منذ حوالي ساعة
إن الثروة الحقيقية التي تمتلكها الأمم هي أبناؤها ورجالها، فعلى المسلمين أن يحافظوا على هذه الثروة العظيمة
أيها المسلمون، عنوان هذه الخطبة التعليم وصناعة الجيل.
أيها الناس، مع بداية العام الدراسي الجديد نرى تدفُّق مئات الآلاف من الأبناء والبنات على المدارس والجامعات، يريدون تحصيلًا علميًّا، واكتساب الأخلاق والآداب، وتأثرًا بالمعلمين والمربِّين.
أيها المسلمون، بناء الأجيال وتربيتهم أمرٌ من الأمور المهمة في الحياة، وهذه التربية لا بد أن تقوم على أساس قوي من المنهج السليم، والعقيدة الصافية التي لا يخالطها أي شائبة؛ لأن التربية قضية من القضايا الجوهرية في الأمة، ولا بُدَّ من توفر المربي والمدرس المتمكِّن والناجح الذي يستطيع أن يُسهِم في صناعة وبناء الأجيال وتربيتهم على العقيدة الصحيحة، والمنهج الصافي، والأخلاق الحميدة، والمدرس والمربي هو بدوره يسعى جاهدًا مع من حوله في بناء الأجيال وتربيتهم التربية السليمة، والجميع يسعى في تحقيق بناء الأجيال، وإعدادهم لتحَمُّل المسؤولية.
وهنا لا بُدَّ من تضافر الجهود بين كل من الأسرة، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، حتى تؤتي هذه التربية ثمارها اليانعة.
فبصلاح الأسرة يصلح الفرد والمجتمع، «كُلُّ مولودٍ يُولَد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه» ؛ (البخاري ومسلم).
ومن خلال الأسرة يتحقَّق السكون النفسي، والأسرة هي مصدر للقيم والأخلاق التي يتربَّى عليها الأبناء والبنات، والأسرة مصدر لتعليم العادات الحسنة، والقيم الاجتماعية الفاضلة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوَّده أبوه
وهكذا دور المدرسة في تربية الأجيال وإعدادهم، تتحمَّل جزءًا كبيرًا في عملية بناء الأجيال؛ حيث تقوم بالوظيفة التربوية إلى جانب وظيفتها التعليمية، بشرط أن تكون مناهج هذه المدارس والجامعات مستخرجة وقائمة على المبادئ الإسلامية، وتعاليم ديننا الحنيف الذي أرسل الله به محمدًا: القرآن الكريم، وعلى السُّنَّة المطهرة، وعلى ما كان عليه الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار.
أيها المسلمون، وكذلك دور المسجد في تربية الأجيال وإعدادهم، دورٌ مهمٌّ جدًّا؛ حيث إن المسجد هو مكان لأداء الصلوات، وتحفيظ كلام الله، ومحل سماع المواعظ والخطب والدروس، ومكان لنشر سُنَّة سيد ولد آدم صلوات الله والتوجيهات النافعة، ويكفينا مثال واحد لبيان دور المسجد في بناء الأجيال وتربيتهم؛ حيث إن أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما وطئت قدماه المدينة المنورة أن قام مع أصحابه الأخيار الأبرار الأطهار ببناء المسجد النبوي الشريف الذي أصبح منارةً لنشر العلم، وتعليم الأخلاق والآداب، ومحلًّا لتخريج العلماء والدُّعاة وطلاب العلم، ومحلًّا لإعداد القادة والرجال.
فتخرَّج من المسجد النبوي الشريف، الخلفاء الراشدون، والقادة العظماء، وحُفَّاظ القرآن الكريم وحُفَّاظ السُّنَّة المطهَّرة.
أيها المسلمون، وكذلك هناك وسيلة رابعة من وسائل بناء الأجيال وإعداد الرجال (وهي وسائل الإعلام)؛ حيث تقوم بتوصيل المعلومات والأخبار إلى الناس، فإذا استغلت وسائل الإعلام استغلالًا صحيحًا، وتم اختيار من يعمل فيها اختيارًا دقيقًا، كان لها دور عظيم في تربية الأجيال على العقيدة الصحيحة والمنهج الصافي والأخلاق الحميدة، ونشر تعاليم الإسلام، وغرس الأخلاق والآداب الحسنة في المجتمع.
فهذه أربعة العناصر التي هي من وسائل التربية السليمة (الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام) إذا تضافرت الجهود، وكان من يقوم عليها من الأمناء ومن المخلصين، وممن التزم بشرع الله ودينه وما جاء به سيد الخلق، آتت ثمارها اليانعة، وظهر أثرُها على الأجيال المتعاقبة.
وأصبح المجتمع مجتمعًا واعيًا طموحًا، يمضي في هذه الحياة لعمارتها وفق شرع الله، مهتديًا ومُتمسِّكًا بدين الله: كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه أفضل القرون وهم الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار الذين تولَّى تربيتهم سيد الخلق، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلها.
أيها الناس، إن الثروة الحقيقية التي تمتلكها الأمم هي أبناؤها ورجالها، فعلى المسلمين أن يحافظوا على هذه الثروة العظيمة، وأن يسعى كل مسلم بقدر استطاعته ومن خلال موقعه إلى تربية الأجيال وإعدادهم وفق شرع الله، مترسمًا في ذلك منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لذلك الجيل الفريد، جيل الصحابة رضي الله عنهم.
أيها المسلمون، لما علم أعداء الدين وأعداء الإسلام أن الثروة الحقيقية التي يمتلكها المسلمون هي الأبناء والبنات من الشباب والشابات، كثَّفوا جهودهم ومكرهم، فعملوا على إغواء وإضلال الشباب والشابات بكل وسائل الهدم من عقائد باطلة ومنحرفة، ومن نشر للأخلاق السيئة، وتشجيع على التمرُّد على الدين، وكرهوا إليهم الفضيلة، وحبَّبوا إليهم الرذيلة، وعمل الأعداء على تشويه مظاهر التدين في أوساط المجتمع من محاربة للتديُّن ومحاربة للفضائل، ومحاربة للحجاب، ومن نشر للخنا، وتشجيع على التمرد على الفضائل والآداب الحسنة والقيم الاجتماعية الفاضلة.
وعليه فإن المسؤولية عظيمة وجسيمة على كل واحد منا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيته».
فابذلوا من أوقاتكم، ومن أموالكم، ومن أعماركم، ومن علمكم، في الحفاظ على الأجيال، والسعي في تربيتهم على القرآن الكريم وعلى السُّنَّة المطهَّرة الصحيحة، وعلى سِيَر الصحابة رضي الله عنهم.
«وكُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسؤولٌ عن رعيته».
أيها المسلمون، لا تزال عجلة الحياة تدور، وما زالت السنون تنقضي حتى يعقبها الموت، بالأمس ودَّعنا وودَّع الطلاب والطالبات عامًا دراسيًّا، وها نحن وإياهم في هذه الأيام نستقبل عامًا دراسيًّا جديدًا، وهكذا تمضي بنا الحياة بين استقبال الزمان ووداعه، وشروقه وغروبه، وبدايته ونهايته، ويبقى كل واحد منا ينتظر أجله المحتوم، فإما أن يُبَشَّر بروح وريحان وربٍّ غير غضبان، وإما أن يُبشَّر بعذاب في القبر وعذاب في النار، نسأل من الله لنا ولكم القبول وحسن الختام.
أيها الناس، ها هم الأبناء والبنات في خُطًى متسارعة يخطونها نحو المدارس والجامعات بغرض الدراسة وتحصيل الشهائد وبعدها تحصيل الوظائف والأعمال.
أيها الناس، إن ديننا الحنيف اعتنى بالتعليم والقراءة عنايةً كبيرةً؛ حيث إن القرآن الكريم من أول حرف نزل به الوحي من القرآن الكريم، على رسول الأنام قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 – 5].
وهكذا تواترت النصوص من السنة المطهرة الصحيحة بالحث على العلم والتعلم والقراءة والكتابة، وكان ذلك واقعًا عمليًّا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فكان الاهتمام بالعلم والتعليم ظاهرًا، حتى تغيَّرت حياة عبدة الأوثان والأصنام في سنوات قليلة، فأصبحوا قدوة الدنيا وقادة العالم، وخلَّد سيرًا ما زال شذا عطرها يفوح، ونور هداها يُقتبَس إلى يومنا هذا.
أيها الناس، بالعلم تُبْنى الحضارات، وتبلغ الأمجاد، ويحصل النماء والبناء، فعلينا أن نسعى جاهدين في غرس حُبِّ العلم والتعلُّم والقراءة والكتابة في نفوس الأجيال، وكذلك غرس العقيدة الصحيحة التي كان عليها الصحابة رضي الله عنهم، وأن تربط هذه الأجيال بالله تبارك وتعالى، ومراقبته والتوكُّل عليه، وربطهم بما جاء به سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم، كتاب الله تعالى وسُنَّته المطهَّرة، وأن يكون القدوة لهذه الأجيال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضي الله عنهم.
بهذا نحصد ثمار هذه الأجيال، من عمارة الدنيا، وحماية الدين، وإقامة العدل، ونشر للخير، وثبات على الحق، ونصرة للإسلام والمسلمين.
أيها المسلمون، لو أننا أهل الإسلام غرسنا في قلوب الأجيال حُبَّ الدين، والتكافل والتراحم بين المسلمين، لشعرنا جميعًا بما يمرُّ به إخوان لنا في الدين والعقيدة في أرض غزة من الآلام والأحزان والدمار والقتل وسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل.
لو أننا صدقنا في العمل بكتاب الله وصدقنا في محبة واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لسارعنا في نجدة إخواننا في أرض غزة، ولتحركت الجيوش والطائرات لنصرة المظلومين.
ولكن خيَّم الجهل، والذل والهوان، وجهلنا عداوة اليهود والنصارى للإسلام والمسلمين، وحالفت طائفة من هذه الأمة اليهود والنصارى، ووضعوا أياديهم في أيادي المستعمر الغادر.
وهكذا أصبح المسلمون كالغنم السائبة التي بلا راعٍ، وتسَلَّط أعداء الدين وأعداء الإسلام على أُمَّتِنا وإلى الله المشتكى.
فهل من عودة صادقة إلى دين الله، وإلى كتاب الله تعالى، وإلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137].
ألا وصلُّوا وسلِّمُوا.
______________________________________________________
الكاتب: أبو سلمان راجح الحنق
Source link