{وأخذن منكم ميثاقا غليظا} – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

رعاية هذا الميثاق الغليظ منوطٌ بكلا الزوجين، وذلك بحرصهما على إصلاح الحياة الزوجية، التي تقوم على ثلاثة أسس: “الدين – الإنفاق – العاطفة”.

العناصر:

كيف نحفظ هذا الميثاق؟

وما هي أقوال المفسرين في معناه؟

 

رعاية هذا الميثاق الغليظ منوطٌ بكلا الزوجين، وذلك بحرصهما على إصلاح الحياة الزوجية، التي تقوم على ثلاثة أسس:

الأول: الدين، وصلاح القلب بحفظ حقِّ الله.

 

الثاني: الإنفاق، وإصلاح البيت.

 

الثالث: العاطفة، والإشباع النفسي بالمودة والرحمة والحب قدر المستطاع.

 

وقد جمع هذه الأصول الثلاثة من أُوتيَ جوامع الكلم بقوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله»، فكلمة (خير) تجمع كل خير، ومنه تلك الأصول الثلاثة، ودلَّ على هذه الأصول نصيحة نبوية للسيدة فاطمة بنت قيس؛ إذ جاءته تستشيره صلى الله عليه وسلم في معاوية وأبي جهم عندما خطباها؛ فقال: «أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه» أين العاطفة؟ سقط ركن مهمٌّ، «وأما معاوية فصعلوك لا مال له»، سقط عنصر الإنفاق والباءة، ثم اختار لها أسامة بن زيد، «فجعل الله فيه خيرًا واغتبطت»، ويدل عليه: «يا معشر الشباب، مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوج».

 

وجمع تلك الأصول إجمالًا أيضًا وصفُ النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي يصلح بها البيت فقال: «ما استفاد المسلم بعد تقوى الله خيرًا من زوجة صالحة: إذا أمرها أطاعته، وإذا نظر إليها سرَّته –العاطفة– وإذا غاب عنها، حفظته في ماله ونفسها»؛ (رواه ابن ماجه).

 

تلك أدلة مجملة، أما الأدلة التفصيلية، فأما دليل الركيزة الأولى؛ وهو الدين؛ فدليله: «فاظفر بذات الدين»؛ (رواه البخاري)، والدين حق الله، والخُلُق حق الناس، وحسن المعاملة ثمرة العبادة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضَون دينه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»؛ (رواه الترمذي وغيره).

 

فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام محافظًا على ديانة أهله، كما تنقل لنا السنة مشهدًا من بيت النبوة عن أم سلمة: ((استيقظ النبي ذات ليلة فقال: «سبحان الله! ماذا أُنزِل الليلةَ من الفتن؟ وماذا فُتِح من الخزائن؟ أيقظوا صواحبات الحُجَر…»؛ لقربهن منه صلى الله عليه وسلم حسًّا ومعنًى، وحتى لا يتغافلن عن العبادة، ويعتمدن على كونهن أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى يتجنَّبن ما نزل من الفتن، ويتعرضن لِما فُتح من رحمة الله تعالى.

 

ونسعى في حث الأهل على العبادة، متسلحين بالصبر، بل مستمسكين بالاصطبار؛ كما قال تعالى مخاطبًا نبيه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].

 

أما الأصل الثاني، فدليله: «كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع مَن يَعُول»، وقد تاجر النبي صلى الله عليه وسلم في مال السيدة خديجة، ((وكان يرعى الغنم على قراريطَ لأهل مكة))، ((وكان يدخر لأهله قوت سَنَتِهم))؛ (رواه البخاري)، ووصف الذي يسعى على زوجته وأولاده ووالديه بأن سعيَه في سبيل الله، كل هذا تثمينًا للسعي في قضاء حوائج الأسرة، والنفقة على الأهل؛ حتى كان من دلائل الإيمان بالغيب: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]؛ “هي نفقة الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة“؛ [تفسير ابن كثير]، وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33]، وقد عمل سيدنا موسى ثماني سنين على أن هذه الأجرة تكون مهرًا لبنت شعيب.

 

أما الأصل الثالث، فهو العاطفة والإشباع النفسي؛ ومن أدلته: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: ((يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة»، قال: من الرجال؟ قال: «أبوها»؛ (رواه البخاري).

 

ما أجمل المودة والرحمة عندما تملأ جنبات القلوب؛ فتثبِّت أركان البيوت، وتحميها من زلازل وعوارض الحياة ومتاعبها، وتكون حصنًا لها من الشيطان!

 

وما أجمل أن يجتمع مع العطاء المادي الإشباعُ العاطفيُّ كما اجتمعا في نصٍّ نبوي واحد: «إنَّكَ لن تُنْفِقَ نفقةً تبتَغي بها وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ، إلَّا أُجِرْتَ بها، حتَّى ما تجعلُ في فَمِ امرأتِكَ»؛ (الأدب المفرد للبخاري).

 

إنه الحب الذي يُترجَم إلى مشاهِدَ تفيض أُلفة ودفئًا وسَكينة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنتُ أتَعرقُ العظم – آكل منه بأسناني – وأنا حائض، وأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فَمَهُ في الموضع الذي فيه وَضعتُهُ، وأشرب الشراب فأنَاوِلهُ، فيضع فمه في الموضع الذي كنتُ أشرب منه))؛ (رواه مسلم).

 

نعم… إنه الحب الذي يُترجَم إلى مشاهد تفيض ألفة ودفئًا وسكينة، وتهدئ من رَوع الأبناء والبنات، فتُكسبهم مناعة ضد شياطين الإنس والجن؛ وتأمل هذا المشهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا ودلًّا وهَدْيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها، فقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها))؛ (رواه أبو داود والترمذي).

 

ثم كيف كانت فاطمة لزوجها سيدنا علي؟ كانت نعم الزوجة، وكان لها كذلك رضي الله عنه عنهم.

 

{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، ماذا لو طبقنا هذه الوصية في الحياة الزوجية؟ إذًا لانتهت جُلُّ المشاكل المعلقة أمام المحاكم بإذن ربِّ البرية.

 

فقط لو عرفنا معنى الميثاق الغليظ كما يفسره ابن جرير الطبري؛ حيث يقول: ما وثقتم به لهن على أنفسكم، من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم، من إمساكهن بمعروف، أو تسريحهن بإحسان.

 

وكان في عقد المسلمين النكاح قديمًا فيما بلغنا أن يُقال لناكح: آلله عليك لتُمْسِكَنَّ بمعروف، أو لتُسَرِّحَنَّ بإحسان؟

 

وعن السدي: أما {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها: أنْكَحْنَاكَهَا بأمانة الله، على أن تُمسكها بالمعروف أو تُسرِّحها بإحسان.

 

وقول آخر في معنى الميثاق عن مجاهد: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، قال: “كلمة النكاح التي استحلَّ بها فروجهن”.

 

ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله».

 

قال أبو جعفر: “وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قول من قال: الميثاق الذي عَنَى به في هذه الآية: هو ما أُخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف، أو تسريحها بإحسان، فأقر به الرجل؛ لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجال في نسائهم؛ فقال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231]، وقال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]، {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]؛ أي: عهدًا وثيقًا مؤكدًا مزيد تأكيد، يعسُر معه نقضه، كالثوب الغليظ يعسر شقُّه.

 

قال الزمخشري: الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة، ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا: صحبة عشرين يومًا قرابة، فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟!

 

مختصر تفسير الآية: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} [النساء: 21]؛ أَي: المهر أو شيئًا منه، {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]؛ أي: وصل إليه بالمجامعة، ولا يجوز الرُّجوع في شيءٍ من المهر بعد الجماع، {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، وهو ما أخذه الله على الرِّجال للنِّساء من إمساكٍ بمعروفٍ، أَو تسريحٍ بإحسانٍ؛ (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي).

 

اللهم أنزل في بيوتنا السكينة، وأصلح أحوالنا وأحوال أهلنا وبناتنا، وأبنائنا وشبابنا، وارزقهم وارزقهن أزواجًا صالحين.

_____________________________________________
الكاتب: أحمد رضوان محمد وزيري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *