منذ حوالي ساعة
الإلحاح في الدعاء فيه فائدة عظيمة وهي أنها تُبقي الأمل في نفسك وكأنك مصرٌّ على ما ترجوه، مما يحرّم على اليأس الدخول لقلبك
لا شك أن الدعاء هو عبادة شأنه كالذكر والقرآن يحتاج للتدبر ويقين وحضور ذهني لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.” وإنما كان ذلك كذلك لأن للدعاء أثر نفسي مباشر يحتاجه المرء كما يريد الإجابة، إذ ليس المقصود أن يكون الدعاء مثل المصباح السحري متى أراد الإنسان شيء يتوجه إليه دون أن يعمل ويكد.
إن مخاطبة الله في الدعاء لها أثر مباشر على نفس الإنسان فضلا عن إجابته، فالاستعاذة بالله من الهم مقرونة بالاستعاذة من الكسل، وعندما يستعيذ الإنسان من الكسل تنزع نفسه مباشرة إلى العمل والنشاط، والعمل هو المحرك الرئيسي للفرح والسعادة فبهما يحقق الإنسان ذاته ويجد في نفسه غاية لحياته يستعيد الإنسان بها ثقته بنفسه وتنجلي بها همومه.
الإلحاح في الدعاء فيه فائدة عظيمة وهي أنها تُبقي الأمل في نفسك وكأنك مصرٌّ على ما ترجوه، مما يحرّم على اليأس الدخول لقلبك فيكون ذلك أدعى للهمة وتجديد للأمل ناهيك عن فضل ذلك على آخرتك وحسناتك.
كذلك الحال مع أدعية أخرى التي تبدأ بالثناء على الله وأنه مدبر الأمر ورب العرش الكريم إلى غيرها من الصفات التي يرتاح الإنسان لذكرها وتذكرها في كل أحواله، وعندما يلجأ إليه تبارك وتعالى، فالمهموم والحزين والفقير والمريض يفرح بذكر الله المدبر والكريم والشافي ويدفعه هذا الذكر لحسن التوكل على الله بالعمل.
ولهذا فالدعاء بالمأثور هو أفضله وأحسنه، فمثلا نجد أن طلب الرزق مقرونا بطلب العلم والعلم هو سبب من أسباب الرزق فكأن الدعاء يرسخ في نفسك أن تطلب مع الدعاء بالرزق ففي الدعاء “اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا” لذلك كان تدبر الدعاء سببا من أسباب إجابته.
كذلك الأمر بالدعاء بقبول العمل بعده، وقد ورد في تفسير الآية الكريمة ” {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} ” الذين يصلّون ويصومون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم لذلك كان الدعاء بعد الصلاة هو الاستغفار خشية أن يتسرب إلى نفسك بعد صلاتك العُجب بما فعلته، فتثبت في نفسك أنك مقصر وتستغفر الله بعد عبادتك.
وأما الإلحاح في الدعاء ففيه فائدة عظيمة وهي أنها تبقي الأمل في نفسك وكأنك مصرا على ما ترجوه، مما يحرم على اليأس الدخول لقلبك فيكون ذلك أدعى للهمة وتجديد للأمل ناهيك عن فضل ذلك على آخرتك وحسناتك وقد ثبت عنه ﷺ استحباب تكرار الدعاء قال البخاري رحمه الله: بَاب تَكْرِير الدُّعَاء عن عائشة: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ الله ﷺ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا.. الحديث.
والذكر عامة والدعاء خاصة هو مانع من موانع الكسل والذنب فذكرك لله لا يتطلب وقت خاص؛ بل هو في كل حركاتك وسكناتك فهناك دعاء قبل النوم وبعد الاستيقاظ وقبل الأكل والشرب وبعدهما وفي الصباح والمساء ومع كل تغير من تغير حياتك هناك ذكر مرتبط بهذا التغير لا لشيء إلا ليصرف عنك الذنب ويغفره لك إن فعلت أما الغافل الذي لا يذكر الله إلا قليلا حين تنزل به المصائب فهو المفتون المتواكل وهو المتعجل الذي لا يستجاب له فيقول عنه الرسول “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي” إذا فالمتعجل قد فاته الغرض من الدعاء والحكة منه ومثله غالبا ما ييأس عند تأخر الإجابة ظنا منه أن الله حاشاه تعالى منتظرا إياه يدعوه حتى يجيبه وإذا لم يحدث يأس وظن بالله سوءا وإذا حدثت الإجابة مر كأن لم يدعوه إلى ضر مسه، مثل هؤلاء الناس المتعدون في الدعاء يقول الله تبارك وتعالى “ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيَةً إنه لا يحب المعتدين” والتعدي في الدعاء إما أن يفوت الأثر النفسي له والحكمة منه أو يمنع الإجابة.
قال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء فقال “كل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله.”
ومن أشكال التعدي عدم العزم على العمل أو تركه ففي حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له” وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له ” ومن التعدي أن يدعو ربه دعاءً غير متضرع بل دعاء مُدل كالمستغني بما عنده المدلّ على ربـه بـه. قال ابن القيم رحمه الله وهذا من أعظم الاعـتــــداء الـمنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد.
الله إما أن يعطي السائل حالاً أو يؤخره ليُكثر السائل من البكاء والتضرع أو يعطيه الله شيئاً آخر أنفع له من سؤاله.
ومن التعدي في الدعاء ذكر تفاصيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يتخير من الدعاء أجمعه لإن ذكر التفاصيل تضييق لواسع وعلامة من علامات سوء الأدب مع الله فلا ينبغي أن تطلب من الكبير إلا أجمع الأمر، فعن ابن سعد ابن ابي وقاص أنه قال سمعني أبي وأنا أقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا فقال يابُني إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء فإياك أن تـكـــون منهم إن أُعطيت الجنة أُعطيتها وما فيها وإن أعذتَ من النار أُعذت منها وما فيها من الشر.
وأخرج أيضاً عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول “اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بُني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء” وعن عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدعُ ما سوى ذلك.”
ولهذا فأن خير الدعاء أجمعه فعن قتادة رحمه الله أنه سأل أنساً رضي الله عنه أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر قال كان أكثر دعوة يدعو بها “اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” وكذلك الحال مع رفع الصوت في الدعاء فبه تنتفي الحكمة منه وهو الخشوع والتضرع لله.
وأما إجابة الدعاء فالله إما أن يعطي السائل حالاً أو يؤخره ليُكثر السائل من البكاء والتضرع أو يعطيه الله شيئاً آخر أنفع له من سؤاله أو يرفع به عنه بلاءً أو يؤخره إلى يوم القيامة.
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” «والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» “. فالإنسان إذا دعا ربه عليه ألا ينتظر دون العمل الإجابة وإذا سعى عليه ألا يطرق للناس باباً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
Source link