المنافقون كالسوس ينخر فى عظام الأمة تعرفهم وقت البلاء بتخليهم عن المؤمنين يدعون الإيمان ويخفون الحقد على المسلمين يمنعهم جبنهم ان يظهروا على حقيقتهم يبررون تخاذلهم فى كل مرة ومن المسلمين من ينخدع بكلماتهم المعسولة ومراكزهم المرموقة كم طعنة طعنوها للأمة الإسلامية فى ظهرها تسببت فى تكالب الأمم عليها وضياع حقوق كثيرة فهم خلف كل بلية ابتلى بها المسلمون فى كل عصر
ففى يوم بدر تراهم يضعفون من عزيمة المسلمين فيقولوا غر هؤلاء دينهم فتخيب آمالهم بتحقيق النصر على المشركين فى غزوة بدر وها هم فى يوم أحد وقد انسحب عبد الله بن أبى بن سلول بحجة {“لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ” [فياتى الرد عليهم فى الآيات] ” وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ( 167}
إنه مجرد اختبار لصدق إيمان المؤمن وللتمييز بين المنافق والمؤمن و فى غزوة الأحزاب تراهم يشككون فى النصر ويقولون “ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا “وهم الذين أذاعوا حادثة الإفك التى فيها من الكذب والافتراء على زوجة أطهر البشر محمد صلى الله عليه وسلم فماذا بعد الخوض فى عرض نبيهم فهم لا يتمنون للمسلمين نصر ولا أن يعز هذا الدين وتكون له الغلبة
تعددت السور التى ذكر فيها المنافقون حتى أن سورة كاملة تتحدث عنهم ل تفضح خبايا نفوسهم وتكشف الستار عن مكائدهم ومؤامراتهم التى لا تنتهى تكشفهم للمؤمنين ليكونوا دائما على حذر منهم
وكما قال ابن القيم كاد القرأن أن ينزل كله فيهم
مناسبة السورة لما قبلها :
إذا كانت سورة الجمعة تحدثت عن اليهود وهم أشد الناس عداوة للمؤمنين وفى هذه السورة تحدثت عن عدو هو أشد خطرا على المسلمين من اليهود وهو المنافقون فما تمكن اليهود من بلاد المسلمين إلا بمعاونة المنافقين والتحالف معهم
كما أن سورة الجمعة كشفت عن كذب مزاعم اليهود فى قولهم أنهم أولياء الله إذ يقول تعالى : {” قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ” (7)}
وكذلك كشفت سورة المنافقين عن كذب المنافقين فى أنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان إذ يقول تعالى : {” ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ (3)”}
فى سورة الجمعة جاء التحذير من الانشغال باللهو والتجارة إذ يقول تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11] وهذا ما يتناسب مع ما جاء فى سورة المنافقون من التحذير من الانشغال بالأولاد والأموال عن ذكر الله إذ يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]
فى رحاب السورة :
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
تبين لنا الآيات أن المنافقين جاءوا يشهدون برسالة النبى صلى الله عليه وسلم بألسنتهم ويدعون الإيمان كذبا فى محاولة لخداع النبى صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ولكن الله يكشف خداعهم فهو يعلم صدق نبيه ويعلم كذب المنافقين وما تنطوى عليه قلوبهم
كلما انكشف أمرهم أو عرف المؤمنون مكيدتهم لجأوا إلى الأيمان الكاذبة ليتبرءوا من سوء أقوالهم وأفعالهم يحتمون وراء هذه الأيمان ظنا منهم أن النبى صلى الله عليه وسلم سيصدقهم ليستمروا فى أعمالهم وصدهم المسلمين عن طاعة الله والهجرة والجهاد فى سبيله وهل هناك أسوء من تضليل الناس ومخادعتهم وما أكثر هؤلاء فى مجتمعاتنا المسلمة الآن كم بنوا من مراكز هى أشبه بمسجد الضرار ليصرفوا الناس عن الحق ويفتنوهم فى دينهم !
والعلة فى ذلك أنهم اختاروا الكفر على الإيمان
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}
وكيف لمن ذاق طعم الإيمان وعاش بنوره أن يتحول عنه إلى الكفر حيث ظلمة القلب وانطماس البصيرة هؤلاء قوم طبع الله على قلوبهم فلا تعى ولا تهتدى إلى شىء
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}
وتصف الآيات أشكالهم فقد ينبهر بوجوههم وهيئاتهم من ينظر إليهم وإذا تحدثوا أعجب بفصاحتهم ومنطقهم ولكنهم أجساد بلا أرواح ولا قلوب تفقه كأنهم أخشاب مسندة لا قيمة لوجودها فهى كالعدم ولأنهم فى غاية الضعف والجبن والهلع يستترون وراء المظاهر الكاذبة وأداء الأيمان تجدهم يفزعون كلما حدث حادث أو نزلت نازلة يخشون أن ينفضح أمرهم ويعرف المسلمون ما يدبرون لهم من مكائد كما قال تعالى : {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [ الأحزاب : 19 ]
هؤلاء لم يقتصر وجودهم على عصر النبوة فقط إنما هم موجودن فى كل زمان ومكان تجده شجاعا فصيحا حين الأمن والرخاء وجبانا وقت الشدائد والمخاوف التى يمر بها المسلمون بل ويسلط عليهم لسانه ليؤذيهم ويكون عونا لأعداء المسلمين عليهم
وهو يبين خطورة الاغترار بالمظاهر ومعسول الكلام مع خبث الباطن فالإنسان بأعماله وليس بمظهره
“ {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} ” هم العدو الأول للمسلمين وهم آفة كل عصر وأصل كل نكبة وبلاء مر به المسلمون على مدى كل العصور والازمنة لذلك جاء التحذير منهم فلا يغفل عنهم المسلم اليقظ فهم يحيكون المكائد للأمة الإسلامية ليل نهار
يقول القرطبى :
في قوله تعالى : فاحذرهم وجهان : أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم .
الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك
وفى قوله ك
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} ” إعلان حرب من الله لهم كم خدعوا الناس وزيفوا الحقائق وكيف لمن حاربه الله أن يعيش
ترى الإنسان إذا عرف أن فلان من البشر يعاديه ويتربص به فى كل مكان ماذا سيفعل ؟ فما بالك أن الله هو الذى يعاديهم ويحاربهم كيف الحال إذن ؟ كيف سيعيش ؟
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}
إذا دعوا إلى أن يستغفر لهم رسول الله أعرضوا ولووا أعناقهم استكبار وعنادا
يقول القرطبى : ” لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم . فلووا رءوسهم ; أي حركوها استهزاء وإباء
هذا وإن دل فإنما يدل على أنهم أضعف من أن يواجهوا الرسول والمؤمنين فهم يستكبرون ويصدون ماداموا فى آمان فإذا واجهوا أظهروا الجبن والتخاذل
سبب نزول الآية : عن زيد بن أرقم، قال: ” خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبد الله بن أُبيّ ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ؛ قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأرسل إليّ، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله عليًّا رضي الله عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذّبني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ؛ فدخلت البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومقتك، قال: حتى أنـزل الله عزّ وجلّ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقرأها، ثم قال: ” إن الله عزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ يا زيد
وفى رواية للترمذى عن زيد بن أرقم، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نَبْتَدِرُ الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه، فسبق أعرابي أصحابه، فيسبق الأعرابي فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النِّطْعَ عليه حتى يجيء أصحابه. قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قِباض الماء، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: ﴿لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا﴾، يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا بالطعام، فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال زيد: وأنا ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسمعت عبد الله بن أبي فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجحد، قال: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، قال: فجاء عمي إلي، فقال: ما أردت إلا أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمسلمون، قال: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد، قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ما قال لي شيئا، إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثم لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين
ويأتى أمر الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم بأنه لا جدوى من الاستغفار لهم فهم قوم خرجوا عن طاعة الله ورسوله
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
ثم تبين لنا الآيات بعضا من مكائدهم الخبيثة ومؤامراتهم على المسلمين
“هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ”
فمن مكائدهم تحريض الناس على قطع الإنفاق على الذين يؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا من حوله وهى محاولة لزعزعة الصف المسلم وتجفيف المنابع والتجويع حتى لا تقوم للمسلمين قائمة
وهذا نفس النهج الذى انتهجته قريش من قبل فى فرض الحصار على بنى هاشم وتجويعهم حتى يسلموا النبى صلى الله عليه وسلم للمشركين وهى خطة اهل الباطل فى كل زمان ومكان يحاربون بها دعاة الحق بالتجويع وقطع الأرزاق والحصار حتى يتركوا دينهم أو يموتوا جوعا
فيأتيهم الرد من المولى عزوجل على هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يتحكمون فى أرزاق المسلمين ليعلموا أن خزائن الله ملىء وأن مفاتيح الرزق بيده وحده يرزق من يشاء بغير حساب وهو أكرم من أن يكل أولياءه إلى أعداء الدين هكذا يثبت المؤمنون وتقوى قلوبهم فى مواجهة هذه الخطة الخبيثة
وهو ما يفعله أعداء الإسلام فى كل زمان ومكان هو صرف الناس عن الحق وشغلهم عن ذكر الله والصلاة بشتى الصور من مسابقات وملاهى وألعاب والتسوق الذى كثر فى زماننا هذا و الذى تصب أرباحه فى النهاية فى جيوب أعداء الإسلام
وفى قوله تعالى :
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ (8″ }
هذا الكلام كان على لسان عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين وكان يقصد بالعزيز هو ومن تبعه والذليل هو والعياذ بالله النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين وكان هذا فى أحداث غزوة بنى المصطلق
فلما سمع ابن أبى بن سلول وهو عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول وكان من المؤمنين ذهب للنبى صلى الله عليه وسلم وطلب منه طلبا يدل على عمق إيمان عبد الله الابن وأن رابطة العقيدة عنده أقوى من رابطة الدم
ولله العزة أى له الغلبة والقوة وعزة النبى صلى الله عليه وسلم بإظهار دينه على الأديان الاخرى
و الغلبة لدين الله وعزة المؤمنين تتمثل فى نصرهم على أعدائهم أما المنافقون فلا يعرفون معنى العزة لبعدهم عن الله وحقدهم على الإسلام والمسلمين
ولما بين صفات المنافقين حذر المؤمنين أن يتشبهوا بهم من حيث لا يدرون فى الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله وطاعته إذ يقول تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11}
يقول أبو حيان فى البحر المحيط “لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ بِالسَّعْيِ فِي نَمَائِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِجَمْعِهَا، وَلا أَوْلادُكُمْ بِسُرُورِكُمْ بِهِمْ وَبِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ مَمَاتِكُمْ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ هُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءِ “
وهى دعوة لأن يستيقظ القلب ويدرك الغاية من وجوده والهدف الأسمى الذى خلق من أجله فقد منحه الله الأموال والأولاد ليعمر الأرض وليس لينشغل بهم عن طاعته فكيف يحيا من فقد أتصاله بربه وخالقه و انشغل بالدنيا عن طاعة الله فذلك هو الخسران الحقيقى لأنه آثر الفانى على الباقى
ويأمرهم بالإنفاق فى سبيل الله فهو المتفضل عليهم بالمال من قبل أن يأتى الموت فيتمنى الإنسان أن يمهل حتى يتصدق ويحسن العمل ويكون عبدا صالحا
كما أن في الترغيب فى الانفاق فى سبيل الله ما يعود على الأمة كلها بالنفع حتى لا يقع المسلمون فريسة لأعداء الدين يتحكمون فى أرزاقهم ويساومونهم على عقيدتهم
واختيار الصدقة ولم يقل حتى أصلى أو أحج او أصل رحم وهذا دليل على فضل الصدقة وأثرها فى حياة الإنسان فقد يقول أنا مؤمن ولكن ما دليل إيمانك ؟ ما الأعمال الصالحة التى تتقرب بها إلى الله وليس أحب إلى الله من الصدقات كما أنها أداة من أدوات شكر نعم الله علي الإنسان واعترافه بالفضل لله فى كل شىء وقد يفعل الإنسان الذنب ثم تأتى الصدقة لتمحو الذنوب وتكفر السيئات وهى التى تقى الإنسان شح النفس
ثم تأتى الدعوة للمسارعة إلى الطاعة والتوبة إلى الله من قبل أن يتنهى الأجل لأن الله لن يمهل أحدا إذا انتهى أجله فهو مطلع على أعمالكم من خير وشر ويحاسبكم عليها
{وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
ولندرك خطورة النفاق ترى كيف كان الصحابة يخشون على أنفسهم من هذا الداء وإن كانوا من المبشرين بالجنة فقد استأمن النبى صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان على أسماء المنافقين فكان عمر بن الخطاب يسأله بين الحين والآخر أسمانى لك رسول الله يخشى ان يكتب اسمه عند الله من المنافقين …..هذا عمر بن الخطاب فمابلك بنا نحن !
قال ابن أبى مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه
فى النهاية يجب على المسلم الحذر من أن يكون فيه صفة من صفات المنافقين ويحاول أن يزكى نفسه دائما وليعلم أن المنافقين والكفار فى العقاب عند الله سواء فعليه ان يتطهر من النفاق ويتبرأ من المنافقين
Source link