العناصر الأساسية:
العنصر الأول : خلق الله العالم كاملا جميلًا صالحاً
العنصر الثاني : فساد العالم بفساد الإنسان.
العنصر الثالث: مانزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة.
الموضوع:
أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ)» .
أيها الإخوة الكرام : إن الله تعالى خلق هذا العالم كاملاً متكاملاً، خلق الله هذا العالم صالحاً لحياة الخلائق..
{{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ، وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ، رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ}} [سورة ق] .
خلق الله هذا العالم جميلاً، وأمر الله الإنسان أن يُبقي على هذا العالم بجماله لا يشوهه..
خلق الله هذا العالم صالحاً، وأمر الله الإنسان أن يُبقي هذا العالم صالحاً لا يفسده..
خلق الله هذا العالم متكاملاً، وأمر الله الإنسان أن يُبقي هذا العالم بكماله لا يخربه..
قال الله تعالى { {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } } [سورة هود] .
الحكمة من خلق الإنسان ليست فقط في أن يعبد الله تعالى، وإنما الحكمة من خلق الإنسان هي أن يعبد الله تعالى وأن يسعى في الأرض يعمرها بما ينفع الناس ولا يضرهم..
فكما نقرأ {{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}}
نقرأ أيضا {{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }}
لكن الإنسان لم يستجب لأمر الله تعالى، يَخلقُ ويُعبدُ غيره، يَرزق ويُشكر سواه، خيره إلى العباد نازل، وشرهم إليه صاعد، يتودد إليهم بنعمه وهو الغني عنهم، ويتبغضون إليه بمعصيته وهم أحوج ما يكونون إلى رحمته..
ثم إن الإنسان سعى الإنسان بكامل طاقته وقوته ، ليفسد هذا العالم الذي خلقه الله صالحاً، سعى الإنسان فشوه العالم الذي خلقه الله جميلاً، وخرّب الإنسان جوانب العالم الذي خلقه الله كاملا متكاملاً..
قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
بعيداً عن نفايات الإنسان، بعيدا عن التلوث السمعي والبصري والبيئي الذي ملأ البر والبحر، بعيداً عن الدمار الشامل الذي أخترعه الإنسان ليقضي به على أخيه الإنسان، بعيداً عن إفساد الإنسان للماء والهواء، بعيداً عن عبث الإنسان بنظام العالم وتوازنه..
فإن أول وأخطر أسباب الفساد والإفساد في هذا العالم هو جرأة الإنسان على محارم الله عز وجل..
أخطر صور الإفساد في الأرض وما عليها من إنسان وحيوان ونبات وماء وهواء هو وقوع الإنسان في معصية الله عز وجل
{(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)} .
شؤم المعاصي التي يقترفها الإنسان لا يتوقف عند فاعلها فقط شؤم معصية الإنسان لا تؤثر على قلب الإنسان وبدنه ودينه ورزقه فقط، وإنما يتعدى شؤم معصية الإنسان ليصيب ويؤذي كل ما حوله من أرض وماء ونبات وهواء .
أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«(إِذَا ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فِي أُمَّتِي عَمَّهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ أُنَاسٌ صَالِحُونَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ؟ قَالَ: يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ)» .
الأرض تفسد وتتأثر تأثرا سلبيا بسبب ذنوب الإنسان..
ويفسد الهواء والماء والزرع والثمر ، كل ذلك بسبب ذنوب الإنسان قال تعالى: {(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)} .
كثرة المنازعات، وكثرة الخصومات بين الناس، يرجع في الغالب سببها إلى ذنوب الناس.. الدليل:
حديث النبي عليه الصلاة والسلام «(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا)» .
أن يُمنع نزول القطر من السماء وأن يكون القحط والمجاعات وأن تكون الأمراض والأوجاع والصواعق والنوازل ومن ثم
هلاك الحرث والنسل هذه عقوبات يُعاقب بها الناس بسبب ذنوبهم..
قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن الحُبارى لتموت في وكرها من ظلم بني آدم.
وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم.
خسوف القمر وكسوف الشمس ما هما؟
آيتان من آيات الله تعالى يخوف الله بهما عبادة..
كثرة الزلازل ما كثرة الزلازل؟
إشارة إلى غضب الجبار سبحانه وتعالى..
{(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)} .
زلزت الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رسول الله يده عليها فقال: اسكني فإنه لم يأن لك بعد، ثم التفت عليه الصلاة والسلام إلى أصحابه فقال: إن ربكم ليستعتبكم فأعتبوه”
والمعني أن هذا الزلزال اشارة إلى غضب الله تعالى فتوبوا إلى الله تعالى واستغفروه “إن ربكم ليستعتبكم فأعتبوه”
دخل رجل على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمر، وضربوا المعازف غار الله عز وجل في سمائه؛ فقال للأرض تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم. قال الرجل: يا أم المؤمنين أعذابا لهم؟
قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابا وسُخطا على الكافرين.
{(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)} .
وفي خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه تزلزلت الأرض بالناس فقال عمر : يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه.. والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا.
وكتب عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى الأمصار فقال :
“أما بعد.. فإن هذا الرجف أي ( الزلازل) وما في حكمها من (خسوف القمر وكسوف الشمس) شيء يعاتب الله عز وجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به؛ فإن الله عز وجل يقول: “قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى”. قولوا كما قال آدم: {{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}}
قولوا كما قال نوح: { {وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين}} . قولوا كما قال يونس: {{لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}} .
الشاهد أن أمر الإنسان بيديه..
إن آمن وعمل عملا صالحا جنى خيراً وبركًة وصلاحًا وعماراً وفار في الدنيا والآخرة..
وإن حجد الإنسان وتكبر وتجبر جنى مرضاً ووجعاً ونقصاً في المال والنفس والثمر وشقاوة في الدنيا والآخرة..
قال الله تعالى: {{مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد}}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الكرام: بقي لنا في ختام الحديث أن نقول:
إن الخير كل الخير، وإن السعادة كل السعادة، وإن البركة في الأرض وفي المال وفي الولد وفي الزرع والثمر مرهونة باستقامة الإنسان وإيمانه وتقواه لله رب العالمين..
{(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )} [الأعراف] .
في خلافة بني أمية ساد في بعض أوقاتها العدل، حتى ورد أنه
وُجد في خزائن بني أمية (قمحاً)، الحبة منه بقدر نواة التمر، كانت في صُرة مكتوبٌ عليها، هذا كان ينبتُ في زمن العدل”.
ففي زمان العدل والإنصاف، وفي زمان الخشية لله رب العالمين، وفي زمان الإيمان يباركُ الله للناس في أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأرزاقهم..
{(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )}
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟
قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل..
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تكلم عن علامات الساعة..
من بين هذه العلامات خروج المسيح الدجال والذي تكون نهايته وهلاكه بين يدي سيدنا عيسى عليه السلام، وفي نفس الزمان تخرج يأجوج ومأجوج على الناس..
فيأمر الله تعالى سيدنا عيسى أن ينحاز بمن معه من المؤمنين إلى جبل الطور ، فينحاز بهم ثم يدعو سيدنا عيسى على يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى..
في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن الحبيب صلى الله عليه وسلم..
أنه بعد هلاك يأجوج ومأجوج، في زمان سيدنا عيسى عليه السلام، وبعد أن يطهر الله الأرض من زهم يأجوج ومأجوج ومن نتن يأجوج ومأجوج..
يقول النبي عليه الصلاة والسلام «فيُقَالُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ ، حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ» “.
المقصود، والهدف المستفاد من حديث اليوم:
بيان أنه ما نزل بالأرض بلاء في الأموال أو الأنفس أو الثمرات إلا بذنب أذنبه الإنسان، وأنه لا رفع عن الأرض بلاء إلا بتوبة ..
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرف عنا وعن بلادنا البلاء والوباء والغلاء إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
——————————————————————————
جمع وترتيب : الشيخ / محمد سيد حسين عبد الواحد.
إمام وخطيب ومدرس أول .
إدارة أوقاف القناطر الخيرية.
مديرية أوقاف القليوبية . مصر
Source link