منذ حوالي ساعة
لا أحد في هذا الوجود يعلم ما في نفوس الناس من خير أو شر أو من إيمان أو كفر ، ولا أحد يحاسب الخلائق إلا اللهُ عز وجل..
أيها الإخوة الكرام : لا أحد في هذا الوجود يعلم ما في نفوس الناس من خير أو شر أو من إيمان أو كفر ، ولا أحد يحاسب الخلائق إلا اللهُ عز وجل..
{﴿ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا۟ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾}
لا احد في هذا الوجود يطلع على ما في النوايا من حسن أو من سوء ، وما في الضمائر من صلاح أو من فساد إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يعلم ما يكون غداً في الأرزاق والآجال وعواقب الأمور إلا علَّام الغيوب سبحانه وتعالى:
{﴿ وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ ﴾}
أيها الإخوة المؤمنون:
ثبت يقيناً أنّ الإنسان عجز عن فهم نفسه التي بين جنبيه ، ثبت يقيناً أنّ الإنسان عجز عن كشف ذاته، حتى نعم الله تعالى على الإنسان عجز الإنسان عن حصرها وعدها، كما عجز عن كشف رزقه وموته وقيامته.. {﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ }
من هنا جاءت نصوص القرآن والسنة تنصح وتوجه المسلم ألا يتدخل فيما لا يعنيه، وأن لا يفتي فيما لا يفهم، وألا يتكلم بما لا يعلم، وألا يتهم عقائد الناس، فيقول هذا منافق، وهذا كافر، وهذا لا يغفر الله له، وهذا لا يدخل الجنة، وهذا من أهل النار وغير ذلك مما يقع فيه كثير من الناس..
ذلك أن الله تعالى يقول : { ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا ﴾ }
عند تفسير هذه الآية قال قتادة رحمه الله :
{﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا ﴾} أي لا تقلْ رأيتُ وأنتَ لمْ ترَ ، ولا تقل سمعتُ وأنتَ لمْ تسمع، ولا تقل علمتُ وأنتَ لمْ تعلمْ ..
لا يحل لمسلم أن يحكم على مسلم آخر بأن الله تعالى لن يتقبل منه، ولا بأن الله لن يغفر له، ولا بأن الله لن يسامحه، ولا بأن الله لن يدخله الجنة لأنك لا علم لك بذلك…
ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة «أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا أرَادَ أنْ يَدْعُوَ علَى أحَدٍ أوْ يَدْعُوَ لأحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّما قالَ: إذَا قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ اللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ، وسَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ، وعَيَّاشَ بنَ أبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأَتَكَ علَى مُضَرَ، واجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بذلكَ، وكانَ يقولُ في بَعْضِ صَلَاتِهِ في صَلَاةِ الفَجْرِ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانًا وفُلَانًا، لأحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ حتَّى أنْزَلَ اللَّهُ تعالى عتاباً يقول فيه للنبي عليه الصلاة والسلام » {﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ ﴾ } لا يحل لمسلم أن يتهم مسلماً بضعف الإيمان ولا بالنفاق ولا بالفسق ولا بالكفر..
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ:
كانَ رَجُلٌ في غُنَيْمَةٍ له وجمل ، فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ وكانوا قد خرجوا في سرية، وكان فيهم الفاروق عمر ، فَلما أدركوه ببعض الطريق بادرهم فحيا القوم بتحية الإسلام فقالَ: السَّلَامُ علَيْكُم، فَظن المسلمون أنه حياهم بتحية الإسلام وتكلم بها خوفاً منهم، فقالوا له لست مسلماً، وتطوع أحد المسلمين فهجم على الرجل فقَتَلهُ وأَخَذُوا جمله وغُنَيْمَتَهُ، حتى قدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأنْزَلَ اللَّهُ قرآناً يعتب فيه على المسلمين ويعنفهم ويقول:
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾}
أخرج مسلم رحمه الله:
من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:
« « بَعَثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ ( والحُرَقَةُ قَومٌ مِن قَبِيلةِ جُهَيْنَةَ، وهي قبيلةٌ عَربيَّةٌ عَريقةٌ، تُعَدُّ أكبَرَ قبائِلِ قُضاعةَ عددًا، ومن أقدَمِهم ذِكرًا، تنتَشِرُ دِيارُهم ما بين الحِجازِ وتِهامةَ، وكان ذلك في رَمَضانَ سنة ثمانٍ مِنَ الهِجرةِ ) » «قالَ أسامة : فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، قالَ: ولَحِقْتُ أنَا ورَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلًا منهمْ، قالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فلما قالَها كَفَّ عنْه الأنْصَارِيُّ، أما أنا فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي حتَّى قَتَلْتُهُ.. قالَ أسامة: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فدعاني فأتيته فَقالَ لِي: يا أُسَامَةُ، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟! قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما كانَ مُتَعَوِّذًا، فقال عليه الصلاة والسلام أقالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وقَتَلْتَهُ؟ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما قالها خوف السلاح، فقالَ عليه الصلاة والسلام : أفَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِهِ حتَّى تَعْلَمَ أقالَها أمْ لا؟ فَما زالَ الرسول يُكَرِّرُها عَلَيَّ حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي أسْلَمْتُ يَومَئذٍ.» .
هذا الموقف في صحيح السنة ما دلالته؟
دلالة هذا الموقف: أنه لا يحل لأحد أن يتهم أحداً في إيمانه بالفسوق ولا بالنفاق ولا بالكفر..
دلالة هذا الموقف: أنه ليس لنا من الناس إلا الظواهر والله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى السرائر..
وفي الحديث أيضاً: بيان أن دماء الناس معصومة إلا بالحق..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «” لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ؛ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ “» «» .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وان يحفظ لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأن يحفظ لنا آخرتنا التي فيها معادنا..
الخطبة الثانية
ايها الإخوة الكرام: بقي لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يلزم الإنسان غرزه، وأن يقف عند حدوده، فلا يتكلم فيما لا يعلم، ولا يفتي فيما لا يفهم، ولا يتآلى على الله فيدخل من يشاء الجنة، ويدخل من يشاء النار….
بقي لنا ان نقول : أن مرد الأمر كله إلى الله تعالى ، هو الذي يتقبل من فلان ولا يتقبل من فلان، هو الذي يدخل الجنة برحمته، وهو الذي يدخل النار بعدله..
اما أنا وأنتم فليس لنا من الأمر شيء، ليس لنا ان نحاكم الناس، وليس لنا أن نحاسبهم، وليس لنا ان ندخل نواياهم..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «« لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بالفُسُوقِ، ولا يَرْمِيهِ بالكُفْرِ؛ إلَّا ارْتَدَّتْ عليه إنْ لَمْ يَكُنْ صاحِبُهُ كَذلكَ» »
حتى أصحاب الكبائر ( من ترك صلاةً، من سرق مالاً ، من سفك دماً ، من شرب خمراً، من هتك عرضاً، من قطع طريقاً… )
في عقيدة أهل السنة والجماعة هم على خطر عظيم فالكبائر موبقات توبق صاحبها في نار جهنم، والكبائر مهلكات ماحيات لحسنات العبد وحسناته..
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام ” « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ “. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : ” الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ» “.
أصحاب الكبائر في عقيدة أهل السنة والجماعة (ذنوبهم) لا تخرجهم من الملة، فبوقوعهم في الكبائر لا يُكفرون، بل في عقيدة أهل السنة والجماعة أيضاً لا نكره أشخاص من وقع في شيء من الكبائر، بل ولا ندعو عليهم، ولكن نكره أفعالهم، نكره ذنوبهم، وندعو الله سبحانه وتعالى لهم..
ولله دره سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم كان يدعو لقريش ولغيرهم بالهداية ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، ويقول: اللهم اهد دوساً، ويقول: اللهم اهد غفاراً..
هذا ما نؤمن به وهذا ما ندين لله عز وجل ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ ﴾
نسأل الله بأسماءه الحسنى وصفاته العلا أن يعلمنا ما ينفعنا…
Source link