داء الحسد – طريق الإسلام

إن من أعظم أمراض القلوب – إن لم تكن أعظمها – الحسدَ الذي هو من أبغض الأخلاق، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ الله عز وجل به حين خَلَقَ الله عز وجل آدمَ أبا البشر بيده.

إن من أعظم أمراض القلوب – إن لم تكن أعظمها – الحسدَ الذي هو من أبغض الأخلاق، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ الله عز وجل به حين خَلَقَ الله عز وجل آدمَ أبا البشر بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، حسده إبليس الشيطان الرجيم:  {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76].

 

والحسد – عباد الله – داء عظيم؛ وهو: تمني زوال النعمة عن المحسود، أو كراهية حصولها له، وهذا الخُلُق البغيض يُورِث أشياءَ سيئة مُفسِدة؛ من البَغْيِ والتدابُر، والتباغُض والتقاطُع، وقد نُهينا عن ذلك كله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا»[1].

 

والنفس النَّقِيَّةُ، والقلوب التَّقِيَّة سلَّمها الله عز وجل من ذلك.

 

روى ابن ماجه بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ((قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضلُ؟ قال: «كلُّ مخموم القلب، صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فمامخموم القلب؟ قال: «هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسد».[2]

 

ولهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحسد بقوله:  «إنه سيُصيب أُمَّتي داء الأمم»، قالوا: وما داء الأمم؟ قال: «الأَشَرُ والبَطَرُ، والتكاثر والتنافس في الدنيا، والتباعُد والتحاسُد، حتى يكون البغي، ثم الْهَرْجُ»[3].

 

وقد كان هذا الخُلُق البغيض الْمُمرِض من أبرز ما عليه شِرار اليهود؛ قال الله تعالى:  {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]،  {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

 

أما دواعي الحسد وأسبابه عباد الله؛ فمن أبرزها: حب الدنيا والتعلق بها، من المال والجاه والرياسة، ولو علِم المرء حقيقتها، وما عليها، وما مآلها الذي هو إلى زوال وانقضاء، لَمَقَتها، ولَما علِق بقلبه شيءٌ من الحسد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لو كانت الدنيا تزيل عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرًا شَربةَ ماءٍ»[4].

 

ومن أسباب الحسد ودواعيه ما قام بالقلب من الغل والحسد والحقد، وغير ذلك من أمراض القلوب، وخبث النفوس.

 

فالمرء – عباد الله – يجب عليه تصفية قلبه، فلو خَطَرَ بقلبه خاطرُ سوءٍ من الحسد أو نحوه، فلْيدفَعْ ولْيَسْتَعِذْ بالله عز وجل من شرِّه، ويملأ قلبه قناعة وإيثارًا لإخوانه وحب الخير لهم، وليدعُ بدعاء الصالحين:  {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]؛ إذ من أسباب الحسد – عباد الله – الجَزَعُ وعدم الصبر على ضيق الحال، وعدم القناعة بما آتاه الله.

 

والحاسد معترضٌ بلسان حاله، أو بلسان مقاله، على ما قدَّره الله عز وجل وقضاه من الأرزاق والتفاوت فيها بين عباده.

 

ومن أسباب الحسد ودواعيه الكِبْرُ والتعالي على الناس، والاستطالة عليهم، والبغي عليهم، وظلمهم؛ ولهذا يكون المتكبر حانقًا على من يحسُده، ممتلئًا قلبه غيظًا وكمدًا على المحسود.

 

وأرِحْ جنبك من داء الحسد = كم حسودٍ قد توفَّاه الكَمَدُ

 

ومن علامات الحاسد عباد الله: ذِكْرُ مَن يحسُده بالسوء، فيغتم لِما أُوتيَه المحسود من خيرٍ، ثم يغتابه في المجالس، ويفرح إذا أُصيب بمصيبة.

 

ويُقال للمحسود:

اصبر على كيد الحسود   **   فإن صبرك قاتلُـــــه 

النار تأكل بعضهـــــــــــا   **   إن لم تجد ما تأكلُه 

 

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقو الله، فقدِّموا لأنفسكم ما يقربكم إلى الله والجنة، ويُباعدكم عن سخطه والنار؛  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، فمن علامات الخير – عباد الله – على المجتمعات خُلُوُّ أفرادهم من الحسد؛ روى الطبراني بسنده عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  «لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا»[5]، وقال عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه:  «لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد»[6].

 

فغالب نزاعات الناس – عباد الله – منشؤها من هذا الخُلُق المقيت، حتى إن من أغناه الله عز وجل وأعطاه من الأرزاق والمكانة والرفعة، تجده يحسُد فقيرًا أو حقيرًا، وما ذاك إلا لضيق النفوس وخبثها، نعوذ بالله عز وجل من ذلك.

 

ومن أعظم ما يُستدفَع به شر الحاسد وحسده، أن يتوكل المرء على الله، ويفوِّض أمره إلى الله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وإذا رأيت من أخيك خيرًا ورزقًا حسنًا، فلتدعُ له بالبركة، ولتدعُ له بظهر الغيب؛ كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

وأن تحافظ على أذكار صباحك ومسائك، ولتعلم – عبدَالله – أن من أسباب سلامة القلوب، وبقاء الأجساد، ودوام العافية، هو ترك الحسد الذي يرهق صاحبه.

 

قيل لأعرابي: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبَقِيتُ.

 

وتحلَّ – عبدَالله – بالتواضع لعباد الله، واترك شرَّ التنافس الذي يؤدي إلى هذا الداء البغيض -الحسد – نعوذ بالله من سيئ الأخلاق، اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم اهدِنا ويسِّرِ الهدى لنا.

 


[1] البخاري (6065)، ومسلم (2559).

[2] ابن ماجه (4216).

[3] الطبراني في المعجم الأوسط (9016).

[4] الترمذي (2320).

[5] أخرجه الطبراني (8/ 369) (8157).

[6] رواه النسائي (3109).

______________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *