لقد تم تزيف العقيدة لعدة قرون في كل مناحي الحياة بقيادة اليهود، وما يتبعونهم من المنافقين في الوسط الإسلامي، لقد جاءت حرب غزة لتعيد لنا مجد الإسلام ومفهوم عقيدة التوحيد الخالص لله، لقد رفع مجاهدوها راية التوحيد …
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} [الأنعام – 162].
إن هذه الآية العظيمة لدليل قاطع عن صحة عقيدة المسلم.. عقيدة التجرد الكامل لله، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة؛ بالصلاة والاعتكاف، وبالمحيا والممات، وبالشعائر التعبدية، وبالحياة الواقعية، وبالممات وما وراءه.
إنها تسبيحة ” التوحيد ” المطلق، والعبودية الكاملة، تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات، وتخلصها لله وحده. لله رب العالمين. فأنا متجرد تجردا كاملا لخالقي ورازقي بكل خالجة في القلب، وبكل حكة في هذه الحياة.
إن هذه العقيدة يجب أن نتمثلها في حِسِّنا، ونستحضرها في تصورنا، وتعيش به أمتنا الإسلامية حية، ذات وجود حقيقي؛ وتتوجه بها أحداث واقع حياة هذه الأمة؛ وتتوجه بها حياة البشرية في هذه الأرض؛ وتدار به المعركة الضخمة في داخل النفس البشرية، وفي عالم الضمير.
ولكن واقع حياتنا الآن كمسلمين لا ينم عن أن عقيدتنا الإسلامية هي التي توجه حياة المسلمين كما جاء في القران العظيم. فها هي الحرب التي يدور رحاها في أرض فلسطين، يقودها شياطين الإنس من اليهود والصهاينة وجميع كفار العالم ضد فئة من المسلمين في غزة تمسكت بكتاب ربها كمنهاج حياة، وقد تركها المسلمون في بقاع الأرض تدافع عن الأرض والعرض والدين وحدها، ولا ناصر لهم إلا الله وقلة قليلة من المسلمين.
ألم يقرأ علماء المسلمين ودعاتهم قول الله تعالى لرسوله: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51، 52].
فأي خلل في العقيدة أن يوالي المسلمون هؤلاء اليهود؛ بل ويؤيدوهم في حربهم في غزة؟
أي خلل في العقيدة أن يتم تربية المسلمين على الولاء للقبيلة والعشيرة والطائفة والفرقة، على حساب الولاء لله، والله يقول لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 23، 24].
فما يعوق أمة الإسلام اليوم أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها الله لها، واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغة الله واحدة منها! والله يريد لها أن تصطبغ بصبغته وحده.
وواقع المسلمين أنهم تفرقوا شيعًا وأحزابًا وفرقًا ومذاهب، وكل منها يدعو إلى فرقته وعشيرته. والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].
هذا واقع يراه العالم أجمع، وأنا أكتب هذه الكلمات إذ أرى مشهد الإبادة الجماعية للمسلمين في غزة واليهودي يقود الجرافة يسحق بها الشباب المسلم تحت سيورها ويغرث أشواك الجرافة في جسم أحد الشباب بعد طحنه تحت عجلات الجرافة، ويسير به معلقا في شوكة الجرافه، ويتباها بهذا الفعل.
هذا مثال إن لم تتحد الأمة على التوحيد، سيقوم اليهود بنفس هذا الفعل لكل مسلم، ولكل فرقة، ولكل دويلة مسلمة؛ قال تعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 8].
هذا مثال لحال الأمة الإسلامية، تعلق في شوكة الجرافة بهذا الشكل، ويستهان بها بين الأمم المشركة. فهل يليق بأمةٍ القرآنُ كتابها، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمامها؟!
هل يتصور مسلم أن جميع الدول الإسلامية تخشى أن تنضم مع جنوب أفريقيا في القضية التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، لما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية للمسلمين في غزة، رغم أن جنوب أفريقيا دولة غير مسلمة. إنهم يخشون إسرائيل وأمريكا. والله يقول: {أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 13].
فالخشية يجب أن تكون من الواحد الأحد، لا من عبيد الأرض كلهم.
لقد فرط المسلمون في عقيدة التوحيد، وتنازعتهم أهواء أنفسهم، وقادهم أعداؤها إلى ما هم عليه الآن.. فرق، وطوائف، وجماعات، ودويلات، تتنازعها هذه التفرقة، وشغلهم عدوهم بعداوة بعضهم بعضًا، فأصبح لكل منها عقيدة خاصة بها، عقيدة الوطنية، والطائفية، والشعوبية. فهناك مراكز يهودية على أعلى مستوى تخرج من يندسون بين قيادات هذه الفرق يقودونهم إلى هذه الفرقة والنزاع، بل ويحرفون ويبدلون في تاريخ أمة الإسلام، لشق صفوف المسلمين عبر التاريخ منذ عهد رسول الله وحتى تقوم الساعة.
والذي يتابع الحوارات بين شباب المسلمين على مواقع التواصل الإجتماعي، يجد كل ذلك، واقع صراعات يقودها اليهود بعلم، وينقاد له الكثير من الشباب بجهل وتعصب للقبلية والفرق والدول. وإذا أراد مثلي توجيههم بكتاب الله، فإنه يواجه السب والقذف والإهانة والتكفير.
وأقول وعلى الله القصد والنية خالصة لوجه الله. والعبد لله أستاذ في علوم التربية والمناهج وعلم النفس، والتفكير، ومناهج البحث. بعد تحليل علمي، وعرض هذه الحالة على كتاب الله. أن المشكلة نابعة من الخلل في تربية عقيدة التوحيد. حتى في مناهجنا التعليمية، وفي دعوة الدعاة، الذين شغلتهم، فرقهم وشعوبهم، وليس لوحدة المسلمين مكانة عندهم.
لقد تم تزيف العقيدة لعدة قرون في كل مناحي الحياة بقيادة اليهود. وما يتبعونهم من المنافقين في الوسط الإسلامي.
أيها المسلمون هل عدنا إلى ما كان عليه العرب قبل الإسلام، وكانت الريادة للفرس والرومان في العالم. فلم نعد نحرك ساكنًا في قيادة العالم للخير وهداية البشرية لمعرفة خالقها وربها الحق. فاليهود الآن هم أشد نفيرًا وسلطة في العالم.
لقد جاءت حرب غزة لتعيد لنا مجد الإسلام ومفهوم عقيدة التوحيد الخالص لله. لقد رفع مجاهدوها راية التوحيد على أرض غزة بتكبيراتهم وتوكلهم على الله والسير على هدى الله في حربهم. فهل لنا نحن القاعدون ولو معذرة من الله؛ قال تعالى: {لَّا يَسْتَوِى ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
فالجهاد في سبيل اللّه هو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.
إن العبادة تعبير عن العقيدة؛ فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة.
وخشية الله وحده دون سواه دليل التجرد لله؛ فلابد من التخلص من كل ظل للشرك في الشعور أو السلوك؛ فخشية أحد غير الله لون من الشرك الخفي يجب أخذه في الاعتبار، ليتمحص الاعتقاد والعمل كله لله، وعندئذ يستحق المسلمون أن يعمروا الأرض، ويستحقوا أن يرجوا الهداية من الله، فميزان الله هو الميزان وتقديره هو التقدير.
_________________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
Source link