الأخلاق بين فلاسفة اليونان والعصر الحديث

منذ حوالي ساعة

إن امتداد تأثيرهم على الحضارة المعاصرة يجعلنا في موقف اليقظة والتحذير من الاقتداء بقيمها الأخلاقية

إننا نرضى بحكم أحد الفلاسفة المعاصرين على دور أرسطو وأفلاطون في مسئوليتهما عن التميز العنصري ونظرة التعالي التي دفعت بالإنسان الأوروبي إلى تحقير ما دونه من أجناس أخرى وتبرير استعمار واستغلال واستعباد غير الأوروبيين

يقول برتراند رسل: “لقد أخطأ اليونان خطأ فاحشًا حين أحسوا شعور السيادة على الشعوب البربرية، ولا شك أن أرسطو قد عبر عن فكرتهم العامة في ذلك حين قال “إن أجناس الشمال مليئة بشعلة الحياة وأجناس الجنوب متحضرة، واليونان وحدهم هم الذين يجمعون الطرفين فشعلة الحياة تملؤهم وهم في الوقت نفسه متحضرون، وأفلاطون وأرسطو كلاهما قد ذهبا إلى أنه من الخطأ أن يتخذ من اليونان عبيد لكن ذلك عندهما جائز بالنسبة للشعوب البربرية”[1].

 

ثم يبرز لنا رسل فكرة أخرى قال بها أرسطو حيث قبل عدم المساواة داخل المجتمع نفسه مما جعل رسل يتساءل: هل نرضى من الوجهة الخلقية عن مجتمع يسير وفق دستور من شأنه أن يخص الأقلية بأحسن الأشياء ويطالب الأكثرية بالقناعة بما هو دون ذلك؟ يقول أفلاطون وأرسطو: “نعمل” ويوافقهما نيتشه”.

 

ويصدر حكمه على مثل هذا الاعتقاد بأنه يخلق مشكلة أخلاقية سياسية في آن واحد، وبعد تحليل مستفيض يصل رسل إلى إصدار حكمه الآتي: “لهذه الأسباب في رأيي يكون كتاب “الأخلاق” قليل الأهمية الذاتية على الرغم من شهرته”[2].

 

وإذا كان هذا حال التصورات الأخلاقية عند فلاسفة اليونان فإن امتداد تأثيرهم على الحضارة المعاصرة يجعلنا في موقف اليقظة والتحذير من الاقتداء بقيمها الأخلاقية التي هي في حقيقتها لا تخرج، إما عن هدم الأخلاق وعدم الاعتراف بها كما في الفلسفة الماركسية، وإما إخضاع الأخلاق إلى وسيلة نفعية نأخذ بها إن حققت لنا المصالح والآمال ونلقي بها جانبًا ونهملها إن لم تفعل.

 

وكلا التصورين يعبران عن الحضارة الغربية، فإن “ماركس” بسبب اعتقاده في أن التقدم لا مندوحة عنه، فقد ظن أن من الممكن “الاستغناء عن الاعتبارات الأخلاقية، فإذا كانت الاشتراكية آتية فهي لابد أن تكون تحسينًا”[3].

 

وهذه النظرية في حقيقتها “لا أخلاقية” بالرغم من تناوله في الحديث عن أخلاق الطبقة العاملة والقيم التي تضعها لنفسها لأنه ما دامت القيم غير ثابتة، وأنها تتغير وفقًا للأغراض الطبقية فإنه بذلك يهدم أهم ركن من أركان السلوك الأخلاقي الحق، ولا ينطلي علينا حديثه عن التقدم المنتظر.

وكذلك الفلسفة العملية الأمريكية التي أقامت الأخلاق على تحقيق المنافع والمصالح بغير إقرار بثبات القيم الأخلاقية في ذاتها، ونكتفي بعبارة وردت على لسان أحد الرؤساء السابقين – مستر ترومان – نفصح بجلاء عن هذا الاعتقاد حيث وصف مساعدة بلاده لأوروبا عقب الحرب العالمية الثانية بالمشروع المسمى بمشروع النقطة الرابعة فقال: “إن مشروع النقطة الرابعة يعني بالنسبة للولايات المتحدة توسيع نطاق التجارة وزيادة أسواق التصريف وتموين أمريكا بالمواد الأولية”، وشاركه في الرأي وزير الخارجية، آنذاك حيث قال: “إن الدافع على الرغبة في نجاح المشروع ليس حب أمريكا للنوع البشري بل هو مصلحة أمريكا العملية”[4].

 

 


[1] تاريخ الفلسفة الغربية: برتراند رسل ج1 ص251، وترجمة د. زكي نجيب محمود ومراجعة أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر 1967م.

[2] تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند رسل، ص284، 295.

[3] تاريخ الفلسفة الحديثة برتراند رسل- ج 3 ترجمة محمد فتحي الشنيطي 434 الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1967.

[4] التبشير والاستعمار في البلاد العربية: د. مصطفى الخالدي و د. عمر فروخ ص196 المكتبة العصرية- بيروت 1973م.

_________________________________________________
الكاتب: أ. د. مصطفى حلمي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *