قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239].
قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239].
1- وجوب المحافظة على الصلوات الخمس؛ بشروطها وأركانها وواجباتها وسائر أعمالها، فهي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين وعمود الإسلام، وأعظم وأهم العبادات البدنية؛ لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}.
ومن أعظم واجبات الصلاة إقامتها في المساجد مع جماعة المسلمين بالنسبة للرجال لتوافر النصوص من الكتاب والسُّنَّة على وجوب صلاة الجماعة، وخطر تركها وما فيه من الوعيد؛ ولهذا قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: «من ترك صلاة الجماعة عليه خطر أن يتمادى به الأمر إلى تركها بالكلية».
2- عظم مكانة الصلاة الوسطى «صلاة العصر»، وفضلها من بين الصلوات الخمس؛ لأن الله خصها بالذكر بعد التعميم، فقال تعالى: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}.
3- وجوب القيام لله- عز وجل- والإخلاص له، والمداومة على طاعته؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
4- وجوب القيام في الصلاة – مع القدرة – وأنه من أعظم أركانها، ووجوب الخشوع فيها لله، وحضور القلب، واستشعار عظمة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
5- وجوب السكوت في الصلاة، وتحريم الكلام فيها، إلا بذكر الله تعالى من قراءة القرآن والتكبير والتسبيح والتحميد ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
6- جواز الصلاة رجالًا وركبانًا، كيفما أمكن، عند الخوف والقتال والتحام الصفوف والمسايفة، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}، فلا يشترط فيها من الخشوع والطمأنينة ما يشترط في حال الأمن.
7- جواز الحركة الكثيرة في الصلاة عند العذر للضرورة؛ لقوله تعالى: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}؛ لأن الراجل: وهو من يمشي على رجليه حركته كثيرة، ومثله الراكب في بعض الحالات.
8- رفع الحرج والمشقة عن الأمة – رحمة بها – حيث أباح عز وجل الصلاة حال الخوف رجالًا وركبانًا، وكيفما أمكن، ومن قواعد الشريعة: أن المشقة تجلب التيسير.
9- وجوب ذكر الله عز وجل وإقامة الصلاة تامة بشروطها وأركانها وواجباتها حال الأمن كما شرعها الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
10- أن الصلاة من ذكر الله؛ لقوله تعالى بعد أن أمر بالمحافظة على الصلوات، وأباح فعلها حال الخوف رجالًا وركبانًا: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
وهذا يدل على أنها من ذكر الله، بل هي من أعظم ذكر الله- عز وجل- فيها قراءة القرآن والتكبير والتسبيح والتحميد وغير ذلك.
11- امتنان الله عز وجل على العباد بتعليمهم أمور دينهم ودنياهم؛ ليذكروه ويشكروه؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
12- أن الأصل في الإنسان الجهل حتى يعلمه الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، وكما قال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5]، وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]، وقال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52].
13- فضل العلم وأهله، وأن عليهم الإكثار من ذكر الله، مما ليس على غيرهم؛ شكرًا لله تعالى على نعمة العلم، التي فيها سعادة العبد، وطلبًا للمزيد من الهداية والعلم والأجر.
فائدتان:
الفائدة الأولى: في ذكر أهم الأسباب المعينة على حفظ الصلاة، والخشوع فيها.
أولًا: استحضار العبد لعظمة الله- عز وجل- كما قال تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]، وقال تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74]، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
ثانيًا: تذكُّر نعم الله- عز وجل- العظيمة وآلائه الجسيمة، التي لا تعد ولا تحصى؛ خلق ورزق وأنعم علينا بسائر النعم، التي أعظمها نعمة الإسلام والإيمان، كما قال عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وقال تعالى: مخاطبًا الإنس والجن في واحد وثلاثين آية في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13].
ففي تعظيم الرب عز وجل، وتذكر نعمه أعظم معين على حفظ الصلاة، والعناية بها، والخشوع فيها؛ لأن بها كمال العبودية لله عز وجل العظيم المنعم. والعبودية أشرف حال يوصف بها البشر، ولهذا لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، قال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في سجودكم»[1]، وذلك تعظيمًا لله عز وجل في أشرف حال، وأعظم عبادة.
ثالثًا: تذكر عظمة الصلاة ومكانتها من الدين، فهي عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وهي الصلة بين العبد وبين ربه- عز وجل- فإذا كبّر للإحرام فيها فتح الحجاب بينه وبين ربه، وصار يناجي ربه علانية؛ ولهذا أمر عز وجل بإقامتها في آيات كثيرة من كتابه العزيز، كما قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
وجعلها الله عز وجل على المؤمنين كتابًا موقوتًا، فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
وأكد عز وجل وجوبها جماعة، حتى في حال القتال، فقال تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 102، 103].
وبين عدم سقوطها في أي حال حتى في حال الخوف الشديد والمسايفة، فقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
وعظَّم الله عز وجل شأنها بإيجاب التطهر لها من الحدث الأصغر والأكبر، فقال تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
وجعلها الله من أخص أوصاف المؤمنين، وامتدحهم بالمحافظة عليها في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34].
ولهذا دعاء إبراهيم عليه السلام ربه قائلًا: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه مخاطبًا أُمَّته: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم»[2].
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم»[3].
رابعًا: معرفة الآثار العظيمة، والفوائد الكبيرة والكثيرة المترتبة على حفظ الصلاة، وإقامتها كما شرعها الله عز وجل.
فإن الفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة كل ذلك مرتب على حفظها وإقامتها، فهي عمود الإسلام وأساس النجاحات وقاعدتها؛ لصلاح أمور الدين والدنيا والآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»[4].
فحفظها وإقامتها من أعظم الأسباب للتوفيق لحفظ ما سواها من أمور الدين، وتقوى الله، والهداية لكل خير، كما قال تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 1 – 3].
وقال تعالى: {الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لقمان: 1 – 5].
وقال تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام: 72]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
وحفظها وإقامتها سبب للحفظ من جميع المعاصي والشرور، فهي مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر، كما قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
وفي حفظها وإقامتها كما شرع الله عز وجل الراحة والطمأنينة والسعادة، وانشراح الصدر؛ ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه: «أرحنا يا بلال بالصلاة»[5]؛ وذلك؛ لأنها من أعظم ذكر الله الذي به تطمئن القلوب، وتنشرح الصدور، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22].
وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125].
وفي حفظها العون على القيام بما عداها من أمور الدين والدنيا، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
وفي حفظها حصول الرزق، كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وفي المداومة عليها أعظم سياج معنوي وروحي أمام تقلبات الحياة ونوازع النفس، تعطي الإنسان بإذن الله- عز وجل- وتوفيقه التوازن في السرَّاء والضراء، كما قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 19 – 23].
وفي الخشوع فيها الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2].
وإقامتها من أسباب الأخوة في الدين، وعصمة الأنفس والأموال، قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]، وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].
ومن أسباب النصر والتمكين، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
وفي حفظها وإقامتها التجارة الرابحة مع ﷲ عز وجل والثواب العظيم والزيادة من فضله عز وجل في الآخرة؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]، وقال تعالى: {مَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 36 – 38].
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر[6].
وفي حفظها وإقامتها تكفير السيئات ودخول الجنات، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: 12].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»[7].
وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلوات الخمس كنهر جار غَمْرٍ عند باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا. قال: كذلك الصلوات الخمس يكفِّر الله بهن الخطايا»[8].
توعد الله عز وجل المفرطين فيها، وبين أن عاقبة التاركين لها النار، فقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
وذكر المجرمون فيما حكى الله عنهم أن أول سبب لدخولهم النار ترك الصلاة، قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43]، وقال تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31، 32].
الفائدة الثانية: في ذكر أهم الوسائل وأنجحها لحفظ الصلوات:
اعلم أخي الكريم أن من أنفع الوسائل وأنجحها لحفظ الصلوات ما يلي:
أولًا: التهيؤ للصلاة من أول وقتها، بدءًا من متابعة المؤذن، ثم الوضوء والتشهد، والذكر بعده والتزين للصلاة باللباس والطيب، والسعي إليها بسكينة ووقار، وتقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد والذكر عنده.
ثانيًا: التفرغ التام لها من مشاغل الحياة كلها، فهي الزاد الحقيقي المعنوي والروحي للإنسان، قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37].
ثالثًا: المبادرة إليها بعد سماع النداء، والمسارعة والمسابقة إلى ذلك والمنافسة على الصف الأول وميامن الصفوف، والحذر من التأخر، ومزاحمة الناس وتخطي رقابهم.
فإن ضعفت عن المبادرة والمنافسة في ذلك، فلا تقام الصلاة إلا وأنت في المسجد.
وأخيرًا أخي الحبيب: تذكر الفرق الشاسع، والبون الواسع بين صلاة حفظها صاحبها، وتهيأ، وتفرغ لها، وبادر إليها، واستحضر عظمة الله عز وجل فيها، وعظمة الصلاة وأهميتها، وبين صلاة يؤديها كثير من الناس مجرد عادة من غير تهيؤ، ولا تفرغ لها مع انشغال البال، وتشوش الفكر، بلا هدوء ولا طمأنينة، مع التأخر، وعدم الحضور إليها إلا بعد فوات تكبيرة الإحرام، أو فوات بعض الصلاة أو أكثرها- وكيف يحفظ الصلاة من أقيمت الصلاة وهو خارج المسجد، وأنى له الخشوع فيها، وقد أضاع أسبابه.
وتذكر أخي الكريم أن ما يصيب الكثير من الناس من الاضطراب وفقدان التوازن في حياتهم سببه الأعظم عدم حفظ الصلاة، وأن ما أصاب الأمة من الضعف والهوان وتسلط الأعداء وتفرق الكلمة من أعظم أسبابه وأهمها ضعف أمر الصلاة عند كثير من المسلمين.
فالصلاة هي القاعدة والأساس لسعادة الفرد، والمجتمع والأمة، ومفتاح التيسير والتوفيق والنجاح والوصول إلى معالي الأمور في الدين والدنيا والآخرة. وأسباب النجاح كلها في الجمع بين العبادة والسعي والعمل وبين التوكل، كما قال عز وجل: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله ثم استقم»[9].
[1] أخرجه أبو داود في الصلاة (869)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (887)، وأحمد (4/ 155)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
[2] أخرجه أبو داود في الأدب (5156)، وابن ماجه في الوصايا (698)، من حديث علي رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في الإيمان (57)، ومسلم في الإيمان (56)، والنسائي في البيعة (4189)، والترمذي في البر و الصلة (1925).
[4] أخرجه الترمذي في الإيمان (2616)، وابن ماجه في الفتن (3973)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
[5] أخرجه أبو داود في الأدب (4986)، وأحمد (4/ 371)، (5/ 364)، من حديث محمد بن الحنفية عن صهر لهم من الأنصار .
[6] أخرجه النسائي في الصلاة (465)، والترمذي في الصلاة (413)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1425)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] أخرجه مسلم في الطهارة (233)، والترمذي في الصلاة (214)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1086)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] أخرجه مسلم في المساجد (667، 668)، من حديث أبي هريرة وجابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
[9] أخرجه مسلم في الإيمان (38)، والترمذي في الزهد (2410)، وابن ماجه في الفتن (3972)، وأحمد (3/ 413، 4/ 385)، من حديث سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه.
Source link