كيف تنعم بالنجاح الحقيقي؟ – طريق الإسلام

عليك أن تكتبَ أهدافك بشكل محدَّد وواضح، وأن تسعى إلى البحث عن سبُل تَحْقيقها، وتتابع خطَّ السَّيْر، فتغيِّر فيه على حسب ما تراه أنسب وأحسن وأدعى لِتَحقيق الهدف، وكلَّما طرأ عليك خاطرٌ يُعِين على النَّجاح سارع بالعمل به ولا تؤجِّل.

ما أكثر ما نسمع من بعض الشباب التحسُّر على حظٍّ لم ينَلْه، أو رزق لم يُكْتَب له!

 

وكثيرًا ما نرى تراجُعَهم بعد إخفاق أوَّل حُلْم، وتراجُعِ أوَّل فكرة، أو أن يضيق بِهم سبيلٌ سلَكُوه للنَّجاح، وعوضًا عنْ إعادة المُحاولة وتكرار التَّجربة إذا بِهم يَنْزَوون في دهاليز الظَّلام؛ فرارًا مِن أعين الناس، التي يظنُّون وَهْمًا أنَّها تُحيط بهم وتراقبهم!

 

كما نسمع أيضًا تسخُّطَهم على أصْحاب النَّجاحات، واتِّهامهم بأنَّ الْحَظَّ يلعب في صالحهم، وأن الكَرَّة تدور دائمًا في ملعبهم، وأنَّ كُلَّ ما وَصلوا إليه مِنْ إبداع وحقَّقوه من رُقيٍّ، ليس إلاَّ مجرَّد حظٍّ ورِزْق وافر، كتبَه الله لَهم، وخصَّهم به دون غيرهم!

 

قد يكون للحظِّ قدْرٌ يسير، لكن مَن يُحْسِن استغلال الفُرَص؟

 

كما نسمع من بعض مُدَّعي الورَع كلمات الرِّضا والقبول بِحُكم الإيمان بالقضاء والقدَر، ويُعلق كسلَه وجَميع أعذاره على شَمَّاعة الإيمان بالقضاء والقدر!

 

وكيف أنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا لِمَن يُحبُّ ومَن لا يحب، وأنَّ العِبْرة بالآخرة وليستْ بالدُّنيا، سبحان الله!

 

وأين هم من قول الله – تعالى -: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]، وقوله: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

 

لا تعارُضَ بين عِبادة الله والعمل الجادِّ للدَّار الآخِرة، وبَيْن السَّعي لعِمارة الأرْض وتَحْقيق أعلى سبُلِ النَّجاح والرُّقي بِحالنا كأُمَّة إسلاميَّة عُمومًا، وكأفراد خصوصًا.

 

يتَساءَل الكثيرُ مِن الشَّباب في تَخَبُّط وتَحيُّر: مِن أين أبدأ؟ وكيف أَصِل؟

 

يعجز حتَّى أن يتصفَّح سِيَر العظماء ويتأمَّل حالَهم، يطَّلِع على حياتِهم وكيف شَقُّوا طرُقَهم في الحياة.. كيف قهروا المستحيل الذي لم يكادوا يعرفوه أصلاً!

 

كيف نَهضوا كلَّما تعثَّروا ولم يكن لدَيْهم وقت لينفضوا حتَّى الغبار عنهم.

 

هذه إشارات وخطوات وومضات على طريق النَّجاح.. فهل تنضمُّ للرَّكْب؟

 

أوَّلاً: إن الناجحين لا يلتصقون بأحداث ولَّى عهدها، وأيَّامٍ انقضى زمانُها!

تَمُرُّ عليهم ذِكْريات الماضي مُرورًا سريعًا، لا تلتصق بهم ولا يعيشون تحت وطْأة أثقالها يقاسون حرَّ لَهيبها، أو يتألَّمون بسقيع برْدها، إنَّهم يَطْوون ملفَّ الماضي في سجلِّ النِّسيان، ويُقيِّدونه في زنزانة الإِهْمال، فلا يهدِّدهم شبَح الماضي، ولا يزعجهم كابوسه.

 

فلْيَكن أوَّل ما تفعله في سبيل تحقيق نجاحك المنتظَر نسيان ذلك الماضي، وإلقاء تَجاربه الأليمة في بِئْرٍ عميقة، فلا تسمع له صوتًا، ولا تَجِد له همسًا.

 

في امتحان مادة الفيزياء في الدانمارك كان السؤال: كيف تُحدِّد ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام البارومتر (جهاز قياس الضَّغط الجوي)؟

 

الإجابة الصحيحة كانت بديهيَّة، وهي قياس الفَرْق بين الضَّغط الجويِّ على الأرض وعلى ناطحة السحاب.

 

كانتْ إجابة أحد الطلبة مستفِزَّة لأستاذ الفيزياء، لدرجة أنه أعطاه صفرًا دون إِتْمام تصحيح بقيَّة الأجوبة، وأوصى برسوبه؛ لِعَدم قُدرته المطلقة على النَّجاح، وكانتْ إجابة الطَّالب كالتالي: أَرْبط البارومتر بِحَبل طويل، وأُدَلِّيه من أعلى النَّاطحة حتى يَمسَّ الأرض ثم أقيس طول الخيط!

 

قدَّم الطالب تظلُّمًا لإدارة الجامعة، مؤكِّدًا أن إجابته صحيحة مائة في المائة، وحسب قانون الجامعة عُيِّن خبيرٌ للبتِّ في القضية، وأفاد تقرير الخبير أنَّ إجابة الطالب صحيحة، لكنَّها لا تدلُّ على معرفته بِمادَّة الفيزياء، وقرَّر إعطاء الطالب فرصة أخرى، وإعادة الامتحان شفاهيًّا، وطَرَح عليه الحكَمُ نفس السُّؤال، فكَّر الطالب قليلاً، ثم قال: لديَّ إجاباتٌ كثيرة لقياس ارتفاع الناطحة، ولا أدري أيها أختار، فقال له الحكم: هاتِ كلَّ ما عندك.

 

فأجاب الطالب:

يُمكن إلقاء البارومتر من أعلى النَّاطحة، ويُقاس الوقت الذي يستغرقه حتَّى يصل إلى الأرض، ومن هُنا يُمكن معرفة ارتفاع الناطحة.

 

إذا كانت الشَّمس مُشْرِقة، يُمكن قياس طول ظلِّ البارومتر وطول ظلِّ الناطحة فنَعْرف طول الناطحة من قانون التَّناسب بين الطُّولين وبين الظِّلَّيْن.

 

وإذا أردنا أسرع الحلول فإنَّ أفضل طريقة هي أن نُقَدِّم البارومتر هديَّة لِحَارس النَّاطحة على أن يعلمنا بِطُولها.

 

أمَّا إذا أردنا تعقيد الأمور فسنَحْسب ارتفاع النَّاطحة بواسطة الفَرْق بين الضَّغْط الجويِّ على سطح الأرض وأعلى النَّاطحة باستخدام البارومتر.

 

كان الحكَمُ ينتظر الإجابة الأخيرة التي تدلُّ على فَهْم الطَّالب لمادَّة الفيزياء، بينما الطالب يعتبرها الإجابةَ الأسوأ؛ نظرًا لصعوبتها وتعقيدِها!

 

هل عاش هذا الطالب تَحْت تأثير هذا الموقف الذي عدَّه جَميعُ أساتذته دليلاً صريحًا على غبائه وضعفه العلمي؟

 

كلاَّ، لَم يفعل ذلك أبدًا، وكان لدى “نيلز بور” من الثِّقَة ما جعله الدانماركيَّ الوحيد الذي يَحُوز على جائزة نوبل في الفيزياء.

 

لِنَأخذ مثالاً على الماضي الأسوأ:

كيف كان ماضي الرئيس الأمريكي السابق (لينكولن)؟

 

• فَشِل في الأعمال الْحُرَّة عندما كان عمره 31 عامًا.

 

• خسر في الانتخابات عندما كان عمره 32 عامًا.

 

• فشل مرَّة ثانية في الأعمال الحُرَّة، وكان عمره 34 عامًا.

 

• توُفِّيَت مَخطوبتُه عندما كان عمره 35 عامًا، وأصيب بعدها بانْهِيار عصَبِي.

 

• خسر في الانتخابات عندما كان عمره 38 عامًا.

 

• خسر في انتخابات الكونغرس عندما كان عمرُه 43 عامًا.

 

• خسر مرَّة ثانية عندما كان عمره 46 عامًا.

 

• خسر سباقًا للفوز بلقب “سناتور” عندما كان عمره 55 عامًا.

 

• فشل في أن يكون نائبًا للرَّئيس عندما كان عمره 56 عامًا.

 

• خسر سباقًا ثانيًا للفوز بلقب “سناتور”.

 

ولكن عندما أصبح عمره 60 عامًا، أصبح الرَّئيس الثَّاني عشر للولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة!

 

فهل عاش في عذابات ذلك الماضي الأليم؟ وهل استسلم لقيوده – على قُوَّتِها – وسَمح لها أن تُكَبِّله وتعوقه عن تحقيق النجاح؟!

 

فأنت أولى أيُّها المسلم بِهذا التَّفكير الإيجابي، والانتصار على الماضي البغيض.

 

ثانيًا: ثبات الأهداف ووضوحُها:

عن أبِي هُرَيْرةَ قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:  «المؤمن القويُّ خيْرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خَيْر، احْرِص على ما ينفعك، واستَعِن بالله ولا تَعْجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعَلْت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإنَّ “لو” تفتح عمَل الشيطان»، (رواه مسلم).

 

يتعجَّب ابن المقفع في كتاب “كليلة ودمنة” من الإنسان ينشغل عن هدَفِه بلذَّة صغيرة حقيرة من النظر والسَّمع، والشمِّ والذَّوق واللَّمس، حتَّى رُبَّما يورد نفْسَه التهلكة، فلا هدفًا حقَّق، ولا نَجا بنفسه من الهلاك.

 

ويَسوق في ذلك قصَّة رائعة ومشوِّقة – كما في كلِّ قصص الكتاب – بعنوان “الرَّجُل والتنِّين”؛ ملخَّصُها أن رَجُلاً انشغل عن تنِّين كان يطارده بِعَسَل تذوَّقه، فأنساه أمره، ولم يفكِّر في كيفيَّة الخلاص حتَّى هلك!

 

عليك أن تكتبَ أهدافك بشكل محدَّد وواضح، وأن تسعى إلى البحث عن سبُل تَحْقيقها، وتتابع خطَّ السَّيْر، فتغيِّر فيه على حسب ما تراه أنسب وأحسن وأدعى لِتَحقيق الهدف، وكلَّما طرأ عليك خاطرٌ يُعِين على النَّجاح سارع بالعمل به ولا تؤجِّل.

 

هَمْسة أخيرة:

لا يُحَقِّق السِّيادة من لزم الوِسادة!

___________________________________________________
الكاتب: مركز جنات للدراسات
 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *