وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: « أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ: «مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»» [1]؛ [متفق عليه] .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
كان من خلق الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – أنه لا يُسأل شيئًا يجده إلا أعطاه، وما عُهِد عنه أنه صلى الله عليه وسلم منع سائلًا، بل كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، ويعيش في بيته عيش الفقراء، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع، فهو عليه الصلاة والسلام أكرم الناس وأشجع الناس.
فلما نفِد ما في يده أخبرهم أنه ما من خير يكون عنده، فلن يدَّخره عنهم؛ أي: لا يمكن أن يدخر شيئًا عنهم فيمنعهم، ولكن ليس عنده شيء.
ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر، فقال: « «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ»» .
هذه ثلاثة أمور:
أولًا: من يستغن يغنه الله؛ أي: من يستغن بما عند الله عما في أيدي الناس؛ يغنه الله عز وجل، وأما من يسأل الناس ويحتاج لما عندهم؛ فإنه سيبقي قلبه فقيرًا – والعياذ بالله – ولا يستغني.
والغني غني القلب، فإذا استغنى الإنسان بما عند الله عما في أيدي الناس، أغناه الله عن الناس، وجعله عزيز النفس بعيدًا عن السؤال.
ثانيًا: من يستعفف يعفه الله، فمن يستعف عما حرَّم الله عليه من النساء يعفه الله عز وجل، والإنسان الذي يُتبع نفسَه هواها فيما يتعلق بالعفة، فإنه يهلك والعياذ بالله؛ لأنه إذا أتبع نفسه هواها وصار يتتبَّع النساء، فإنه يهلك، تزني العين، تزني الأذن، تزني اليد، تزني الرجل، ثم يزني الفرج، وهو الفاحشة والعياذ بالله، فإذا استعف الإنسان عن هذا المحرم، أعفه الله عز وجل، وحماه وحمى أهله أيضًا.
ثالثًا: من يتصبر يصبره الله؛ أي: يعطيه الله الصبر.
فإذا تصبَّرت وحسبت نفسك عما حرَّم الله عليك، وصبرت على ما عندك من الحاجة والفقر، ولم تُلح على الناس بالسؤال، فإن الله تعالى يُصبرك ويعينك على الصبر، وهذا هو الشاهد من الحديث؛ لأنه في باب الصبر.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ««وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ »» ؛ أي: ما من الله على أحد بعطاء من رزق، أو غيره خيرًا وأوسع من الصبر؛ لأن الإنسان إذا كان صبورًا تحمَّل كل شيء؛ إن أصابته الضراء صبر، وإن أعرض له الشيطان بفعل المحرم صبَر، وإن خذله الشيطان عن ما أمر الله صبر، فإذا كان الإنسان قد مَنَّ الله عليه بالصبر، فهذا خير ما يعطاه الإنسان، وأوسع ما يعطاه، ولذلك تجد الإنسان الصبور لو أُوذي من قِبَل الناس، لو سمع منهم ما يكره، لو حصل منهم اعتداء عليه، تجده هادئ البال، لا يتصلب، ولا يغضب؛ لأنه صابر على ما ابتلاه الله به؛ فلذلك تجد قلبه دائمًا مطمئنًا، ونفسه مستريحة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ««مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»» ؛ والله الموفق.
المصدر: «شرح رياض الصالحين»
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (1469)، ومسلم (1053).
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية
Source link