أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ – خالد سعد النجار

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) }

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) }

{أَوَلَمَّا} الألف للاستفهام، والواو للعطف.. استفهام إنكاري تعجيبي، فيه إنكار

تعجبهم من إصابة الهزيمة إياهم.

{أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} المصيبة أصلها في اللغة: “الرمية التي تصيب الهدف، ولا تخطئه”، ثم أطلقت على النائبة التي تنزل، ولا تكاد تستعمل في القرآن في معنى الخير، وأما الفعل «أصاب» فيستعمل في الخير والشر، ومن ذلك قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء:79]، وقوله تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [التوبة:50]

{قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} فالمراد بمصيبة المسلمين القرح الذي مسهم يوم أحد، والمراد بمصيبة الكفار بمثليها قبل القرح الذي مسهم يوم بدر؛ لأن المسلمين يوم أحد قتل منهم سبعون، وعلى رأسهم أسد الله وأسد رسوله وعم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حمزة بن عبد المطلب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، والكفار يوم بدر قتل منهم سبعون، وأسر سبعون. فسبعون مع سبعين ضعفان، ولهذا قال: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا}

والأسر يحصل به من الإذلال مثل ما يحصل بالقتل، وربما يكون أكثر؛ لأن المقتول يقتل ويستريح، ولكن المأسور يستذل، ولهذا يخير الإمام في المأسورين بين أربعة أمور: الفداء بمال أو بأسير مسلم، أو الرق، أو القتل، أو المَنّ بدون شيء، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:٤]، فالحاصل أن الأسر في الإذلال كالقتل إن لم يكن أشد منه .

وهذا قول الجمهور، وذكر بعض العلماء أن المصيبة التي أصابت المشركين هي ما أصابهم يوم أحد من قتل وهزيمة ابتداء، حيث قتل حملة اللواء من بني عبد الدار، وانهزم المشركون في أول الأمر هزيمة منكرة وبقي لواؤهم ساقطا حتى رفعته عمرة بنت علقمة الحارثية، وفي ذلك يقول حسان:

فلولا لواء الحارثية أصبحوا … يباعون في الأسواق بيع الجلائب

وعلى هذا الوجه: فالقرح الذي أصاب المشركين يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152]

ومن ألطاف الباري أن الله يُذكّر عباده أثناء المصائب ما يقابلها من النعم، لئلا تسترسل النفوس في الجزع، فإنها إذا قابلت بين المصائب والنعم خفت عليها المصائب، وهان عليها حملها، كما ذكّر الله المؤمنين حين أصيبوا بأحد ما أصابوا من المشركين ببدر.

وأدخل هذه الآية في أثناء قصة أحد: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123]

{قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} أي من أين أصابنا هذا الانهزام والقتل، ونحن نقاتل في سبيل الله، ونحن مسلمون، وفينا النبّي والوحي، وهم مشركون؟!.

وهذا الاستفهام للتعجب، وليس للإنكار؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- لا ينكرون من قدر الله شيئاً، ولكنهم يتعجبون: كيف يصيبنا هذا، ونحن جند الله، ومع رسول الله؟!

{قُلْ} يا محمد {هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} وقد أكد أنه منهم بإبراز الضمير في الإجابة {هُوَ مِنْ عِندِ أَنفسِكمْ}، وبالإتيان بالظرف وهو {عند}، وبالتعبير بـ {أَنفسِكمْ} التي تدل على التوكيد.

فذكر في هذه الآية الكريمة أن ما أصاب المسلمين يوم أحد إنما جاءهم من قبل أنفسهم، ولم يبين تفصيل ذلك هنا، ولكنه فصله في موضع آخر وهو قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران:152]، وهذا هو الظاهر في معنى الآية؛ لأن خير ما يبين به القرآن القرآن.

قال القرطبي: “يعني مخالفة الرماة. وما من قوم أطاعوا نبيهم في حرب إلا نصروا؛ لأنهم إذا أطاعوا فهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون.

وقال قتادة والربيع بن أنس: يعني سؤالهم النبّي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخرج بعد ما أراد الإقامة بالمدينة. وتأوّلها في الرؤيا التي رآها درعا حصينة.

وعن علّي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل. وقد قيل لهم: إن فاديتم الأسارى قتل منكم على عّدتهم.

فروى البيهقي عن علّي بن أبي طالب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال النبّي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأسارى يوم بدر: (إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعّدتهم).

فكان آخر السبعين ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة. فمعنى {مِنْ عِنْدِ أنْفُسِكُمْ} على القولين الأولين بذنوبكم. وعلى القول الأخير باختياركم.

** وفيه تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]

وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره.

وفي الدعاء المشهور: (اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ) [البخاري في الأدب المفرد] فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه فما سلط عليه مؤذ إلا بذنب.

ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه فقال له قف حتى أدخل البيت ثم أخرج إليك فدخل فسجد لله وتضرع إليه وتاب وأناب إلى ربه ثم خرج إليه فقال له ما صنعت فقال تبت إلى الله من الذنب الذي سلطك به علي.

فليس في الوجود شر إلا الذنوب وموجباتها فإذا عوفي من الذنوب عوفي من موجباتها فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح، وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه فيشغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولا بد، فما أسعده من عبد وما أبركها من نازلة نزلت به وما أحسن أثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيد الله، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، فما كل أحد يوفق لهذا لا معرفة به ولا إرادة له ولا قدرة عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي إن الله قادر على نصركم وعلى خذلانكم، فلما عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدر الله لكم الخذلان.

وقد أكد سبحانه قدرته بلفظ {إنَّ}، وبذكر لفظ الجلالة الذي يربي المهابة من الخلاق العليم في قلب المؤمن، وبعموم قدرته سبحانه على كل شيء {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18]

وخَتْمُ الآية بهذه الجملة في غاية ما يكون من المناسبة؛ فهو قدير على أن ينتصر من هؤلاء المشركين، ولكنه لم يفعل ذلك لحكمة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِيَبْلُوا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد:٤]

 

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

{وَمَا أَصَابَكُمْ} يوم أحد من فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين.

{يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وفي ذلك إشارة إلى قوة التجمع في الفريقين، وأن كل فريق كان مُصر على القتال، مُريد للنصر فيه، فهزيمة بدر جمعت المشركين في أحد وجعلت لهم عزيمة مريدة ماضية، وإيمان المؤمنين جعل في أقويائهم رغبة في النصر أو الاستشهاد.

{فَبِإِذْنِ اللَّهِ} بقضائه وقدره، وله الحكمة في ذلك.

أي بإذن الله القدري؛ لأن الله هو الذي قدره، وإذن الله ينقسم إلى قسمين: إذن شرعي، وإذن كوني قدري .

فما تعلق بالتكوين والخلق فهو إذن كوني؛ مثل قوله تعالى: {وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} [المائدة:۱۱۰]، وما تعلق بالشرع فهو إذن شرعي، مثل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:٥٩] وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١] أي: إذن شرعي.. والفرق بينهما:

أولاً: الإذن الكوني يكون فيما يحبه الله وما لا يحبه، أما الإذن الشرعي يكون فيما يحبه الله فقط.

ثانياً: أن الإذن الكوني يقع فيه المأذون به ولا يتخلف، والإذن الشرعي قد يقع وقد لا يقع .

** وفي الآية تسلية المؤمن بقضاء الله وقدره، لأن المؤمن إذا علم أنه من عند الله رضي وسلم.

والجمع بين هذا وبين قوله فيما سبق: {أو لمَّا أَصَبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥] أن إضافتها إلى الأنفس من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ يعني أنتم السبب، وأما إضافتها إلى إذن الله فهي من باب إضافة الشيء إلى فاعله؛ فالذي قضى هذا هو الله تعالى لكن السبب أنتم، وإذا انفكت الجهة زال التعارض، فالجهة في الآية الأولى سبب، والثانية: فعل وتقدير.

** وفيه أن الله قد يقدر على عبده المؤمن ما يكرهه لحكم عظيمة؛ لقوله: {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وفي الحديث القدسي الصحيح أن الله قال: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) [البخاري] فتأمل الآن أن الله -عز وجل- يفعل ما يكره المؤمن لكن لحكمة، وهو أنه قضى بحكمته بالفناء على كل الخلق: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:٢٦]

ويتفرع على هذه فائدة: أن المقضي المكروه محنة للعبد، فعليه أن يعتبر وأن يصبر حتى يكون من المؤمنين الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]

{وَلِيَعْلَمَ} اللام للتعليل، ولا يجوز أن تسكن اللام، فتقول: «وَلْيَعْلم» لأن التي تسكن بعد حروف العطف هي لام الأمر، أما لام التعليل فهي مكسورة دائماً.

{الْمُؤْمِنِينَ} الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا.

والعلم هنا «علم ظهور» وليس «علم إدراك» أي: وليعلمه بعد ظهوره، أما علمه قبل ظهوره فهو ثابت لله عز وجل؛ لأن الله علم كل شيء إلى يوم القيامة.

وأيضاً هذا العلم علم يترتب عليه الثواب، أما علم الله السابق فإنه لا يترتب عليه الثواب، ولا يترتب عليه العقاب.

والفرق الثالث: أن هذا العلم علم بالشيء بعد أن يقع، فهو علم بأنه وقع، وأما العلم الأزلي فهو علم بأنه سيقع، وهناك فرق بين العلم بأنه وقع، وبين العلم بأنه سيقع.

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} فيميز هذا من هذا.. وهم أصحاب عبد الله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق وكانوا ثلاثمائة، فاتبعهم من اتبعهم من المؤمنين يحرضونهم على الإياب والقتال والمساعدة.

قال في المؤمنين: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} فأتى بالوصف، وأما في المنافقين فقال: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} أتي بالفعل، وذلك لأن النفاق طارئ عليهم، لأن كثيراً من المنافقين كان آمن ثم كفر، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] ولهذا أتى بالفعل الذي يدل على التجدد، وأيضاً
ليناسب قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا.. }.

والنفاق في الأصل هو إظهار خلاف الواقع، ومنه سمي نفق الجربوع أو اليربوع؛ فإنه من ذكائه إذا حفر له جحراً جعل له باباً ظاهراً يدخل منه ويخرج منه، ويجعل في أقصى ذلك الجحر طبقة خفيفة؛ يعني: يخرق إلى أن يصل إلى قريب من الانفتاح، فتبقى طبقة خفيفة جداً من أجل أنه إذا فوجئ من باب الجحر، خرج من هذه القشرة الرقيقة، لأنها تكون سهلة عليه، فيكون هذا مخادعة؛ لأن الصائد إذا أراد صيده وهجم عليه من الباب، لا يدري أن هناك نفقاً يخرج منه.

ولم يبرز النفاق في المدينة إلا بعد غزوة بدر، وغزوة بدر كانت في السنة الثانية في رمضان، وحصل بها للمسلمين من العز ما جعل المنافقين يظهرون نفاقهم؛ لأنهم صاروا يخافون من المؤمنين فصاروا ينافقون، أي: يظهرون أنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين.

فالقوة في بدر قد أوجدت النفاق، والتجربة القاسية في أحد قد كشفته.

{وَقِيلَ لَهُمْ} القائل عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، أبو جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.

{تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} كَثروا سواد المسلمين، وإن لم تقاتلوا معنا؛ فيكون ذلك دفعا وقمعا للعدو؛ فإن السواد إذا كثر حصل دفع العّدو.

قال أنس بن مالك: رأيت يوم القادسية عبد الله بن أم مكتوم الأعمى وعليه درع يجر أطرافها، وبيده راية سوداء؛ فقيل له: أليس قد أنزل الله عذرك؟ قال: بلى! ولكني أُكثّر سواد المسلمين بنفسي. وروي عنه أنه قال: فكيف بسوادي في سبيل الله!

وعن سهل بن سعد الساعدي -وقد كف بصره- قال: لو أمكنني لبعت داري ولحقت بثغر من ثغور المسلمين، فكنت بينهم وبين عدوهم، قيل: كيف وقد كُف بصرك؟ قال: لقوله تعالى: {أَوِ ادْفَعُوا}.

وقال أبو عون الأنصاري: معنى {أَوِ ادْفَعُوا} رابطوا. وهذا قريب من الأّول. ولا محالة أن المرابط مدافع؛ لأنه لولا مكان المرابطين في الثغور لجاءها العدو.

وقيل: إنما هو استدعاء إلى القتال حمية؛ لأنه استدعاهم إلى القتال في سبيل الله، وهي أن تكون كلمة الله هي العليا، فلما رأى أنهم ليسوا على ذلك عرض عليهم الوجه الذي يحشمهم ويبعث الأنفة. أي: أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة، والمعنى إن لم تقاتلوا في سبيل الله فقاتلوا دفاعا عن أنفسكم وحريمكم وأوطانكم.

{قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} قال مجاهد: يعنون لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم، ولكن لا تلقون قتالا.

قال محمد بن إسحاق: خَرَجَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني حين خرج إلى أحد، في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشَّوط -بين أحد والمدينة-انحاز عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نَقْتُل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عَمرو بن حرام أخو بني سَلمة، يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبَوْا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيُغْنى الله عنكم. ومضى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستشهد رحمه الله تعالى.

ولكن الزمخشري فسر بغير هذا الظاهر، فقرر أن المعنى أننا لو نعلم أنكم تخرجون لقتال رتبت أسبابه وأخذ فيه بالاحتياط، ولكنه زلل، وإلقاء بالتهلكة، وكان خيرا أن تبقوا بالمدينة، حتى يجيء العدو إليكم، وكأنهم بهذا يرجحون الرأي الأول، وهو البقاء في المدينة، ولو بقوا في المدينة لوجدوا السبيل لبث الفتنة بطرق أخرى، فهم لَا يبغون إلا الفتنة.

 {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} أي بينوا حالهم، وهتكوا أستارهم، وكشفوا عن نفاقهم لمن كان يظن أنهم مسلمون؛ فصاروا أقرب إلى الكفر في ظاهر الحال، وإن كانوا كافرين على التحقيق، فالقرب مجاز في ظهور الكفر عليهم.

وفي زهرة التفاسير: والحكم الذي حكم الله به عليهم، وهو أنهم في هذا اليوم، أقرب للكفر منهم للإيمان، ظهرت بوادره فقد كانوا يتمنون نصر المشركين ويعملون لبث روح الهزيمة في صفوف المسلمين، فهم بلا شك كانوا أقرب للكافرين منهم للمؤمنين بإرادة نصر الأولين، وهزيمة الآخرين، مع أنهم عشراؤهم وخلطاؤهم، ومنهم من تربطه ببعض المؤمنين قرابة قريبة فمنهم من كان أبا لبعض المؤمنين أو أخا، ولكن نفاقهم جعلهم ينسون تلك الوشائج من القربى، فكانوا يقطعون ما أمر الله به أن يصل. فالمراد بـ «الكفر» أهله.

ويصح أن يقال: إن المراد من قربهم إلى الكفر هو بالنسبة لأقوالهم وأفعالهم، فأفعالهم وأقوالهم في يوم أحد كانت تدل بظواهرها على قربهم إلى الكفر وبعدهم عن الإيمان، وإن كانت لَا تدل على كل حقيقتهم؛ وذلك لأن تلك الحوادث قد كشفتهم، وبينت قربهم من الكفر، إذ حرصهم على ألا يظهروا بحقيقتهم جعلهم لَا يعلنون كل أمرهم، ولكن الجزء الذي ظهر، وإن لم يكن الكل، دل على حقيقة النفاق الذي يسكن قلوبهم، وكان مظهرهم به أقرب إلى الكفر.

{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} قال بعض المفسرين: ذكر الأفواه تأكيدا؛ مثل قوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38].

لكن القول عند الإطلاق هو ما تواطأ عليه القلب واللسان؛ لكن لما كان هذا القول يختلف فيه القلب عن اللسان قيده بالأفواه، وبهذا التقدير يندفع القول أن قوله {بِأَفْوَاهِهِمْ} من باب التأكيد.. فهذا القول ليس قولاً مطلقاً؛ لأن القول المطلق ما تواطأ عليه القلب واللسان.

{مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يقولون القول ولا يعتقدون صحته، وتلك طبيعة النفاق دائما فهو ستر للباطن، وإعلان ما يناقضه، ومنه قولهم هذا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} فإنهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة، يتحرقون على المسلمين بسبب ما أصيب من سراتهم [ساداتهم وأشرافهم] يوم بدر، وهم أضعاف المسلمين، وأنه كائن بينهم قتال لا محالة.

{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} فيه أن المنافقين يحرصون غاية الحرص على كتم نفاقهم، ولكن الله يعلم بذلك، وقد كشفهم الله بقوله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيطا} [النساء:١٠٨]

فالله سبحانه وتعالى عليم بالسرائر وما يبيتونه للمؤمنين، وقد كشف الله تعالى بعض شئونهم، ليحترس المؤمنون منهم، ولكيلا ينخدعوا بهم، ولكي يتجنبوهم في الشدائد حتى لا يحدث لهم بسببهم محنة، وأن أولئك قد كتموا الرغبة الشديدة في الكيد للنبي وأصحابه، وأنهم كلما ثار حقدهم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ازداد كيدهم، وما كان يثير حقدهم إلا نصر يؤيد الله تعالى به نبيه، وقد كتموا موالاتهم لأعداء الإسلام من اليهود وغيرهم، وأن أولئك المنافقين لَا يكتفون بتخذيلهم والمعركة قد ابتدأت، بل يظهرون الشماتة بعد أن وقعت، لكي يثبطوا المؤمنين عما يكون من قتال من بعد.

 

الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)

{الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} إخوانهم ظاهراً، لأنهم لا يخاطبون إخوانهم في النسب فقط بل يخاطبون كل من استشهد في غزوة أحد، وليس كل من استشهد أخاً لواحد من المنافقين، فيكون المراد بإخوانهم أي: ظاهراً؛ لأن المنافقين مع المؤمنين كأنهم مؤمنون.

{وَقَعَدُوا} قعدوا عن القتال.. يعني قالوا وقعدوا؛ لأن قولهم حال كونهم قعوداً أشد، فهم جمعوا بين أمرين بين السوء في القول والسوء في الفعل، والله يسمي المتخلفين عن القتال قعوداً، فقال: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:٩٥] فسمى المتخلفين عن القتال قعدة. وقال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:٤٦]

{لَوْ أَطَاعُونَا} في عدم الخروج للجهاد، لأن المنافقين أشاروا بعدم الخروج.

{مَا قُتِلُوا} وفي قراءة {ما قُتّلوا} بالتشديد على سبيل المبالغة؛ لأنه حصل في الذين استشهدوا، حصل فيهم تمثيل مثل حمزة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

وقد قالوا هذه المقولة ليبعثوا الريب في جماهير المؤمنين، وليعلنوا تخلي الله عن نصرتهم.. فهم لَا يتألمون لإخوانهم وذوي رحمهم، ولكن يلقون باللوم عليهم، وإنهم فرحون بأنهم لم يقتلوا لأنهم لم يخرجوا، ولائمون لمن خرجوا وقتلوا، شامتون فيهم.

** وفيه الإشارة إلى أن مثل هذا القول عند حلول القدر لا يجوز؛ لأنه سيق في سياق الذم وهو كذلك، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) [مسلم]، أما لو قاله الإنسان خبراً لا اعتراضاً على القدر ولا ندماً على ما وقع؛ فإن هذا لا بأس به، ومنه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي) [مسلم]، وليس هذا من باب التمني مثل ما ذهب إليه بعض العلماء، وأن (لو) هناك استخدمت في تمني الخير، بل نقول: هي خبر، وهذا يقع كثيراً. وقد تقول للشخص: لو زرتني بالأمس لأكرمتك وما أشبه ذلك، تريد بذلك خبر ليس فيه منازعة لقدر الله عز وجل، وهو يقع كثيراً في كلام الناس.

{قُلْ} يا محمد {فَادْرَءُوا} فادفعوا، فاء الإفصاح وهي تفصح عن شرط مقدر.

{عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} هذا من باب التحدي، وتأكيد لكذبهم.. وما وقع التحدي به فإنه لا يمكن وقوعه، إذ لو أمكن وقوعه لم يكن للتحدي به فائدة.

فإن كان القُعود يَسْلَم به الشخص من القتل والموت، فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مُشَيّدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين.

فبين بهذا أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقتول يقتل بأجله، وما علم الله وأخبر به كائن لا محالة.

وكلام هؤلاء المنافقين ككلام الكافرين الذي حكاه الله تعالى آنفا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران:156]

 

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

{وَلَا تَحْسَبَنَّ} الخطاب هنا إما للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لكل من يصح توجيه الخطاب إليه، والحسبان هنا بمعنى «الظن»: أي لا تظن أن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً.

والنون نون «نون التأكيد» ليست لتأكيد الظن المنهي عنه، بل هي لتأكيد النهي.

{الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي طريقه، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا قاتل شجاعة ولا حمية ولا رياء.

ولذلك يجب إذا وجهنا جندنا للدفاع عن الوطن أن نقول: لاحظوا أنكم تدافعون عن وطنكم باعتباره وطناً إسلامياً لا لمجرد الوطنية أو القومية.. وكذا من قاتل لمجرد طاعة أمير فقط، فليس في سبيل الله .

وقد يطلق السبيل ويُضاف أحياناً إلى المؤمنين، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:١١٥]
فهو يُضاف إلى الله باعتبارين باعتبار أنه واضعه، فالله تعالى هو الذي شرع هذا الطريق وباعتبار أنه موصل إليه، أي: أن هذا الطريق موصل إلى الله تعالى. ويُضاف إلى المؤمنين باعتبار واحد، وهو أنهم هم الذين سلكوه.

{أَمْوَاتًا} أي: لا تحسبن أنهم إذا ماتوا انتهوا وذهبوا سدى، بل هم إذا ماتوا انتقلوا إلى حياة أخرى أفضل مما فارقوه.

{بَلْ أَحْيَاءٌ} للإضراب {عِنْدَ} العندية تقتضي غاية القرب، وقال سيبويه: هذه عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب.

وإذا كانوا عنده فهم عند من يكرمهم ومن يجازيهم جزاء عاجلا، حتى يكون الجزاء الأوفى والنعيم المقيم، عندما تتصل أرواحهم الطاهرة بأجسامهم التي يعيدها الله سبحانه وتعالى إليهم في سعادة وحبور.

{رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} أي: يُعطون؛ لأن الرزق في اللغة العطاء، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم} [النساء:۸] أي: أعطوهم، يعني يعطون من رزق الله في الجنة حيث شاءوا، ولكن هذا العطاء عطاء ناقص بالنسبة للعطاء الأكمل الذي يكون بعد البعث؛ لأن العطاء قبل القيامة عطاء للبدن وعطاء للروح، وكلاهما ناقص بالنسبة لما بعده. فهو عطاء للبدن؛ لأنه في القبر يُفسح له مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها ونعيمها لكنه لا يتمتع التمتع الكامل، كذلك الأرواح لا تتمتع التمتع الكامل في وجودها في الجنة، إنما يكون التمتع الكامل بعد البعث حين تلتقي الأرواح بالأجساد اللقاء الذي لا مفارقة بعده؛ لأنه إذا التقت الأرواح في البعث فلا مفارقة، تبقى أبد الآبدين، وحينئذ يحصل كمال النعيم.

وقيل: إن الأرواح تدرك في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح؛ مما ترتزق وتنتعش به. وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله لها.. قال القرطبي: وهذا قول حسن، وإن كان فيه نوع من المجاز.

روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ، وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا صَنَعَ اللهُ لَنَا، لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلا يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ” فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الْآيَاتِ عَلَى رَسُولِهِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [آل عمران:169])

وروى الترمذي: عن طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِي: (يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: (أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟) قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ” قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران:169]).. قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [حسنه الألباني]

وروى مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قَالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا).

وروى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ -نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ- فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [إسناده حسن].

قال ابن كثير: وكأن الشهداء أقسام: منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح، والله أعلم.

ثم قال: وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة؛ فإن الإمام أحمد، رحمه الله، رواه عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، عن مالك بن أنس الأصبحي، رحمه الله، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نَسَمةُ الْمؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلق [أي: يأكل] في شَجِر الجَنَّةِ، حتى يُرْجِعَهُ اللهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ)

وفي هذا الحديث: “إنَّ روحَ الْمؤْمنِ تَكُونُ عَلَى شَكْلِ طَائِرٍ فِي الْجَنَّةِ”. وأما أرواح الشهداء، فكما تقدم في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يثبتنا على الإيمان.

وروى أحمد عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ).

روى البخاري عن مُحَمَّد بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ).

وروى أحمد عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا جَابِرُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْيَا أَبَاكَ، فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا، فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: إِنِّي قَضَيْتُ، أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ).

وهذه الآية تدل على عظيم ثواب القتل في سبيل الله والشهادة فيه حتى أنه يكفر الذنوب؛ كما روى مسلم عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ)

قال أهل العلم: ذكر الدين تنبيه على ما في معناه من الحقوق المتعلقة بالذمم، كالغصب وأخذ المال بالباطل وقتل العمد وجراحه وغير ذلك من التبعات، فإن كل هذا أولى ألا يغفر بالجهاد من الدين فإنه أشد، والقصاص في هذا كله بالحسنات والسيئات حسبما وردت به السنة الثابتة.

وروى البخاري في «الأدب المفرد» عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ بَلَغَنِي حَدِيثٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي ثُمَّ سِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ فَأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ أَنَّ جَابِرًا عَلَى الْبَابِ فَرَجَعَ إِلَيَّ الرَّسُولُ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَخَرَجَ فَاعْتَنَقْتُهُ وَاعْتَنَقَنِي قَالَ قُلْتُ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَظَالِمِ لَمْ أَسْمَعْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يَحْشُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعِبَادَ أَوْ قَالَ النَّاسَ -شَكَّ هَمَّامٌ- وَأَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا قَالَ قُلْنَا مَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعْهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ حَتَّى اللَّطْمَةُ قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُفَاةً غُرْلا؟! قَالَ: (بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ) [حسنه الألباني]

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ} بمعنى أعطاهم، وأما (أتاهم) فبمعنى جاءهم.

{اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الفضل في اللغة الزيادة، والمراد بالفضل هنا ما تفضل الله به عليهم من النعيم الذي لم يكن يخطر على بالهم.

أي أنهم في هذه الحياة التي يحيونها يشعرون بسعادة عظيمة، لأنهم يرون ثمرات أعمالهم من الجهاد في سبيل الله، ويشعرون برضا الله سبحانه وتعالى، وأنهم في تكريم، وقد آتاهم الله تعالى نعمة الطاعة ونعمة الجهاد، وأشعرهم بالسعادة المطلقة في حياتهم الروحية، ورحابه الكريم، وأن الملائكة أولئك الأرواح الطاهرة تحفهم بالتكريم والترحيب.

** وفى هذا النص الكريم رد على شماتة المنافقين، وتحريض للمؤمنين، وتقرير لحقيقة إسلامية ثابتة، وهي أن الاستشهاد في سبيل الله تعالى ليس فناء، بل هو بقاءٌ، وأن الموت ليس إنهاء للحياة، ولكنه امتداد لها بصورة أكمل وأبقى.

{وَيَسْتَبْشِرُونَ} والاستبشار: حصول البشارة، فالسين والتاء فيه كما في قوله تعالى: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} [التغابن:6]

{بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ} رفقاؤهم الذي كانوا يجاهدون معهم، ولم يستشهدوا فيصيروا إلى الحياة الآخرة.

 {مِنْ خَلْفِهِمْ} من بعدهم.. أي: ويُسَرون بلحوق من خَلْفهم من إخوانهم على ما مَضَوْا عليه من جهادهم؛ ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم.

{أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} فلا خوف عليهم فيما يستقبل من أمرهم، ولا هم يحزنون على ما قضى من أمرهم؛ لأن الأصل أن الخوف للمستقبل والحزن للماضي.

أما كونهم لا خوف عليهم في المستقبل، فلأنهم قد أحلّهم الله الجنات، والجنة من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويصح فلا يسقم، ويحيى فلا يموت، وفيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وأما كونهم لا يحزنون على ما مضى فلأنهم استكملوا عملاً من أفضل الأعمال، وهو الجهاد في سبيل الله، الذي أدى بهم إلى الشهادة، فلا يحزنون على الماضي، فمن خرج من الدنيا شهيداً فقد خرج أكمل خروج وهو في الطبقة الثانية من طبقات الذين أنعم الله عليهم.

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا {أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا} ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ.

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} الجملة استئنافية تبين استبشاراً آخر سببه غير السبب الأول، الأول سببه أنهم ينتظرون إخواناً لهم لم يلحقوا بهم، والسبب الثاني للاستبشار ما أنعم الله عليهم من النعمة والفضل، فاستبشروا وسُرّوا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب.

{وَفَضْلٍ} هذا لزيادة البيان. والفضل داخل في النعمة، وفيه دليل على اتساعها، وأنها ليست كنعم الدنيا. وقيل: جاء الفضل بعد النعمة على وجه التأكيد.

روى أحمد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ – قَالَ الْحَكَمُ: سِتَّ خِصَالٍ- [كذا روى وهي في العدد تسع] أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى -قَالَ الْحَكَمُ: وَيُرَى- مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ -قَالَ الْحَكَمُ: يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ- وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ).

وروي عن مجاهد أنه قال: السيوف مفاتيح الجنة.

{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم، سواء الشهداء وغيرهم، وقَلَّما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم إلا ذكر ما أعطى الله المؤمنين من بعدهم.

** وفيه أنه إذا ثبت هذا للشهداء فإنه يثبت للأنبياء من باب أولى، فالأنبياء أحياء، ويمتاز الأنبياء عن الشهداء، بأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم بخلاف الشهداء، فإن الأرض تأكلهم، وقد لا تأكل بعضهم إكراماً لهم، وإلا في الأصل أنهم كغيرهم تأكلهم الأرض.

 

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} أجابوا وانقادوا لله والرسول حينما دعاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الغزوة مرة أخرى بعد أحد، مع ما أصابهم من الجراح والتعب النفسي والتعب البدني.

وهذا كان يوم “حمراء الأسد”، وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كرُّوا راجعين إلى بلادهم، فلما استمروا في سيرهم تَنَدّمُوا لم لا تَمَّموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة. فلما بلغ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليُرْعِبَهم ويريهم أن بهم قُوّةً وجلدا، ولم يأذنْ لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد، سوى جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله -عز وجل- ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قال ابن أبي حاتم: عن عكرمة قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا. فسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حَمْراء الأسد [وهي من المدينة على ثمانية أميال] فقال المشركون: نرجع من قابل. فرجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكانت تعد غزوة، فأنزل الله عز وجل: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وقال محمد بن إسحاق: كان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لستّ عشرةَ ليلة مضت من شوال، أذّن مؤذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه ألا يخرج معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حرام فقال: يا رسول الله، إن أبي كان خَلَّفني على أخوات لي سَبْع وقال: “يا بَنَيّ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النّسوةَ لا رجلَ فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نفسي، فتخلّف على أخواتك”، فتخلفت عليهن، فأذن له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فخرج معه.

وإنما خرج رسول الله مُرْهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوةً، وأن الذي أصابهم لم يُوهنْهم عن عدوهم.

قال ابن إسحاق: عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان؛ أن رجلا من أصحاب رَسُول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بني عبد الأشهل، كان شَهد أحدا قال: شهدتُ أحدا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا وأخي فرجعنا جريحين، فلما أذّن مُؤذّن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالخروج في طلب العدوّ، قلتُ لأخي -أو قال لي-: أتفوتنا غزوة مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ والله ما لنا من دابَّة نركبها، وما منّا إلا جريح ثَقيل، فخرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت أيسر جراحا منه، فكان إذا غُلب حملته عُقْبة ومشى عُقْبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون.

وروى البخاري عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قَالَتْ لِعُرْوَةَ يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ: (مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟) فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ رضي الله عنهما.

قال ابن كثير ورفْعُ هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده، لمخالفته رواية الثقات من وقْفه على عائشة كما قدمناه، ومن جهة معناه، فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة، وإنما قالت عائشة لعروة بن الزبير ذلك لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مَكْتوم فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة. وقد مَر به -كما حدثني عبد الله بن أبي بكر-معبد بن أبي مَعْبد الخزاعي، وكانت خُزاعة -مسلمهم ومشركهم- عيبة نُصح لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتِهامة، صَفْقَتُهم معه، لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك فقال: يا محمد، أما والله لقد عَزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوَددْنا أن الله عافاك فيهم. ثم خرج ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالرَّوحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه وقالوا: أصبنا حَد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم.. لنُكرّنَّ على بقيتهم فَلَنَفْرُغَنَّ منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جَمْع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحَنَق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويلك. ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم. قال: فإني أنهاك عن ذلك.

قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومر به ركب من بني عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريدُ المدينة. قال: ولم؟ قالوا: بعكاظ إذ وَافَيْتُمونا قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، [وفي رواية: فبلغ أبا سفيان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يطلبه فلقي عيرا من التجار فقال: ردُّوا محمدا ولكم من الجُعْل كذا وكذا، وأخْبروهم أني قد جمعت لهم جموعا، وأنني راجع إليهم] فمر الركب برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه، فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.

وذكر ابن هشام عن أبي عُبيدة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بلغه رجوعهم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوِّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبِّحُوا بَها لَكَانُوا كَأَمْسِ الذَّاهِبِ).

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ} بالاتباع {وَاتَّقَوْا} بترك المخالفة {أَجْرٌ عَظِيمٌ} كثير واسع.. وقد بين الله تعالى شيئاً من أجر الإحسان والتقوى فقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم تُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨]

اختص سبحانه وتعالى من أولئك الذين جاهدوا ولم يستشهدوا بعد بأن لهم أجرا عظيما، وهنا يلاحظ ثلاثة أمور:

(أولها) أن الله لم يذكر الأجر لهم جميعا، لأنهم كانوا أحياء، والحيّ قد يغير ويبدل، فكان لابد من التقييد بالإحسان والتقوى، أي يستمر على ما هو عليه.

(وثانيها) أن الإحسان هنا غير التقوى، إذ الإحسان هو إجادة الخطة، واتباع المنهج المستقيم في القتال، وذلك لابد منه في الانتصار، والطاعة المطلقة للقائد من إحكام الخطة.

(ثالثها) أن التقوى- وهي وقاية النفس من الغرض والهوى والاتجاه إلى الله وإخلاص وقلب سليم خال من الشوائب- أساس الأجر العظيم، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم.

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة جُعل له جعل على ذلك القول. وقال جماعة من أهل السير: ركب عبد القيس، مارين بمر الظهران قرب مكة قاصدين المدينة للميرة، فدسهم أبو سفيان إلى المسلمين ليثبطوهم، وكان مع الركب نعيم بن مسعود الأشجعي.

وقيل: وخرج أبو سفيان في أهل مكة ولكن ألقى الله الرعب في قلوبهم، فبدا له أن يرجع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا، فقال: يا نعيم إني أوعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر، وإن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر، ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي، ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فالحقْ بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل، ويروى أن الذين دسهم أبو سفيان ليبثوا الهزيمة في قلوبهم هم ركب عبد القيس، ويظهر أنه تكرر ذلك الدس من أبي سفيان.

** وفيه: جواز إرادة الخصوص بلفظ العموم، وأن هذا أسلوب لغوي لا يخرج به الإنسان عن قواعد اللغة العربية.

قال صاحب “الإتقان”: قال الفارسي: ومما يقوي أن المراد به واحد قوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ}، فوقعت الإشارة بقوله: {ذَلِكُمُ} إلى واحد بعينه، ولو كان المعنى جمعا لقال: إنما أولئكم الشيطان. فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ. اهـ

ومنه قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54] قال المفسرون: يعني بالناس محمدا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} أي جمعوا أنفسهم وعددهم وأحلافهم كما فعلوا يوم بدر الأول.

قال المفسرون: حذف فيه المفعول، فلم يقل جمعوا جيشا، وذلك ليذهب الخيال كل مذهب في مقدار ما جمعوا من أسلحة، ومقدار من جمعوا من الرجال وأموالهم، فيكون ذلك أشد تخويفا.

{فَاخْشَوْهُمْ} والفرق بين الخوف والخشية أن الخوف يكون من أمر حاضر، والخشية من أمر متوقع، وهي إن كانت في الحاضر تكون خشية من قوي لما يكون منه في القابل.

{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} أي فزادهم قول الناس إيمانا، أي تصديقا ويقينا في دينهم، وإقامة على نصرتهم، وقوة وجراءة واستعدادا. فزيادة الإيمان على هذا هي في الأعمال.

وذلك أن المؤمن عند المصائب يزداد إيماناً بالله واعتماداً عليه وتوكلاً عليه، ومن أمثلة ذلك أنه لما أحاط الأحزاب بالمدينة قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:۲۲]

وقد قال الزمخشري في تصوير ذلك الرأي من هذه الآية: لما أخلصوا النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم، كما يزداد الإيقان بتناصر الحجج، ولأن خروجهم على أثر التثبيط إلى العدو طاعة عظيمة، والطاعات من جملة الإيمان لأن الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وعن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه كان يأخذ بيد الرجل، فيقول: “قم بنا نزدد إيمانا”، وعنه: “لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح”.

{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} أي كافينا الله جل جلاله. وحسب مأخوذ من الإحساب، وهو الكفاية. ومعناها: إنهم اكتفوا بالله ناصرا، وإن كانوا في قلة وضعف.

{وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ليس المراد به المتوكل عن غيره، ولكن المراد المدافع عن غيره؛ لأن الله -عز وجل- لا يتوكل عن أحد، بل بيده الأمر كله، فيكون المراد بالوكيل هنا المدافع.

فـ (الوكيل) من أسماء الله تعالى، ومعناه المتكفل بشؤون عباده، وليس معناه القائم بالأمر نيابة عنهم.

روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

وروى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسَّمَّعُ مَتَى يُؤْمَرُ، فَيَنْفُخُ؟) فَقَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ: كَيْفَ نَقُولُ؟ قَالَ: (قُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا)

وروى الطبراني عن أم المؤمنين عائشة وزينب بنت جحش -رضي الله عنهما-، أنهما تفاخرتا فقالت زينب: زَوجني الله وزوجَكُن أهاليكن وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء في القرآن. فَسَلَّمَت لها زينب، ثم قالت: كيف قلتِ حين ركبت راحلة صَفْوان بن المعطل؟ فقالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت زينب: قلت كلمة المؤمنين.

{فَانْقَلَبُوا} عادوا، انقلبوا يعني: عائدين إلى المدينة بعد أن وصلوا إلى حمراء الأسد.

{بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} النعمة أنهم سلموا من ملاقاة العدو ولم يحصل حرب؛ لأن العدو مضى في سبيله ولم يرجع.

{وَفَضْلٍ} المراد به فضل الجهاد، وأن الله كتب لهم بهذا الخروج أجر غزوة كاملة، فسلموا من الحرب ونالوا ثواب المجاهدين.

{لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} لم يصبهم ما يسوؤهم لا من جهة عدوهم ولا من جهة أحوالهم، بل كانوا على أحسن ما يرام ذهاباً ورجوعاً.

فلما توكلوا على الله كفاهم ما أهمَّهُمْ وَرد عنهم بأس من أراد كيدهم، فرجعوا إلى بلدهم {بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} مما أضمر لهم عدوهم.

{وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} قال علماؤنا: لما فوضوا أمورهم إليه، واعتمدوا بقلوبهم عليه، أعطاهم من الجزاء أربعة معان: النعمة، والفضل، وصرف السوء، واتباع الرضا. فرضاهم عنه، ورضي عنهم.

{وَاللَّهُ ذُو} صاحب {فَضْلٍ عَظِيمٍ} على العباد في الدنيا والآخرة، لَا تكتنه حقيقته، ولا يحده الحصر، وقد بدا فيما أسبغه الله تعالى من نعم على الناس أجمعين، وما أنقذ به عباده المؤمنين من شر الكافرين، وما وفقهم له من طلب رضوانه وما نصرهم به من نصر مؤزر، والتنكير في الفضل ووصفه لإفادة كثرته وقوة أثره.

 

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} قال: هذا أبو سفيان، قال لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: موعدكم بدر، حيثُ قتلتم أصحابنا. فقال محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَسَى). فانطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لموعِده حتى نزل بدرًا، فوافقوا السوق فيها وابتاعوا فذلك قول الله عز وجل: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} قال: وهي غزوة بدر الصغرى.

** وفيه: أن الإنسان إذا عمل العمل وسعى فيه ولم يكمله كتب له أجر كامل، ولهذا شواهد منها قوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجُ مِنْ بيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:١٠٠]

ومنها قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) [البخاري]، فالإنسان إذا سعى في العمل ولكنه لم يدركه فإنه يكتب له أجره كاملاً، حتى طالب العلم لو مات قبل أن يدرك ما يريد من العلم فإنه يكتب له ما نوی؛ لأنه شرع فيه وعمل ما يقدر عليه فينال الأجر.

** وفيه إثبات اتصاف الله -عز وجل- بالفضل العظيم في كميته العظيم في كيفيته، أما في كميته فإن الله تعالى يقول: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤] وجعل جزاء الحسنة عشراً إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة.

وأما في كيفيته فقد قال الله -عزّ وجل-: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧]

 

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي: يخوفكم بأولياءه أو من أولياءه، ويوهمكم أنهم ذو بأس وذو شدة.. كما قال تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً} [الكهف:2] أي لينذركم ببأس شديد.

أي: يعظمهم في صدوركم حتى تخافوهم وتتركوا الجهاد وتتركوا الدعوة؛ لأنكم تخافون منهم بسبب تخويف الشيطان.

وأولياء الشيطان كل مجرم وفاسق وملحد وكافر، هؤلاء هم أولياء الشيطان.

{فَلَا تَخَافُوهُمْ} لا يؤثر فيكم تخويفه فتخافوا منهم، فيؤثروا عليكم بهذا في ترك الجهاد.

{وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} شرط مؤخر، وهو تذكير وإحماء لإيمانهم، وإلا فقد علم أنهم مؤمنون حقا.. وفيه أنه كلما قوي إيمان الإنسان بالله قوي خوفه منه.

أي: إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجئوا إلي، فأنا كافيكم وناصركم عليهم، كما قال تعالى:

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} إلى قوله: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:36-38]

{فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]

{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]

{كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21] {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51-52].

والمعنى: أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي. والخوف في كلام العرب الذعر. والخوفاء المفازة لا ماء بها. ويقال: “ناقة خوفاء” وهي الجرباء.

قال سهل بن عبد الله: اجتمع بعض الصديقين إلى إبراهيم الخليل فقالوا: ما الخوف؟ فقال: لا تأمن حتى تبلغ المأمن.

وقال سهل: وكان الربيع بن خيثم إذا مر بكير يغشى عليه؛ فقيل لعلّي بن أبي طالب ذلك؛ فقال: إذا أصابه ذلك فأعلموني. فأصابه فأعلموه، فجاءه فأدخل يده في قميصه فوجد حركته عالية فقال: أشهد أن هذا أخوف أهل زمانكم.

فالخائف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه إما في الدنيا وإما في الآخرة؛ ولهذا قيل: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه. ففرض الله تعالى على العباد أن يخافوه بهذه لآية الشريفة.

قال أبو علّي الدقاق: دخلت على أبي بكر بن فورك -رحمه الله- عائدا، فلما رأني دمعت عيناه، فقلت له: إن الله يعافيك ويشفيك. فقال لي: أترى أني أخاف من الموت؟ إنما أخاف مما وراء الموت.

روى الترمذي بسند حسن عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ).

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشعوبية – محمد بن علي بن جميل المطري

يتبين مما سبق أن الشعوبية هم الذين يحقرون شأن العرب، ولا يرون لهم فضلا على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *