منذ حوالي ساعة
هذه مقتطفات مطولة مأخوذة بتصرف من كتاب قيم لـ د.سفر الحوالي حفظه الله وعنوان الكتاب: (أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية)
الحمد لله الهادي إلى سواء الصراط، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه مقتطفات مطولة مأخوذة بتصرف من كتاب قيم لـ د.سفر الحوالي حفظه الله وعنوان الكتاب: (أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية) تحدث فيه مؤلفه جزاه الله خيرًا (عن أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية، دون إطناب ولا تعقيد، تسهيلا للمبتدئ من طلاب العلم، وتوضيحا لغير المتخصص) والكتاب يقع في (148) صفحة، وهو جدير بالقراءة خصوصًا في زمن انتشار الشبهات وإنفاق أهل الباطل والضلال أموالهم وتكثيف جهودهم ليصدوا عن سبيل الله، والآن مع المادة المنتقاة:
أسباب الافتراق ومظاهره: [ويتضمن ثلاث نقاط:
أولاً: الرجوع إلى غير الكتاب والسنة، والتلقي من سواهما.
ثانياً: الأخذ ببعض الدين وترك البعض الآخر.
ثالثاً: كيد أعداء الإسلام.
[وإليك تلك الأسباب بشيء من التفصيل]:
أولاً: الرجوع إلى غير الكتاب والسنة، والتلقي من سواهما:
مصدر الحق الوحيد فيما يتعلق بالعقيدة والدين هو الكتاب والسنة، كما فهمها الصحابة والسلف الصالح، ولهذا كان الرجوع إليهما والفهم الصحيح لهما هو سبيل الحق وطريق النجاة؛ يقول تعالى: (( {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ))[الأنعام:153]، ويقول: (( {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ))[النحل:64].
فالوحي -كتاباً وسنة- هو المصدر المحفوظ المعصوم، الذي لا يضل من تمسك به، ولا يشقى في الدنيا والآخرة، وقد ضلت الفرق وتفرقت الأمة عندما اتخذت مصدراً سواه، وتوهمت فيه العصمة والحق:
- فالمتكلمون -كـالمعتزلة والأشعرية- رجعوا إلى الفلسفة، وحكَّموا العقل -بزعمهم- وقالوا: نعرض نصوص الكتاب والسنة المتواترة على البراهين العقلية، فإن وافقتها وإلا وجب تأويل النصوص، وصرف معانيها إلى معانٍ أخرى، وإن كانت هذه المعاني التي صرفوا إليها بعيدة متكلفة لم يُردها الله ورسوله، والسنة غير المتواترة لا يحتجون بها في العقيدة أصلاً، مهما كانت صحتها؛ ولهذا انصرف همهم إلى ترجمة كتب الفلسفة والمنطق، ومطالعتها، والاشتغال بها متابعة أو معارضة.
- والصوفية حكَّموا ما يسمونه الكشف، أو الوجد، أو الذوق، وقسموا الدين إلى حقيقة وشريعة، فالشريعة هي ما جاء في الكتاب والسنة، وكلام السلف والفقهاء، ويسمونها: (علم الظاهر)! والحقيقة هي ما يأتي من طريق الإلهامات والرياضات الروحية والمنامات، ويسمون ذلك (العلم الباطن) أو (العلم اللَّدُنِّي)، ويرمزون للعلم الظاهر بعلم الوَرَق، والعلم الباطن بعلم الخِرَق! ولهذا ورد عن بعض أئمتهم قوله: (تأخذون -يعني: علماء السنة- علمكم ميتاً من ميت، فتقولون: حدثنا فلان عن فلان.. ونحن نأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، فنقول: (حدثني قلبي عن ربي) !!
- والشيعة الباطنية جعلوا المصدر المعصوم هو كلام أئمتهم، ولذلك كان من أصول دينهم: أن الأئمة معصومون عن الخطأ في الفروع والأصول، وليس علماؤهم ومجتهدوهم إلا نواباً عن الإمام، وحجاباً له، فأعرضوا عن المصدر الثابت المعلوم -الكتاب والسنة- وتمسكوا بالمصدر الموهوم، بل المعدوم، وهو الإمام الغائب في السرداب، وما أشبهه.
ثانياً: الأخذ ببعض الدين وترك البعض الآخر:
يقول الله تعالى: {وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة:14]، فالدين شامل كامل، فيه الوعد والوعيد، وفيه الأحكام والآداب، وفيه تحريك العقل والوجدان، وفيه القوة والرحمة، فإذا أخذت طائفة بالوعد وتركت الوعيد، وعكست الأخرى فأخذت بالوعيد ونسيت الوعد، فلا بد أن تقع العداوة والبغضاء والفرقة، وكذلك: إذا أخذت طائفة بالآداب دون الأحكام، أو بالزهد دون العمل والجهاد. وواقع الفرق يشهد لهذا بوضوح:
- فـالخوارج تمسكوا بنصوص الوعيد فقط، حتى نفوا الإيمان عن مرتكب الكبيرة، وأنكروا الشفاعة، وضيقوا رحمة الله الواسعة.
- والمرجئة تمسكوا بنصوص الوعد فقط، فقالوا: إن الإنسان مهما ارتكب من الكبائر دون الشرك فإن إيمانه كامل.
- والشيعة أخذوا بفضائل علي رضي الله عنه، وجحدوا فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تأليه علي وتكفير الثلاثة، والخوارج قالوا: إن علياً كافر.
- والمتكلمون يقولون: إن الإسلام دين العقل والفهم، وهذا حق، ولكنهم غلوا في تقدير قيمة العقل حتى حكموه في نصوص الوحي، وأنكروا الكرامات، والسحر، وعذاب القبر، والميزان والصراط، وما أشبهها من الغيبيات؛ لأنها تخالف العقل -بزعمهم- على خلاف بينهم في بعض ذلك.
- والصوفية قابلوا المتكلمين بالعكس، فأنكروا قيمة العقل والفكر، وآمنوا بالخيالات والخرافات والأحلام، وسموها مكاشفات وكرامات وحقائق.
- والقدرية أخذوا بالنصوص التي تثبت مشيئة العبد وإرادته ومسئوليته عما يفعل -وهذا حق- ولكنهم أنكروا القدر، وما دل عليه من النصوص.
- وقابلتهم الجبرية بالعكس، فأثبتوا القدر، وغلوا في ذلك، حتى جعلوا الإنسان مجبوراً على كل ما يفعل، وأنكروا النصوص التي أخذ بها القدرية .
- والممثلة والمشبهة أخذوا من النصوص ما يدل على إثبات الصفات فقط، وتركوا ما يدل على أنها ليست كصفات المخلوقين.
- والمعطلة -نفاة الصفات- قبلوا النصوص الدالة على أن الله لا يماثله شيء من خلقه، وتركوا النصوص الدالة على إثبات الصفات، فأنكروا صفات الله تعالى بحجة التنزيه.
- ومثل ذلك من واقع الحياة الإسلامية: أن طائفة من العلماء والقضاة توسعوا في متاع الحياة الدنيا، فقابلتهم طائفة من الزهاد والعباد حاربوا الحلال والطيبات، وفي مجال العلم اتجهت طائفة إلى النقل وحده، واشتغلوا بجمع المأثور، حتى جمعوا الضعاف والموضوعات والحكايات الباطلة، وقابلتهم طائفة فاتجهت إلى الفهم والاستنباط وحده، فجهلوا كثيراً من الصحاح، أو ردُّوها، وفي مجال الدعوة؛ قامت طائفة تدعو إلى الجهاد والقوة، وأخرى تدعو إلى الأخلاق والآداب، وثالثة إلى العلم والبحث مع إهمال بقية الجوانب، فوقع التنازع والخلاف.
هذا، ولو أن المسلمين تمسكوا بالكتاب كله، واقتدوا بما كان عليه الجيل الأول؛ من فهم كامل وتوازن شامل لما وقع هذا الخلاف أو كثير منه، وهذا ما تدعو إليه الطائفة المنصورة الناجية أهل السنة والجماعة.
ثالثاً: كيد أعداء الإسلام:
يقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[البقرة:120]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149].
فأعداء الإسلام يعملون ليلاً ونهاراً من أجل إطفاء نور الله، وتدمير الأمة المصطفاة، كلهم متفقون على ذلك وإن اختلفت أديانهم وآراؤهم، وهذا ابتلاء من الله لهذه الأمة من جهة، كما أنه عقوبة وتأديب لها من جهة أخرى.
والإسلام قد قضى على الأديان الباطلة، وهدم الأنظمة الفاسدة، والحكومات الظالمة، وحارب الشهوات والرغبات الدنيئة، فلا غرابة أن يحقد عليه أصحابها، ويتآمروا على هدمه، ويدسوا فيه العقائد الباطلة، ومن ذلك إيجاد الفرقة بين أهله، وبذر البدع والضلالات فيهم، وهكذا نجد شياطين المكر من هؤلاء الحاقدين يؤسسون فرقاً ضالة، أو يدخلون في فرق قائمة، فيزيدونها ضلالاً وغلواً، أو يلقون شبهة وضلالة إلى ضعاف العقول، فتكون أساساً لفرقة [من الفرق].
صفات الفرقة الناجية ومميزاتها:
للفرقة الناجية صفات، ترجع جميعاً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}؛ ونتيجة لذلك امتازت عن غيرها من الفرق في جميع العصور بمميزات كثيرة:
أولاً: صفات الفرقة الناجية
- اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يقدمون عليهما شيئاً، لا العقل ولا الرأي، ولا الكشف ولا المذهب، ولا الطريقة ولا قول أحد من البشر، أو حكمه وشرعه، ولهذا يهتمون بكتاب الله حفظاً وتلاوةً وتفسيراً، كما يهتمون بمعرفة الحديث الصحيح، وتمييزه عن الضعيف والموضوع، ويبذلون في ذلك جهوداً عظيمة.
- ترك الابتداع في الدين، ومحاربة البدع، واتباع منهج الكتاب والسنة في الرد على الشبهات والضلالات، فلا يردون بدعة ببدعة، ولا يردون بعض الدين من أجل إثبات البعض الآخر.
- الدخول في الدين كله، والإيمان بالكتاب كله: فيؤمنون بنصوص الوعد ونصوص الوعيد، كما يؤمنون بنصوص الإثبات ونصوص التنزيه، ويجمعون بين الإيمان بالقدر، وبين إثبات إرادة العبد ومشيئته، كما دلت على ذلك النصوص… وهكذا.
- كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القوة والرحمة، وبين العمل والزهد، فمنهجهم هو المنهج الوحيد، الذي يتحقق فيه تكامل الإسلام، وشموله وتوازنه.
- الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق، وتوحيد صفوفهم على التوحيد والاتباع؛ ولهذا، لم يتميزوا عن الأمة باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون ولا يعادون على رابطة سوى السنة والجماعة.
- إحياء السنة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والعمل لإقامة شرعه وحكمه في كل صغيرة وكبيرة، لا تأخذهم في الله لومة لائم.
ثانياً: مميزات الفرقة الناجية:
إن المتتبع لتاريخ الفرق وأحوالها يجد أن الفرقة الناجية تتميز عن غيرها بمميزات واضحة، منها:
- الاتفاق وعدم الافتراق: فهم متفقون في أصول العقيدة على الرغم من تباعد الأقطار، واختلاف الأعصار، وما ذلك إلا لأن مصدرهم الذي يتلقون عنه واحد، ومنهجهم في تلقيه واحد. أما غيرهم من الفرق، فإنه لا تكاد تخرج الفرقة حتى تنشق منها فرق مختلفة، يكفر بعضها بعضاً، ولا تزال تنشق باستمرار.
- التوسط وعدم الغلو أو التفريط: فهم وسط في (الإيمان) بين الخوارج والمرجئة، ووسط في (الصفات) بين المشبهة والمعطلة، ووسط في (القدر) بين القدرية والجبرية، ووسط في (الصحابة) بين الشيعة والخوارج.
- مراعاة حق الله تعالى في الأحكام: فلا ينظرون إلى حق النفس أو الفرقة، ويحكمون من خلاله، بل هم ملتزمون بالإنصاف والقسط للموالين والمعادين سواء، فلا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله، ولا يخطئون إلا من خطأه الله ورسوله، ولا يغمطون أحداً حقاً أو فضلاً. وهذا بخلاف غيرهم من الفرق، فهي تطلب حظ النفس، وتحكم بالهوى، وتتعصب للطائفة.
- الربانية في الانتماء والانتساب: كما أنها فرقة ربانية في مصدرها ومنهجها، هي كذلك ربانية في انتمائها وانتسابها، فهي لا تنتسب إلى رجل ولا طريقة ولا مذهب (اعتقادي)، وإنما ينتسب أصحابها إلى الإسلام والسنة، فيقال لهم: (أهل السنة) و(أهل الحديث أو أهل الأثر) أو أتباع السلف، ونحو ذلك، وهذا بخلاف غيرها من الفرق التي تنتسب إما إلى رجل، وإما إلى رأي محدث، أو طريقة مبتدعة.
Source link