حث الإسلام على الزراعة وإطعام الحيوانات والكسب الحلال، وكل ذلك يساعد على إنتاج الغذاء. والكسب الحلال يمكن أن يكون في شتى المجالات المختلفة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
إن قضية الأمن الغذائي من القضايا المعاصرة التي تشغل أذهان الباحثين في العالم أجمع. فقد انتشر الفقر في بلاد كثيرة وأصاب الناس الجوع والهزل ومات الكثير منهم بأمراض سوء التغذية وقلة المناعة. ولما كان الغذاء من الاحتياجات الأساسية لكل إنسان كان لابد من إعارة هذا الأمر الكثير من الاهتمام والبحث فيه لنفع الناس ومحاولة إيقاف خطر الجوع وآثاره والخوف من نقص الغذاء والعمل على امتلاك المقومات التي توفره في الحاضر والمستقبل. وبذلك يتم تحقيق الأمن الغذائي الذي تم تعريفه بأنه “وضع يتحقق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية”[1]. ولذا علينا نحن كأمة مسلمة العمل على حل أزمة الغذاء والبحث عن كيفية تحصين أمتنا وتأمين حاجتها من المخزون الغذائي.
وقد حث الإسلام على الزراعة وإطعام الحيوانات والكسب الحلال، وكل ذلك يساعد على إنتاج الغذاء. والكسب الحلال يمكن أن يكون في شتى المجالات المختلفة، ولكن إن كان في إنتاج الطعام الذي ينفع الناس وصحت معه النية كان أجره مضاعفاً. قال صلى الله عليه وسلم: ( «ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ» )[2]. فالنبات والحيوان هما المصدران الأساسيان للطعام للإنسان والحيوان. وبالغذاء نستطيع مساعدة الناس وفك كرباتهم والتصدق على الأمم الفقيرة وكسب الأجر الكبير. وبه نستطيع توحيد صف الأمة وتحقيق سعادتها ورخائها وتكسب الدولة دعم الناس وتقوية شوكتها. قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[3]. وقال: { (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)} [4]. ولذا ينبغي على الدولة المسلمة أن تعير مجالي الزراعة وتربية الحيوانات اهتمام كبير وتمدهما بالميزانية اللازمة لهما والكوادر المؤهلة للعمل فيهما. وهذا لحماية الدولة وتعزيزها. وكذلك على الأفراد محاولة المساهمة في ذلك ولو بالبسيط.
هناك أسباب عدة لنقص الغذاء، بعضها ينتمي للطبيعة وبعضها من صنع الإنسان. وأي كان نوعها فإن تأثيرها على الإنسان والحيوان مدمر. ولذا علينا البحث عنه لمحاولة الوصول لحلول لهذه المشكلة.
يكثر نقص الغذاء لأسباب الطبيعية من أثر الطقس وعوامل المناخ مما يصعب إصلاحها. ولعل الجفاف والتصحر هما أهم الأسباب لإنتشار الجوع وانحسار الغابات والأشجار المثمرة. فهما يجعلان عملية الزراعة شبه مستحيلة أو صعبة ومكلفة جداً؛ لصعوبة العمل في الصحراء القاحلة وقلة الماء وعدم صلاحية التربة للزراعة وعدم توفر المعدات اللازمة وعدم توفر الطعام والجو الصحي للعاملين مما يشكل مشكلة كبيرة في مجال العمل في الحقلين. وذلك لضعف الحيوانات لسوء التغذية والعطش مما قد يودي بها للموت. وذلك كما حدث في الصحراء الكبرى في أفريقيا وغيرها. وهناك ظاهرة الزحف الصحراوي وهي تقدم الرمال لتكسو التربة بفعل الرياح وعدم سقوط الأمطار فتقل النباتات وتتحول الأرض تدريجياً لصحراء. “ولقد ساهم انخفاض معدلات تساقط الأمطار على نحو مباشر أو غير مباشر في تلف المحاصيل، وزحف الصحراء على أراضي المراعي، والافتقار إلى المياه والأراضي المعشوشبة اللازمة لرعي الماشية، والتصحر الشديد”[5]. وقد ينتج من قطع الإنسان للأشجار بكميات كبيرة فتقل الغابات الطبيعية ولا يحل محلها نباتات جديدة لقلة المياه. والمياه هي أساس الحياة، إذ تعتمد عليه الحيوانات والنباتات كلياً، وشحته وانعدامه يقتل كل شيء الأخضر واليابس. قال تعالى: { (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)} [6].
والسبب الثاني لنقص الغذاء هو الحروب التي تدمر العمران والمنشأت والمزارع وكل شيء تم تعميره. وحتى الإنسان يتأثر بها إما بالموت أو الأسر أو الهجرة العشوائية واللجوء إلى دول الجوار بعد أن يكون فقد بيته وماله وتفرق أهله وعشيرته. والإسلام يمنع القتل العشوائي دون الرجوع للحق، ويمنع نقض العهود، وقتل المعاهدين والمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ ومن يدخل دين الإسلام. ولا يخفى على المتأمل أنَّ معظم الحروب الدائرة اليوم سواء في العالم الإسلامي أو خارجه قائمة على الطمع والمصالح الدنيوية والتقاتل على الأراضي والأموال والموارد الطبيعية كالبترول والمعادن النفيسة وغيرها. ولا علاقة لها بالدين أو رفع كلمة الله تعالى. ومعظم الحروب لم يبدأها المسلمون، بل اعداءهم والطامعين في أموالهم ومواردهم. والإسلام يقبل التعايش مع غير المسلمين تحت ظل المعاهدات والنظام الأمني والسلام. أما إذا اعتدوا على المسلمين وعلى أموالهم وأعراضهم ونقضوا عهودهم معهم فلا سلام ولا أمان لهم. قال تعالى: ( {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} )[7]. وقال: ( {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} )[8]. أي لا يكره أحد على الإسلام. وجاء في التفسير الميسر للآية الكريمة: “لكمال هذا الدين واتضاح آياته لا يُحتاج إلى الإكراه عليه لمن تُقبل منهم الجزية، فالدلائل بينة يتضح بها الحق من الباطل، والهدى من الضلال”[9]. ولذا نجد أن معظم المسلمين الحاليين دخل آباءهم الإسلام بالتعايش السلمي وبكامل إرادتهم ولم يجبرهم أحد أو يقاتلهم عليه.
الكسل والإهمال من الأسباب الثانوية في الجوع. حيث تجد الكثير من الشعوب والدول العربية والإسلامية تمتلك الأراضي الخصبة والمياه وغيرها من احتياجات الزراعة، ومع ذلك تجدهم لا يهتمون بالزراعة ولا يعيرون لها بالاً. وتُهدر كل تلك الإمكانيات التي يمتلكونها دون الاستفادة منها. وذلك إما كسلاً أو ترفعا عن مهنة الفلاحة أو بسبب الانشغال بجمع المال بطرق أخرى. وهناك من يعتبر مهنة الفلاحة لا تليق بهم، بينما يعتمد على العمالة والتي تكون عادة قليلة التعليم والخبرة بالوسائل العصرية التي تزيد الإنتاج وترفع من مستوى الجودة. فينتج من ذلك قلة المزروع والإنتاج الغذائي الذي يعول عليه الناس في طعامهم؛ مما يضطر الناس للجوء إلى المستورد ودفع أسعاره الباهظة الثمن. ولا بأس من إستعمال العمالة لكن مع تدريبها بالطرق العلمية الصحيحة. وينبغي الحرص على حسن معاملتهم وتهيئة إقامة مناسبة لهم في جو صحي وطيب. وكذلك على إعطائهم أجور كاملة وأن تكون أجور معقولة. قال صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجِفَّ عرقُهُ)[10].
الفقر نفسه هو سبب في نقص الغذاء لأنه يشل حركة الإنسان ويحد من إمكانياته البدنية وحتى النفسية. فلو كان الإنسان معدم لما استطاع تملك أرض أو إيجارها لزراعتها، أو شراء حيوانات لتربيتها، أو شراء الأسمدة والمعدات والأغذية التي سيحتاجها. ونفس الشيء ينطبق على التشرد والبطالة، حيث تفقد الإنسان مقدرته على العمل بسهولة.
وهناك أسباب أخرى للنقص الغذائي ذكرتها بعض المواقع، منها “الاضطرابات الأهلية، والاكتظاظ السكاني، وظروف السكن غير الآمنة، والأمراض المُعدِية، والجائحات، والتوسع العمراني”[11].
لقد بدأ العالم يعى على مشكلة الغذاء العالمية، وبالفعل اتجهت كثير من الدول إلى زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني. ومن أهمها الصين التي قامت باستصلاح الأراضي الشاسعة، ثم امتد نشاطها إلى خارج الصين واستصلحت أراضي صحراوية في أفريقيا للزراعة. فلِمَ لا تحاول الشعوب المسلمة فعل نفس الشيء والإجتهاد فيه للقضاء على الجوع. وسنحاول هنا مناقشة بعض الطرق التي يمكن بها زيادة إنتاج الغذاء.
توفير المياه والأسمدة والأعلاف الحيوانية
على المستثمرين في هذين المجالين البدء بتأمين مياه الري والأسمدة الزراعية والتربة الصالحة للزراعة. وكذلك توفير مياه الشرب للحيوانات والأعلاف اللازمة لها. وهذا في حد ذاته هو أول وأهم الخطوات في هذا المجال، حيث بدون التهيئة المناسبة وتوفير احتياجات النبات والحيوان لن ينمو شيء. ويمكن توفير ذلك بأبسط الطرق كما يمكن تطويرها بالتكنولوجيا، إعتمادا على الإمكانيات المتاحة ورأس مال المستثمر.
ذكرنا أن من أسباب قلة الغذاء إهمال الناس وتصغيرهم لشأن العمل في هذا المجال وانشغالهم بجمع المال بطرق أخرى وبالتكنولوجيا الحديثة أو غيرها من الأسباب. وفي الحقيقة أن التكنولوجيا لا تعارض الفلاحة، بل تعمل معها وتساعد على تطويرها وزيادة الإنتاج إن وجه الناس جهودهم فيها لتطوير الزراعة. فالمشكلة إذن في طرق تفكير الناس التي توجه جهودهم. ولذا كان التعليم وتوعية الناس أمر أساسي لتصحيح الوضع. وقد نجحت الدول في أوروبا وأمريكا وآسيا في تطوير الزراعة وتسهيل عملياتها باستعمال التقنيات الحديثة. وعلى العاملين في المجال الزراعي والحيواني استغلال التكنولوجيا لتسهيل أعمال الفلاحة وتقليب التربة وغرس البذور وقطع المحاصيل وجمعها وتغليفها. ومن ذاك إستعمال أنظمة الري الموقوتة أوتوماتيكيا لعمل في ساعات معينة لري الزرع. ومن أمثلتها أيضاً إستعمال الحاصدات الزراعية المتطورة التي سهلت الحصاد على المزارعين، والعلَّافات الأوتوماتيكية لإطعام الحيوانات كالأبقار والدواجن، وفقاسات البيض الأتوماتيكية، وعربات النظافة، وغيرها. وإستعمال المصانع الحديثة لتصنيع اللحوم والعصائر والأطعمة المحفوظة والمخبوزات والأفران الأتوماتيكية والمطاعة الحديثة وغيرها. وتقنيات حفظ الأطعمة الطازجة والمعلبة، وتقنيات استخلاص وتكرير الزيوت النباتية وغيرها الكثير.
توعية المجتمع بأهمية الاستثمار في قطاعات إنتاج الغذاء
ومن الوسائل التي تساعد في تحقيق الأمن الغذائي هو تعليم الناس وتوعيتهم بأهمية الإنتاج الغذائي، وتشجيعهم للاستثمار فيه والعمل به. فإن وعي الناس لهذا الأمر لزادت المنتجات الغذائية ورخصت أسعار الطعام وأصبح في متناول الجميع وعم الخير في الدولة والعيشة الآمنة الطيبة. فالأسعار في الأسواق الحرة تخضع لقانون العرض والطلب. أي كلما زاد المعروض قل الطلب نسبياً وقلت الأسعار وخفت معاناة الفقراء في مجابهة الغلاء وتوفير لقمة العيش لهم ولصغارهم. وحتى لو لم تكن في شكل عملية تجارية احترافية وكانت بجهود فردية لأفادت. فمثلاً لو زرعت كل عائلة في حديقة بيتها بعض أشجار الفواكه والخضروات لأمنت من شبح الجوع في الأزمات. وربما استطاعت بيع الفائض عن حاجتها وتحصيل بعض المال لتغطية متطلباتها الحياتية الأخرى.
هناك طرق أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم لاستجلاب المطر والرزق عموماً، وعلى الناس التمسك بها والقيام بها جنباً إلى جنب مع الاجتهاد في العمل في مجالات إنتاج الغذاء، ومن ذلك:
لقد وردت صلاة الاستسقاء لطلب نزول المطر من الله، وقد ذكر الشيخ بن باز رحمه الله كيفيتها في قوله: “صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد، يصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعًا وفي الآخرة خمسًا، يكبر تكبيرة الإحرام وستًا بعدها، ثم يستفتح، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يركع ثم يرفع ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم إلى الثانية فيصليها مثل صلاة العيد، يكبر خمس تكبيرات إذا اعتدل ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يقرأ التحيات ويصلي على النبي ﷺ ثم يدعو ثم يسلم، مثل صلاة العيد، النبي صلاها كما كان يصلي في العيد عليه الصلاة والسلام”[12]. وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا مريئا، مريعا، غدقا مجللا، عاما طبقا سحا دائما، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا)[13].
الاستغفار من أسباب استجلاب المطر والرزق. قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)} [14].
الدعاء سلاح المؤمن في الكربات، فليلهج المتضررون بدعاء الله تعالى فرفع الجوع والحروب والمصائب. قال صلى الله عليه وسلم: ( «ما من مُسلمٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحِمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إحدى ثلاثِ خِصالٍ إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه وإما أن يَدَّخرَ له في الآخرةِ وإما أن يصرفَ عنه من السُّوءِ مثلَها» )[15].
لقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم على طاعات معينة تجلب سعة الرزق عموماً، وأهمها الإكثار من الصدقات ومساعدة المحتاجين، فالله ينفق عليك ويبارك لك في رزقك إذا أنفقت وتصدقت دون مَّن. قال صلى الله عليه وسلم: «(ما نقصَ مالٌ من صدقةٍ)» [16]. بالإضافة إلى الزواج وخلفة الأبناء وصلةِ الرحم والتوكُّل والصلاة والاستغفار والحج والعمرة.
لا شك أن من أكبر أسباب عدم وجود الأمن الغذائي في كثير من دول العالم العربي والأفريقي هو من كيد الدول الصليبية التي تحيك لهم بالليل والنهار. حيث تجدها تنشر الاحتكاكات بين القبائل والشعب الواحد لتزعزع أمن البلاد ووحدتها. كما أن تنشر الفتن وكثير منها تعمل خلال المساعدات لتكسب بها الأتباع.
والغذاء سلاح بيولوجي فتاك استعمله الأعداء في الحروب لإضعاف خصومهم. ولذا هو أهم ما يتسلح به المجتمع وتحمي به الدولة رعاياها. والعمل على توفيره يعد نوع من الجهاد ضد الأعداء ويأجرنا الله تعالى على السعي فيه. وكما قيل “من لا يملك قوته لا يملك قراره”. وليس من السهل القضاء على أمة أمنت نفسها ورعاياها من خطر الجوع. فإن جاع الناس سلَّموا واستسلموا لعدوهم بسهولة ودون مقاومة؛ خوفا من ألم الجوع والموت أو العذاب به؛ ولذا يستخدمه اليهود في غزة اليوم لإضعاف أهلها وإنهاكهم بالوهن والمرض. ويستعمل أيضا في السودان والصومال وغيرها من بلاد الإسلام.
الحملات التنصيرية من خلال دعم الغذاء
هناك منظمات خيرية تساهم في جمع التبرعات وتوزيع الغذاء في الأماكن المنكوبة بالحروب والأزمات الاقتصادية والأمنية وغيرها. ومعظمها مسلمة وتعمل للأجر ومساعدة الناس فيما يبدو، ولكن هناك واحدة منهن كان لابد لكاتب أن يكشف حقيقتها ويبين ما تعمل في الخفاء من شرور. وهي منظمة الأمم المتحدة (UN). وهذه المنظمة على قدر الخير الذي تقدمة على قدر الشر الذي يأتي منها. وربما أنا في قولي هذا لم اعتمد على منشور أو دراسة تبرهن على جرمها، ولكن ما يدعوني للكتابة عنها ما رأيناه تقوم به في أماكن الكوارث. فهي توزع غذاء نعم، ولكن توزع معه بذور شرورها. حيث تقوم بالترويج للمسيحية ونشرها بين الفقراء والبسطاء، وتستغل جوع الناس وبساطتهم وجهلهم وحاجتهم للطعام لتحولهم لمسيحين. وقد رأينا آثارها في المناطق التي عملت بها. رغم أنها تدعي الصلاح وتروج لنفسها بالدعاية بأنها تساعد المحتاجين وتعمل على السلام وغيره. هذا غير أنها ليست مسلمة وتزودها أمريكا بالغذاء وغيره لتعمل لمصالحها وتقوية شوكتها في المناطق الغنية بالثروات والبترول. ومن ثم يسهل عليها سرقته والتسلل به من بين أيدي البسطاء. وأوضح مثال لذلك ما جرى في جنوب السودان وغيره. وهذا يوضح أهمية الأمن الغذائي وكيف أنه يُستغل من قبل الدول الصليبية للسيطرة على موارد المسلمين وثرواتهم. والموضوع يحتاج لباحثين في هذا الأمر لبرهنته بالأرقام والأحداث والأدلة. هذا ما بدا لي برأي العين ولم أبحث الأمر بالبرهنة الفعلية. واناشد الباحثين لبحث ذلك لنفيه أو أثباته ومن ثم التحذير والحذر من التعامل معها.
وجوب اهتمام الدولة بالمجال الزراعي والحيواني
ينبغي للدولة أن توجه جزء كبير من استثماراتها في المجال الزراعي والحيواني؛ وذلك لأنها توفر الغذاء لرعاياها. ورغم أن العائد قد يكون أقل قليلا من الإنتاج الصناعي إلا أن ذلك سيؤمن الغذاء لرعاياها وتحمي البلاد من خطر الجوع وتحكم الأعداء عليها عن طريق قطعه منها. وربما تتوسع فيه فتستطيع تصدير جزء منه للدول المجاورة والعالم الخارجي. ولذا عليها تخصيص الميزانية اللازمة لذلك، وتوفير المعدات والعمالة اللازمة.
دور الدولة في مساعدة العاملين والمستثمرين
كما بينا أن الطعام هو عمود أساسي في اقتصاد الدولة وحاجة الناس، ولذا ينبغي على الدولة أن تركز جهودها فيه وتطويره. ويستحسن أن تعاون الدولة المستثمرين والعاملين في مجالي الإنتاج الزراعي والحيواني، ويمكن ذلك بعدة طرق، منها:
- تيسير الوصول للماء وذلك ببناء الخزنات والبرك الصناعية وخطوط المياه وحفر الآبار وعمل القناطر وغيرها من الوسائل.
- عمل أمطار صناعية بتلقيح السحب. وهي تقنية من مشروع هارب الذي بدأ في ولاية الأسكا الأمريكية ثم تبعتها دول أخرى. وتستعمل التحكم في المناخ لإنزال الأمطار. “والاستمطار هو عملية استثارة وحفز السحب والغيوم لإسقاط محتواها من المياه الكامنة أو الثلج المتجمد فوق مناطق جغرافية محددة، عن طريق استخدام وسائل صناعية ومواد كيميائية تعمل على تسريع عملية هطول الأمطار أو زيادة إدرار هذه السحب من المياه مقارنة بما يمكن أن تدره بشكل طبيعي”[17]. وهي تقنية مفيدة تساعد على نزول الأمطار لسقاية الأرض والزرع، مثلها مثل تقنية تلقيح النباتات صناعياً وغيرها من التقنيات التي يستفيد منها البشر.
- يمكن أن تعطي الدولة المستثمرين قروض غير ربوية لتساعدهم في شراء المعدات اللازمة للإنتاج الزراعي والحيواني لحين تخرج ثمار الزرع وإنتاج الحيوانات.
- إدخال مناهج تدريس كيفية الزراعة وتربية الحيوانات بكميات تجارية على المدارس من سن صغير لينشأ التلاميذ بهذا الفكر وتقييم العمل في هذين المجالين.
- يفضل للدولة أن تستصلح الأراضي الصحراوية للاستفادة منها في الزراعة.
- عمل دورات تدريبية للعاملين والمستثمرين في مجال الزراعة وتربية الحيوانات عن كيفية الزراعة الصحيحة وتربية الحيوانات. ولتوعية الناس وتثقيفهم بأهمية العمل في هذين المجالين لصالحهم وصالح الشعب.
- يمكن للدولة أن تعطي صغار المزارعين قطع أراضي لاستصلاحها وزرعها بتشارك نسبي مع المزارع يقل تدريجيا كل عام بحيث يتملك المزارع الأرض الزراعية إن زرعها لمدة خمس سنوات. فتكسب بذلك الدولة استصلاح الأراضي وإنتاج الغذاء وتأمينه، ومساعدة الفقراء من رعاياها وكسب بعض الربح لمدة أربع سنوات. ويمكن استعمال النموذج التالي كمثال للعلاقة بين الدولة والمزارع:
وهذا مجرد نموذج يمكن تغييره بما يتوافق مع سياسة الدولة وتوجهها وما ترغب أن تساعد به المزارعين وحجم الأراضي التي ترغب باستغلاله في الزراعة وكمية الأموال المستثمرة فيها. ولكن يجب أن تلاحظ أنها لابد من أن تغري المزارع ليتشجع على الزراعة، ولابد أن ينال نصيب كافي منها لتسد حاجاته وحاجة اسرته. وإلا لما قبل أحد العرض وتشجع لأن يعمل في الزراعة. وعمله فيها يوفر غذاء له وللدولة والشعب جميعا. فذلك سيكون استثمار ذو فوائد مزدوجة.
مجالات الاستثمار في الإنتاج الزراعي
هناك طرق كثيرة للاستفادة من الإنتاج الزراعي، ونذكر بعض منها على سبيل المثال:
- زراعة الخضروات، ومنها زراعة الجذور مثل البطاطس والجزر والثوم.
- زراعة الفواكه مثل الموز والمانجو وغيرها الكثير. وزراعة الحمضيات مثل البرتقال والليمون.
- إنتاج السكر من قصب السكر.
- زراعة وإنتاج الفطر غير سام.
- زراعة الحبوب وإنتاج إنتاج الزيوت النباتية.
- إنتاج الأعشاب البحرية والطحالب التي تؤكل في بعض مناطق العالم.
- ويمكن الاستفادة منها في المنتجات غير الغذائية أيضاً مثل إنتاج الأخشاب وتصنيعها.
مجالات الاستثمار في الإنتاج الحيواني:
العمل في مجال الإنتاج الحيواني متعب نسبياً من بقية الأعمال، ومع ذلك فإن دخله جيد نسبة لإرتفاع أسعار اللحوم وكثرة الاستهلاك لمنتجات الألبان والبيض وغيرها. والتشجيع على الاستثمار فيه أمر يدر على الدولة الخير الكثير ويساعد على خفض أسعار اللحوم الباهظة وتخفيف معاناة الشعب. ويسهل على الأمهات والآباء توفير الحليب لأطفالهم والبيض الذي يحتاجونها بإستمرار. وهناك تنوع شاسع في الإمكانيات وأشكال الإنتاج في هذا المجال، ولكل منها احتياجاته الخاصة وسوقه وشعبيته. ومن تلك الصور:
- تربية المواشي مثل الأبقار والأغنام والخراف والجمال لإنتاج اللحوم الحمراء.
- تربية الدواجن لإنتاج البيض واللحوم. والدواجن ميزتها هي كثرة الإنتاج.
- تربية الأسماك في البحيرات الصناعية.
- إنتاج الألبان والجبون والسمن ومنتجاتها.
- تربية النحل لإنتاج العسل الطبيعي.
- تربية الأرانب لإنتاج اللحوم. وميزة الأرانب هي سرعة التوالد وكثر عدد المواليد في البطن الواحد. وهي مصدر جيد للحوم. ومن عيوبها هي عدم وجود شعبية كبيرة لها.
- تربية سمك التونا وتصنيعها.
- تربية الحيوانات البحرية مثل سرطانات البحر والجمبري وغيرها.
- وهناك فوائد أخرى للمنتجات الحيوانية غير إنتاج الغذاء، مثل إنتاج الجلود الحيوانية، وتربية الغزلان واستخراج المسك، وتربية التماسيح للجلود، وغيرها.
المخزون الغذائي والأمن الغذائي هما من أهم العوامل لتقوية الدولة المسلمة، ولذا علينا جميعا التكاتف للمساعدة في حل هذه المشكلة. وعلى الأقل هي عمل لكسب الأجر ونفع النفس والناس بالثمار والحيوانات وتأمين الغذاء للفرد والمجتمع. ونسأل الله تعالى أن يؤمن المسلمين من شر الجوع والفقر والفاقة ويحفظهم من كيد أعدائهم ويحفظ لهم بلادهم ومواردهم وأموالهم. هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع
[1] تحديث الأمن الغذائي، مجموعة البنك الدولي، الموقع الإلكتروني.
[4] الواقعة 63-64.
[5] ترجمة ومعنى الزحف الصحراوي في قاموس المعاني عربي انجليزي.
[10] أخرجه ابن ماجه (2443)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (744) واللفظ له.
[11] جون إي. مورلي، كلية الطب بجامعة سانت لويس، نقص التغذية، دليل ام اس دس.
[12] صلاة الاستسقاء، ابن باز، الموقع الرسمي للشيخ بن باز.
[15] ذكره الشوكاني فتح القدير (1/274)، وقال ثابت. وأخرجه أحمد (11133)، وأبو يعلى (1019)، وعبد بن حميد في ((المسند)) (935) باختلاف يسير.
[16] صححه ابن اللقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/7).
[17] الاستمطار الصناعي.. آفاق وتحديات، وحيد محمد مفضل، الجزيرة نت، 23/4/2016م.
Source link