وهذا فـي كل أمور الحياة؛ فالطفل الذي يستعجل المشي يكثر سقوطه؛ والذي يريد بناء جسم في النادي فيستعجل؛ تحدث له إصابة؛ أو يمر الوقت دون تغير مشاهد فيقف؛ وكذلك الذين يستعجلون التوسع في التجارة يصابون بخسائر فادحة..”
(إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ … فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ..)
المستعجل – في الغالب – يسقط ولا يثبت..
وهذا فـي كل أمور الحياة؛ فالطفل الذي يستعجل المشي يكثر سقوطه؛ والذي يريد بناء جسم في النادي فيستعجل؛ تحدث له إصابة؛ أو يمر الوقت دون تغير مشاهد فيقف؛ وكذلك الذين يستعجلون التوسع في التجارة يصابون بخسائر فادحة..
وفي العلم الشرعي – وهو الأهم-؛ عندما يستعجل الطالب ليكون عالمًا، سيقف، ويفشل ويترك العلم..
يكثر الطلاب في بداية الدرس ثم يتناقصون مع الزمن، حتى لا يبقى إلّا طالب أو اثنان؛ لأنّ الأكثر مستعجلون، وطال عليهم الطريق..
درَس أحد الطلاب عند شيخ من كبار العلماء؛ فلما تمت له أربع سنوات، قال: ياشيخ؛ لي أربع سنوات، وأنا أدرس ولم أشتهر؟! (يقصد لم يُعرف بالعلم ويكون من مصافّ العلماء).
فقال له الشيخ: ياولدي؛ أنا لم أشتهر إلّا بعد خمسين سنة!
لمّا كنّا في الجامعة جاءنا طالب متحمس فأراد أن يدرس العلم على مشايخ الجامعة؛ وكان جادًا، يتنقل بين الجامعة والمساجد، أشهر يسيرة ثم ترك ذلك ليدرس المذهب المالكي؛ أشهر يسيرة ثم انتقل إلى شيخ مُحدث ليدرس الحديث؛ ثم ترك كل هذا..
كثرة التنقل بين المشايخ تدل على قلق ومحاولة للتهرب من تأنيب الضمير؛ ومن ثبت نبت؛ بعد توفيق الله..
لو تتبعت حياة العلماء لوجدتهم ثلاثين وأربعين وخمسين سنة في العلم ثم كتب الله لهم النفع والبركة..
تجد زحامًا في دروس اليوم الواحد؛ كثير منهم يريدون أخذ سنوات المؤلِف والمؤلَف في نصف يوم!
العلم ليس وجبة سريعة تؤخذ من نافذة السيارة، وتؤكل على الرصيف..
العلم مصابرة ومكابدة ومجاهدة ومع الأيام والليالي يتراكم العقل العلمي، وتأتي الملكة بعد سنوات وقد تطول..
كثير لا يُفرقون بين العلم وحفظ مسائل العلم؛ فيظن أنه إن حفظ المسائل أصبح عالمًا؛ فالملكة مرْتَبة متقدمة جدًا على الحفظ، والحفظ بداية الطريق وليس نهايته..
والمعلومات شيء والعلم شيء آخر؛ فعندما تترابط المعلومات تكوّن عقلًا علميًا؛ فهنا يكون العلم والملكة ويتنفس صاحبها العلم..
عندما أرى طالبًا مستعجلًا يعتصر قلبي لأجله، لأنّ مثله لا يثبت، ولا يُفلح؛ إلّا إن وفقه الله وفتح عليه، فاستجاب لنصح العلماء والمشايخ بالتريث وعدم الاستعجال، فللثمرة وقت، ولن تأتي إلا بعد جهد، ومن استعجل قطفها حُرمها، تلك سنة الحياة..
________________________________________________
الكاتب: أ. د. مرضي بن مشوح العنزي
Source link