قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين»
الحمد لله وبعد:
قد قال بهذا جمع من العلماء، منهم الحافظ ابن حجر والشوكاني، والأظهر أنه ليس من خصائصها؛ بل هو من عهد آدم عليه السلام واستمر مع الأنبياء من بعده، وآية ذلك هذا الحديث الصحيح المصرّح بالسلام، فقد ذكر السلام ولو كان غيره لذكر التحية، ويشهد لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله آدم صلى الله عليه وسلم، قال: اذهب فسلِّم على أولئك- نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيُّونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله»؛ (رواه البخاري (3326) ومسلم (2841)).
أما حديث عائشة الذي رواه أحمد (41 /482) والبخاري في الأدب المفرد (988) وابن ماجه (856) وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين»، فلعل السلام كان من شريعة موسى عليه السلام التي تركها اليهود وبدَّلوها كغيرها مما بدلوا، ونسوها مع طول العهد وبُعْد الأمد، بدليل سلام موسى عليه السلام على الخضر، فلما جاء الإسلام ظنُّوها من خصائصه فحسدوا أهله.
أما ما احتج به الحافظ في فتح الباري (11 /4) من حديث أبي ذر الطويل عند مسلم في قصة إسلامه قال: «وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فذكر الحديث وفيه: «فكنت أول من حيَّاه بتحية الإسلام، فقال: «وعليك ورحمة الله»؛ فليس فيه ذكر تخصيص الأمة بالسلام، وقُصاراه أنه أول من حيَّاه من هذه الأمة بهذه التحية.
وأما ما ذكره من حديث الطبراني والبيهقي في الشُّعَب عن أبي أمامة رفعه: «جعل الله السلام تحية لأمتنا وأمانًا لأهل ذمتنا»، فقد ضعَّفه المناوي وقال: «ضعيف؛ لضعف بكر بن سهل وغيره»؛ التيسير بشرح الجامع الصغير (1 /503) وعلى فرض صحته؛ فليس فيه تصريح بالخصوصية، إنما جاء ذكره في معرض الامتنان كغيره من نعم الله على هذه الأمة، ولا يلزم من الامتنان معنى التخصيص.
وأما ما احتج به مما جاء عند أبي داود من حديث عمران بن حصين: «كنا نقول في الجاهلية: أنعم بك عينًا، وأنعم صباحًا، فلما جاء الإسلام نهينا عن ذلك»، فقد ذكر الحافظ انقطاعه، فهو من قبيل الضعيف، كما أنه لا يدل على التخصيص؛ لأنهم كانوا أهل جاهلية وأوثان، وليسوا بأهل كتاب.
فائدة من حديث: «لما خلق الله آدم قال: اذهب فسلِّم على أولئك..»؛ (الحديث). قال ابن بطال في شرح البخاري (9 /5): «قال المهلب: هذا الحديث يدل أن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويحيون بتحية الله، وأن التحية بالسلام هي التي أراد الله أن يتحيَّا بها. وفيه: الأمر بتعليم العلم من أهله والقصد إليهم فيه، وأنه من أخذ العلم ممن أمره الله بالأخذ عنه، فقد بلغ العذر في العبادة وليس عليه ملامة؛ لأن آدم أمره الله أن يأخذ عن الملائكة ما يحيونه، وجعلها له تحية باقية، وهو تعالى أعلم من الملائكة، ولم يعلّمه إلا لتكون سنَّة»؛ ا هـ.
قلت: ولا يلزم من ذكر السلام من آدم للملائكة عليهم السلام أن يكون بالعربية فضلًا عن أن تكون هي لغة الملأ الأعلى، وإن كان فيه احتمال؛ لجواز أن يسلِّم بغير العربية؛ كسائر كلام وخطاب الملائكة وغيرهم، والله تعالى لما حكى عن الأمم أقوالهم لم يلزم من ذلك أن يكونوا قد تكلموا بنفس الأحرف؛ ولكن مثل هذا يستأنس به أن تكون بالعربية لأمور، منها: أنها الكاملة الخاتمة، والحاملة للقرآن العظيم، والله أعلم.
________________________________________
الكاتب: إبراهيم الدميجي
Source link