من أراد أن ينجو من الغفلة، فعليه تجنب الأسباب السابقة، والإكثار من ذكر الله؛ حتى يكون من الذاكرين، ومن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فمن الصفات المذمومة التي ذمها الله ورسوله: الغفلة؛ قال تعالى عن الكفار: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8]، قد يقول قائل:
ما أسباب الغفلة حتى يجتنبها المؤمن؟
أقول: إن من هذه الأسباب:
أولًا: الانقطاع الكثير عن زيارة القبور، وتذكُّر الموت والدار الآخرة؛ قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1، 2]، قال ابن كثير رحمه الله: «أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتُم من أهلها؛ قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] [1].
روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ» “[2]؛ يَعْنِي الْمَوْتَ، وروى مسلم في صحيحه وابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ»[3].
ثانيًا: الانقطاع عن بيوت الله وهجر صلاة الجماعة وقراءة القرآن؛ قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36، 37].
وقال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]، روى ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ»[4]، والمراد بهذا الحديث صلاة الليل وتعاهد القرآن حتى لا يكون من الغافلين.
الخلاصة: أن من أراد أن ينجو من الغفلة، فعليه تجنب الأسباب السابقة، والإكثار من ذكر الله؛ حتى يكون من الذاكرين، ومن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم أيقِظ قلوبنا من الغفلة، اللهم اجعل خيرَ أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم توفَّنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
1- اذكر النصوص الشرعية التي تنهى عن الغفلة.
2- هل تُشرع زيارة القبور؟
3- اذكر اثنين من أسباب الغفلة مع الدليل.
[1] تفسير ابن كثير (14 /442).
[2] برقم 2307 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2 /266) برقم 1877.
[3] صحيح مسلم برقم 976، وابن ماجه برقم 1569 واللفظ له.
[4] صحيح ابن خزيمة (2 /181) برقم 483، والحاكم في المستدرك (2 /257) برقم 2085، واللفظ له، وصححه الألبانيرحمه الله في السلسلة الصحيحة (2 /245) برقم 642.
_______________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي
Source link