع!
ويُحزِنك ويزيد ألمك أن يعرفها البعض ويعرف قدرَها ووزنها وحقيقتها، ثم يشغَلهم عنها غيرها، كأنهم لا يعلمون عنها، فكيف إذا كان انشغالهم بما لا يَصِح من أمثالهم بل بما فيه خسارة لهم!
روضة ساعة الإفطار علامة فاصلة بين الخروج من طاعة بعد التمام والكمال والدخول في ساعات مليئة بالقُرب والطاعات.
يُكرِم الله – تبارك وتعالى – في هذه اللحظات من أتمَّ صومَه دون فسقٍ أو تضييع لحدٍّ بأن يستجيب دعوته ويشرح صدره، ويُفرِحه؛ إذ للصائم فرحتان هذه إحداها، وله دعوة لا تُرَد عند فطره.
يا خسارة مَن فرَّط وكان بإمكانه! وندامة مَن ضيَّع وكان بين يديه، فلا لوم على من لا يستطيع أو يعلم، لكن على سهلٍ ميسَّر، وفي أقل من دقيقة، والتفريط في السهل الممكن يجعله مستحيلاً، والمسألة تَعوُّد النفس على ذلك: ﴿ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} ﴾ [الشمس: 9، 10].
من الغَبن الفاحش أن تبيع الغالي بالرخيص، وأشد منه غَبْنًا أن تبيع الدرر بلا ثمن، وأن تَهدِر أثمن اللحظات بضحكات وكلمات وقيل وقال، وربما في حرام من غِيبة ونميمة وكذِب وبهتان.
ثوان الإفطار توقُّف وانطلاق، توقُّف عن طاعة امتدت طوال النهار، وانطلاق نحو طاعات تملأ الليل من قراءة وذِكْر وقيام ودعاء وسحور؛ ولذا كان الفرح في هذه اللحظات فرحٌ بالتمام والانتهاء، وفرح ببداية برنامج جديد؛ فيوم الصائم وليله طاعات متتابعات.
لحظات الإفطار محطَّة تزوُّد، وإشارة توقُّف، لتجديد السير وتغيير النشاط؛ فالنفس تَمَل وتميل إلى التجديد.
في هذه اللحظات الغالية يذهب الظمأ، وتبتل العروق ويثبت الأجر إن شاء الله، اللهم بك آمنا، ولك صمنا، وعلى طاعتك أفطرنا، ولنبيك اتبعنا، فاغفر ذنوبنا، وارحم ضعْفنا، وتولَّ أمرنا، وبارِك لنا فيما رزقتنا.
[1] البخاري (1821) مسلم (1838).
[2] ضعيف الترغيب والترهيب (649).
_______________________________________________________________
الكاتب: نبيل بن عبدالمجيد النشمي
Source link