تفرق المسلمين: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات

إن هذه الحالة لم تأت من فراغ، وليست وليدة هذا الوقت، بل لها جذور عميقة خلال قرون من الزمن، عمل خلالها اليهود على تفريق المسلمين شيعًا وأحزابًا ومذاهب، وقوميات ووطنيات، وزعامات.

مما يحزن أي مسلم حقًّا أن يرى أمة الإسلام على هذا الحال أمام أحداث الحرب على المسلمين في غزَّة، تفرقٌ وتخاذل ونفاق من هذا الحدث الجليل الذي أظهر للعيان من يتعاون من المسلمين مع أعداء الله من اليهود والصهاينة والكفار، ضد المجاهدين في غزة، ولا يستحي أن يعلن وضعه وحالته هذه على العلن.

 

إن هذه الحالة لم تأت من فراغ، وليست وليدة هذا الوقت، بل لها جذور عميقة خلال قرون من الزمن، عمل خلالها اليهود على تفريق المسلمين شيعًا وأحزابًا ومذاهب، وقوميات ووطنيات، وزعامات. مستخدمين – لأجل هذا الغرض الحقير – رؤوسًا وأقلامًا حرَّفت في التراث الإسلامي وتاريخه، وأنشأت داخله بدعة الأحزاب والفرق التي قسمت المسلمين فرقًا ودويلات وجماعات متناحرة، يكفر بعضها بعضًا، ويحاربُ بعضها بعضًا، ويستعين بعضها باليهود والكفار لمحاربة البعض. حتى أصبحت اليد العليا لأعداء الله من اليهود والصهاينة على المسلمين، وقد سلمت هذه الفرق والجماعات أمرها لأعدائها في قيادتها بدون وعي ولا عقل ولا بصيرة من الله.

 

هذا الحال حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ الفجر الأول للإسلام؛ فقد روى أبو داود والإمام أحمد عن أبى عامر عبد الله بن يحيى قال: حججنا مع معاوية بن أبى سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى الظهر فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة –يعنى الأهواء– كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وأنه سيخرج في أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله»، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاءكم به نبيكم صلّى الله عليه وسلّم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به.

 

كما أن هذا ما نهانا الله أن نسلكه في حياتنا كمسلمين، نهانا عن التفرق والاختلاف فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ}؛ أي: لا تكونوا أيها المسلمون كأولئك اليهود والنصارى وغيرهم من الذين تفرقوا شيعًا وأحزابًا، وصار كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ واختلفوا فيما بينهم اختلافًا شنيعًا.

 

وهذا حال المسلمين الآن تمامًا، فقد ترتب على ذلك أن كفر بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، وزعم كل فريق منهم أنه على الحق وغيره على الباطل، وأنه هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما في القرآن من حقائق، وهو وحده الذي يستطيع تفسير القرآن تفسيرًا سليمًا.

 

وقد حدث لنا – نحن المسلمين – رغم وجود القرآن بين أيدينا يوضح لنا ويبين، {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}؛ أي: الآيات والحجج والبراهين الدالة على الحق، والداعية إلى الاتحاد والوئام لا إلى التفرق والاختلاف.

 

وإن المتمعن في قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]، يجد أن الله يوضح لنا.

 

أولا: أن التفرق والاختلاف قد وقع للمسلمين بعد نزول القرآن وتطبيقه عمليًّا من رسول الله في واقع الحياة في الصدر الأول للإسلام في حياة الصحابة. وهذا ما أكده الله في قولة: {مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ}.

 

فلم تكن هناك تلك المسميات التي ابتدعها المغرضون للفرق والجماعات والمذاهب، لم تكن توجد إلا كلمة (إسلام) تعبيرا عن وحدة المسلمين وتمسكهم بالتوحيد الخالص، فلم يبدلوا كلام الله وكانوا على المحجة البيضاء إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركتُكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك».

 

ثانيًا: إن فعل ” تفرقوا ” سبق فعل ” اختلفوا ” في الآية وهذا يشير إلى أن التفرق يقع أولًا في واقع الحال وواقع ما هم عليه من قبل.

 

ومن هنا نفهم أن كل الذين زرعوا فتنة الفرقة بين المسلمين، كان هدفهم في الأصل، ومن البداية، أن يفرقوا بين المسلمين ثم سعوا إلى إيجاد المبررات التي تبرر هذه الفتنة من داخل السنة أو القرآن تأويلًا وتحريفًا للآيات عن مواضعها. وهذا يشير إليه القرآن الكريم في قول الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].

 

وهذا ما زرعه اليهود داخل صفوف المسلمين وأنشأ له الدعاة والمتخصصين في هذه الفتن. وإن لم تصدق هذا فابحث على النت عن الجامعة الإسلامية بتل أبيب لتعرف من أنشأها، ومن يدرس فيها، والهدف منها، ولك أن تبحث عن اليهودي الذي أم المسلمين أربعين عامًا بالمسجد الكبير بعاصمة تشاد (إنجامينا).

 

كما أدعوكم إلى الاستماع إلى الداعية (القس سابقا) مؤمن إبراهيم الذي يوضح نقطة غاية في الأهمية في كيفية تعمية عقول البشر من جانب المضللين للبشر عن التوحيد والبعد عن معرفة الحق بهذه التعمية والتعتيم العقلي للبشر للسير وراء هؤلاء المضللين للبشرية والمتاجرين بالدين. إنهم ينشؤون لأنفسهم هالة من التقديس والمعرفة والوقار بين الناس والتي يجب عدم المساس بها وإلا فأنت ضال إن مسست بهذه الهالة أو اقتربت منها أو مجرد أن تفكر في ذلك.

 

هذا ما يتبعه هؤلاء المفرقين للمسلمين بإيحاء من اليهود وتدبيرهم وتدريبهم في المؤسسات اليهودية المنتشرة في كل أنحاء العالم وكل التخصصات الحياتية والعلمية والجامعات والمؤسسات الدولية.

 

إن كل ما نحن فيه الآن من هوان بسبب هذا التفرق، وإن ما يحدث في غزة من قتل ودمار للمسلمين وتحت أعين المسلمين جميعًا بل وبمشاركة بعضهم، لذل لكل مسلم وعار علينا جميعا، سيحاسبنا الله عليه، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].

 

أيها المسلم احذر أن تكون من هؤلاء المفرقين لدينهم والمتبعين لليهود.

 

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت مسلكًا من مسالك اليهود الخبيثة لكيد الإسلام والمسلمين، ووبختهم على ذلك توبيخًا موجعًا، وفضحتهم على مر العصور والدهور، وحذرت المؤمنين من شرورهم، وأرشدتهم إلى ما يعصمهم من كيدهم.

_____________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *