منذ حوالي ساعة
قال يحيي بن معاذ : “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”
✍ عناصرُ الخطبةِ
✍ أولًا : نعرف الشر لنتقيه فمن لم يعرف الشر وقع فيه .
✍ ثانيًا: النهي عن احتقار الناس.
✍ ثالثًا: صور مذمومة لاحتقار الناس.
✍ رابعاً: التوازن ضرورة ، وحفظ اللسان سلامة.
✍ المـــوضــــــــــوع
أيها الإخوة الكرام : إن من المبادئ الإسلامية العظيمة التي أقرها الإسلام : أن يتعرف المسلم على ( الشر )لا حباً للشر ولكن ليتقيه ، ذلك أن الإنسان عدو ما يجهل ، وأن من جهل أمراً سقط فيه ..
أخرج البخاري عليه رحمة الله من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : «كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا، قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ» ..
من المبادئ الإسلامية العظيمة التي أقرها الإسلام أن يتعرف المسلم على الشر لا (للشر ) ولكن ليحذره على نفسه ودينه …
ومن هذا الشر الذي على الإنسان أن يحذره على نفسه ودينه ( احتقار الناس ) ..
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ” « لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ» ” .
هذا الحديث من الأحاديث الجامعة في السنة النبوية المطهرة…
نَهى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديث عَنْ جملة من مَساوئِ الأخلاقِ، نهى عن الحسد ؛ والحسدُ هو تَمَنِّي زَوالِ نِعمةِ الله تعالى عن المحسودِ ..
ثمَّ نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن النَّجْشِ، وهو أنْ يَزيدَ الإنسانُ في سِعرِ السِّلعةِ لا ليشتريها ولكن لِيَخدَعَ غيرَه من الناس..
ثمَّ نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن التَّباغُضِ، وهو أن يكره بعضنا بعضاً من أجل عرض من الدنيا قليل ..
ثمَّ نَهى عليه الصلاة والسلام عن التَّدابرِ، وهو أنْ يُوَلِّيَ المسلِمُ أخاه المسْلمَ ظَهرَه ؛ إمَّا حِسِّيًّا فلا يُجالِسُه ولا يَنظُرُ إليه، وإمَّا مَعنوِيًّا فلا يُظهِرُ الاهتمامَ به ..
ثمَّ نَهى عليه الصلاة والسلام عن بَيعِ بَعضِنا على بَيعِ بعضٍ ، لما في ذلك من جلب الشحناء والخصام ..
ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المسلِمَ أخُو المسلِمِ ، فهي أُخوَّة إيمانية، وهي أعظمُ مِنَ أخوَّةِ النسب ..
قال عليه الصلاة والسلام ( «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ » )
أحد أسوء مساوئ الأخلاق أن ( «تحقر أخاك المسلم» )
نهى رسول الله عن الظلم مرة ، وعن الخذلان مرة ، وعن النجش مرة ، وعن التباغض مرة ، وعن التدابير مرة، وعن أسباب الشحناء مرة ، إلا احتقار الناس فإنه صلى الله عليه وسلم أكد على التحذير منه في حديث واحد مرتين ..
قال أولاً : «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ ) وقال ثانياً (بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِم»
أسوء صفات البشر ، وأبشع خصال السوء في الناس أن يحتقر الإنسان أخاه ، أن تحتقر مبتلى لابتلاءه ، أن تحتقر فقيراً لفقره ، أن تحتقر ضعيفاً لضعفه ، أن تحتقر جاهلاً لجهله . .
احتقار الناس هو الحط من شأنهم ، احتقار الناس هو التقليل من قدرهم ، احتقار الناس واتهام نواياهم ، هو صورة من صور الأذى النفسي الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ونهى عنه ..
السخرية تؤذي النفوس ، والغمز واللمز يحزن القلوب ، والتنابز بالألقاب يحطم المعنويات ، وسوء الظن يهز ثقة الإنسان بنفسه .. لذلك جاءت الآية في سورة الحجرات ترهب وتنذر وتحذر من هذه المساوئ {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}}
احتقار الناس درجة من درجات الكبر وإعجاب المرء بنفسه ، وهى أمارة وعلامة من علامات النفاق وعمل من أعمال المنافقين…
في سورة التوبة آية تقول {{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}}
ورد في سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : « «تصدقوا فإنى أريد أن أبعث بعثاً : فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله.. إن عندي أربعة آلاف: ألفين أقرضهما الله، وألفين لعيالي .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت» »
فلمز المنافقون عبد الرحمن فقالوا: ما أعطى ابن عوف هذا إلا رياء ، وجاء عاصم بن عدى فتصدق بمائة وسق من تمر ..
فلمز المنافقون عاصماً فقالوا: ما أعطى عاصم ما أعطى إلا رياء ..
ثم إن رجلاً فقيراً من الأنصار لم يكن عنده شيء يتصدق به إلا صاعاً من تمر فجاء به حتى أفرغه في الصدقة فغمزه المنافقون أيضاً وقالوا : إن الله لغني عن صدقة هذا الصعلوك فأنزل الله تعالى هذه الآية {{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}}
الشاهد مما سمعتم أن يعلم الإنسان أن السخرية من الناس ، وأن الغمز واللمز ، وأن احتقار الناس هو أحد أسوء الصفات التي يمكن أن يتصف بها بشر ، ثم إنها من مفسدات الأعمال ، وأحد مذهبات الحسنات فعن أَبَى هُرَيْرَةَ أنه قال: ” «قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» “
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يطهر قلوبنا من النفاق ، وأعيننا من الخيانة وألسنتنا من الكذب إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن حرمة احتقار الناس ، والسخرية بهم ، والحط من شأنهم بقى لنا أن نقول :
إن بينك وبين أخيك المؤمن رحم الإيمان والتي هى أقوى من رحم النسب قال الله تعالى ( « إنما المؤمنون إخوة » )
ثم إن للمؤمن حرمة ،حرمة تفوق حرمة البيت الحرام ، إن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة ..
طاف النبي عليه الصلاة والسلام يوما بالكعبة فقال ما أطيبك ، وما أعظم حرمتك ، والله للمؤمن أعظم حرمة منك دمه وماله وعرضه وأن يظن به إلا خيرًا..
إن استطعت أن تنفع أخاك بنافعة فجزاك الله خيراً ، وإن لم تستطع أن تنفعه بنافعة فعلى الأقل لا تؤذه بغمز ولا لمز ولا لقب يكرهه ولا بظلم ولا خذلان ولا تحقره للونه ولا لعجزه ولا لضعفه ولا لفقره ولا لجهله ..
أمسك لسانك ، وكف أذاك عن الناس .. قلت : وهذا من تمام الإيمان ، وكمال الإسلام قال النبي عليه الصلاة والسلام ” « تدرونَ مَنِ المسلمُ ؟ قالوا: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ قالَ: مَن سلِمَ المُسلِمونَ من لِسَانِهِ ويدِهِ» ..
«قالَ: تدرونَ مَن المؤمنُ ؟ قالوا: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ قال: مَن أَمِنَهُ المؤمنونَ علَى أنفسِهِم وأموالِهِم والمُهَاجِرُ مَن هَجَر السوءَ فاجتَنَبَهُ» ” .
قال يحيي بن معاذ : “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يؤلف بين قلوبنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
Source link