منذ حوالي ساعة
ننتظر بعد أيام العشر من ذي الحجة، وتختلف هذه الأيام عن بقية أيام العام بفضلها ومكانتها…
تختلف العشر من ذي الحجة عن بقية أيام العام بفضلها ومكانتها، واجتماع أمهات العبادات فيها، لذا فإن لها مكانتها وتأثيرَها المختلف، فكانت العناية باغتنامها من أفضل الأعمال والمشاريع التي تليق بالمسلم الحريص على ما ينفعه ويقرِّبه إلى الله عز وجل.
ولعل من أعظم ما تُغتنم به العشر هو غرس القيم الإيمانية والتربوية في النفوس، من خلال الجلسات التربوية في البيوت أو اللقاءات والدروس في المساجد، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الوسيلة الأولى لإيصال المعلومة، ومن أهم القيم الإيمانية التي لابد من تربية النفوس عليها، وغرسها في القلوب والعقول والنفوس، وتَبرُز بذاتها في هذه العشر، لكن تحتاج إلى تأكيد وعناية أكبر – هي قيمة تعظيم شعائر الله، وهي القيمة الأبرز والأعظم، وخاصة في العشر، فتحتاج إلى إفراد بالحديث وعناية وإيضاح،وغرسٍ جميل في النفوس والقلوب، خاصة مع الأبناء والبنات والأهل، وهي مهمة كبيرة يجب على الوالدين بذلُ الجهد والوقت للقيام بها، فإن تعظيم الله تعالى – وتعظيم ما يستلزم ذلك من شعائر الله تعالى وحدوده – من أَجَلِّ العبادات القلبية، وأهم أعمال القلوب التي يتعين تحقيقُها والقيام بها، وتربية الذرية عليها، وخاصة في هذا الزمان الذي ظهر فيه ما يخالف تعظيم الله تعالى؛ من الاستخفاف والاستهزاء بشعائر الله تعالى، والتسفيه والازدراء لدين الله تعالى وأهله.
ومما قاله ابن القيم عن تعظيم الله وشعائره: (هذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الربِّ تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدُّهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذمَّ الله تعالى من لم يعظِّمه حقَّ تعظيمه، ولا عرِفه حقَّ معرفته، ولا وصَفه حق صفته؛ قال تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13]، قال ابن عباس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظِّمون الله حق عظمته.
قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، وتعظيمها: إجلالها، وتوقيرها، والقصد إليها، وقيل: الشعائر أمور الدين على الإطلاق، وتعظيمها: القيام بها، وإجلالها.
وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى ظاهرة جليَّة في هذه العشر المباركة، يُمكن تسليط الضوء عليها من خلال ما يلي:
♦ استحضار قيمة تعظيم شعائر الله وربطها بالمشاعر والشعائر، واستحضار ما تُورث من تقوى وطاعة، وانقياد واستسلام لله وأوامره ونواهيه، من خلال خارطة مسير الحاج في أدائه لتلك المناسك وَفق أوامر الله في زمنٍ معين ومكان معين، وقول معين وهيئة معينة، ووقوف هنا، وعدم وقوف هنا، وفعل وترك بانقياد تامٍّ لا اعتراض فيه ولا ارتياب.
♦ تبرز قيمة تعظيم شعائر الله في العشر بجلاء في التهليل أيام العشر والتحميد والتسبيح والتكبير، بالمنافسة على الطاعات واستشعار عظمتها ومضاعفتها، وحبِّ الله لها ولمن أداها.
♦ تبرز قيمة تعظيم شعائر الله من خلال العبادات التي لا تكون إلا في هذه العشر؛ من حجٍّ وأُضحية وصيام يوم عرفة، وصلاة العيد من يوم النحر والأكل والشرب، وذكر الله في أيام التشريق.
♦ تبرز قيمة تعظيم شعائر الله في المشاعر المقدَّسة وتعظيمها، في مكة والبيت وزمزم والمقام والحطيم والملتزم والصفا والمروة، في منى والعقبة والجمرات والخيف، في مزدلفة والمشعر الحرام، في عرفات والموقف ونمرة، وجبل الرحمة والصخرات ووادي محسر، حرمًا آمنًا لا يُعضد شوكه، ولا يُنفَّر صيده، ولا تُلتقط لُقطته إلا من عرَّفها.
♦ يبرز تعظيم شعائر الله في مشهد الهدي والأضاحي في استحسانها واستسمانها واختيار أفضلها.
♦ تبرز قيمة تعظيم شعائر الله في مشهد الحجيج وتعظيمهم للبيت وللمشاعر والشعائر، في إخلاصهم واتباعهم {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 31]، في إخباتهم وخشوعهم وخضوعهم وانقيادهم، وتواضُعهم وتذلُّلهم ورقة قلوبهم، {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]، في تلبيتهم وتكبيرهم، وجأرهم بالدعاء ورفع الأكف بالنداء لرب الأرض والسماء، في لينهم ورفقهم وتآخيهم واجتماعهم، في لباسهم وهيئتهم وشَعثهم وتفثهم، في جهدهم وصبرهم وتحمُّلهم، {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27].
كل هذه المشاهد والشواهد التي تظهر من خلالها هذه القيمة الكبرى، يجب أن تقدَّم وتُغرس من قِبَل المربين والدعاة، من قبل الوالدين بطريقة جميلة ومهارة عالية في هذه الأيام خاصة؛ لأن فيها تجسيدًا لها يخدمه الزمان والمكان والمجتمع، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب} [الحج:32].
________________________________________________
الكاتب: عبدالسلام بن محمد الرويحي
Source link