الصديقة في بيت الأمين – محمد سيد حسين عبد الواحد

المرأة لباس لزوجها، والرجل لباس لزوجته، المرأة خلقت للرجل والرجل لا تسكن نفسه ولا تستقيم حياته إلا مع المرأة التي يأخذها بأمانة الله وعلى سنة رسول الله ..

أيها الإخوة الكرام: لَمَّا كَانَ يوم ( أحد) قتل عدد كبير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قتل يهودي كان قد أسلم وحضر المعركة فقتل في سبيل الله، وقتل في ذلك اليوم خمسة وستين أنصارياً، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ من المهاجرات تَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ المسلمين ، وتسأل عن الذين فازوا بالشهادة في سبيل الله..

 هذه المرأة هي (حمنة بنت جحش رضي الله عنها) فَقَالُوا لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ! اتَّقِ اللهَ وَاصْبِرِي وَاحْتَسِبِي عِنْدَ اللهِ أَخاك وأخوها هو ( عبد الله بن جحش) رضي الله عنه 
قَالَتْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: واحْتَسِبِي عِنْدَ اللهِ خالك، وخالها هو ( حمزة بن عبد المطلب) رضي الله عنه، فَقَالَتْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فقَالُوا: فَاحْتَسِبِي عِنْدَ اللهِ زَوْجِكِ، وزوجها هو (مصعب بن عمير): فَاحْتَسِبِي عِنْدَ اللهِ زَوْجِكِ، وزوجها هو (مصعب بن عمير): فَاحْتَسِبِي عِنْدَ اللهِ زَوْجِكِ (مصعب بن عمير) رضي الله عنه.فَرَنَّتْ المرأة،  أي صاحت وصرخت وولولت فَعجب النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقال : (إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا بِمَكَانٍ)

هذا الأثر ما دلالته؟ 
هذا الأثر دلالته أن قوة العلاقة ومتانة الصلة بين المرء وبين زوجه ليس لها مثيل.. 
المرأة لباس لزوجها، والرجل لباس لزوجته، المرأة خلقت للرجل والرجل لا تسكن نفسه ولا تستقيم حياته إلا مع المرأة التي يأخذها بأمانة الله وعلى سنة رسول الله .. 

قال الله تعالى { ﴿هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ  ﴾}
 
وإن ذهبنا نلتمس الحديث عن بيت من البيوتات التي حضرت فيها الصلة القوية بين الزوجين،  وحضرت فيها المودة والمحبة والسكن بين الزوجين فلن نجد أولى بالحديث من بيتٍ ..  الزوج فيه النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلّم والزوجة فيه الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها وأرضاها.. 

تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلّم عائشة بوحي من الله تعالى فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ» » [ متفق عليه]

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخفى محبته لزوجه عائشة واعتزازه بها بل كان يعلن محبتها ويعزز من قدرها ومكانتها رضوان الله تعالى عليها.. 

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه بعثني رَسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، قالَ عمرو : فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: يا رسول الله أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: عَائِشَةُ قُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قالَ: أبُوهَا قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: عُمَرُ.. 
قال عمرو فَعَدَّ رسول الله رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أنْ يَجْعَلَنِي في آخِرِهِمْ.

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بيوتاً غير بيت عائشة،  وله زوجات أخريات غير عائشة ولم يكن رسول الله يجور على حق إحداهن بسبب حبه لعائشة بل كان رسول الله عدلاً يمشي على قدمين.. 

إذا كانت نفقة جعلها بينهن،  وإذا كانت كسوة جعلها فيهن وإِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَت مَعَهُ، « وَكَانَ رسول الله يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ أم المؤمنين سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. [البخاري ومسلم]

أباح الله تعالى للرجل أن يجمع بين أربع زوجات على شرط أن (يعدل بينهن) في النفقة والكسوة والمبيت والسكن وغير ذلك قال الله تعالى {﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟ ﴾}

العدل في النفقة والكسوة والمبيت وغير ذلك بين الزوجات فرض على كل مسلم يجمع بين زوجتين أو أكثر ،  إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد فوض الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم أمر القسمة بين نساءه ياتي بها كيف شاء..

قال الله تعالى { ﴿ تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـْٔوِىٓ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ۖ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾}

 قال الشوكانى: والحاصل أن الله- سبحانه- فوض الأمر إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم كي يصنع مع زوجاته ما شاء، من تقديم وتأخير، وعزل وإمساك، وضم من أرجأ، وإرجاء من ضم إليه، وما شاء في أمرهن فَعَلَ توسعةً عليه، ونفياً للحرج عنه صلى الله عليه وسلّم.. 

ورغم ذلك كان رسول الله يعدل في القسمة بين جميع نساءه في الكسوة والنفقة والمبيت والسكن إلا شيئاً في القلب كان لعائشة رضي الله عنها عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله:
«اللهم هذه قدرتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»
قلت وهذا هو المشار إليه في قول الله تعالى « وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ ۚ» 

وطلباً لإدخال السرور على قلب النبي عليه الصلاة والسلام،  وعلى قلب عائشة رضي الله عنها ” كَانَ الصحابة يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وليلتها.. 

فَاجْتَمَعَت زوجات النبي عليه الصلاة والسلام إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ  .. 

قَالَتْ: « فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، قالت فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، قالت فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ» : «( يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا)» [البخاري]

أيها الإخوة الكرام :-
لم تعش عائشة في بيت النبي عليه الصلاة والسلام مجرد زوجة ،  للأنس والمودة والسكن فقط.. 

إنما كانت واعية وأمينة وحافظة للفقه والحديث والعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 

عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – أنه قال: “ما أَشْكل علينا أصحابَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديثٌ قطُّ فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علمًا”.

رضي الله عن عائشة ام المؤمنين وعن سائر امهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة.. 

الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول:  
لماذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعن زوجه عائشة رضي الله عنها؟ 
الحديث عنهما الغرض منه أن نتعلم ان من دلائل مروءة الرجل إكرامه لزوجته،  ولطفه بها،  وإحسانه إليها، ورحمته بها ومن دلائل حكمة المرأة سعيها في حسن التبعل لزوجها.. 

من دلائل كمال أخلاق الرجل إحسانه إلى شريكته وأم أولاده.. 

ولن نجد في ذلك قدوة نقتدي بها أفضل ولا أكرم ولا أحسن عشرة ولا أطيب كلمة.. من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. 

عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : ” دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي رسول الله :  يَا حُمَيْرَاءُ..  والحميراء هى المرأة البيضاء المشربة بحمرة وهذا قليل في العرب. 
قالت عائشة – « دخلتِ الحبشةُ المسجدَ يلعبون في المسجدِ، فقال: يا حُمَيْراءُ، أُتُحِبِّين أن تنظري إليهم ؟ فقلتُ: نعم. فقام بالبابِ، وجئته فوضَعَتُ ذَقَنِي على عاتَقِه، وأَسْنَدْتُ وجهي إلى خَدِّه، قالت: ومِن قولِهم يومئذٍ: أباَ القاسم طيِّبًا. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكِ . فقُلْتُ: لا تَعْجَلِ يا رسولَ اللهِ. فقامَ لي ، ثم قال :حَسْبُكِ. قلتُ: لا تَعْجَلْ يا رسولَ اللهِ. قالت: وما لي حبُّ النظرِ إليهم ؛ ولكني أَحْبَبْتُ أن يَبْلَغَ النساءَ مقامُه لي ومكاني منه» . [حديث صحيح رواه النسائي في السنن الكبرى]

ومن بين ثناءات النبي عليه الصلاة والسلام على عائشة قوله: ««كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ»» [ البخاري]

وفي الختام: 
اود ان أقول : إن من أسس الحياة الطيبة في البيوت المسلمة التغافل والتجاوز وعدم الوقوف على الهفوات فكل إنسان فيه الخير وفيه الشر،  وفيه ما نحب وما نكره،  كل إنسان فيه الحسنات وفيه السيئات والفطن من شفّع الحسنات في السيئات.. 

والأصل في ذلك قول الله تعالى { ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ }
وفي حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( لا يفرك مؤمن مؤمنة،  إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)  .


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *