لقد أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بنعم عظيمة، ومنها نعمة الجوَّالات التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، هذه الأجهزة الصغيرة تحمل من المنافع الكثير، لكنها في الوقت ذاته تحمل من المخاطر ما يجعلها أمانةً عظيمة، علينا أن نُحسن استخدامها، ونلتزم بآدابها.
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بنعم عظيمة، ومنها نعمة الجوَّالات التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، هذه الأجهزة الصغيرة تحمل من المنافع الكثير، لكنها في الوقت ذاته تحمل من المخاطر ما يجعلها أمانةً عظيمة، علينا أن نُحسن استخدامها، ونلتزم بآدابها.
فالجوَّالات اليوم ليست مجرد وسيلة للاتصال، بل أصبحت وسيلة للعمل، والتعلم، والتواصل الاجتماعي، والدعوة إلى الله، فمن خلال الجوَّالات يمكن أن نوصل رسالة الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، ويمكن أن نستخدمها في نشر الخير والعلم النافع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عني ولو آية))؛ [رواه البخاري]، فما أسهل اليوم أن نبلغ رسالة الإسلام عبر هذه الوسائل الحديثة، ولكن، هل نستخدم الجوَّالات حقًّا في هذا الجانب، أم أننا نغفُل عن هذه النعمة ونستخدمها فيما لا يُرضي الله؟
أيها الإخوة الكرام، إن الجوَّالات كما تحمل الخير، فهي تحمل الشر إذا أُسيء استخدامها، وقد رأينا في زماننا هذا كيف أصبحت سببًا لكثير من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية والدينية؛ ومن تلك المشكلات:
1. ضياع الأوقات:
كم من الساعات تهدر يوميًّا على مواقع التواصل الاجتماعي، ومقاطع الفيديو التافهة! كم من الوقت نضيع في التصفح بلا هدف! والله عز وجل سيسألنا عن أوقاتنا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟))؛ [رواه الترمذي].
2. نشر الشائعات والمعلومات المضلِّلة:
فقد أصبح من السهل اليوم نشر شائعة عبر رسالة أو تغريدة، فتنتشر كالنار في الهشيم، وتسبب الفتنة بين الناس؛ والله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
3. التعدي على خصوصيات الآخرين:
فتجد أحدهم يصور الآخرين، ويطَّلع على بيوتهم، وينشر صورهم أو مقاطعهم، دون مراعاة لخصوصياتهم، وكم من أذًى وقع بسبب هذه التصرفات غير المسؤولة! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من اطَّلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه))؛ [أخرجه مسلم].
4. التعلق الزائد بالجوَّالات:
لقد أصبحت الجوَّالات تسلب عقولنا وقلوبنا، فتجعلنا ننشغل عن ذكر الله، وعن صلاتنا وأعمالنا وأسرنا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعِس عبدُالدينار، وعبدالدرهم))؛ [رواه البخاري]، فهل أصبحنا عبادًا للجوالات بدلًا من أن تكون وسيلة في أيدينا؟
أيها المسلمون، إن ديننا الحنيف يعلمنا كيف نتعامل مع كل شيء في حياتنا، والجوَّالات ليست استثناء، ومن الآداب التي ينبغي أن نلتزم بها عند استخدام الجوَّالات:
1. استخدام الجوَّال فيما يُرضي الله:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فيجب أن يكون استخدامنا للجوالات جزءًا من عبادتنا لله، فنستخدمها لنشر الخير، وتعلم العلم، وصلة الأرحام، وليس لنشر الفساد، وإضاعة الأوقات.
2. مراعاة الوقت والمكان:
فلا ننشغل بالجوَّالات في أوقات الصلاة، أو أثناء مجالس الذكر، أو في اجتماعات العمل؛ قال أبو الدرداء لسلمان: ((إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: صدق سلمان))؛ [رواه البخاري].
3. تجنب إيذاء الآخرين:
فلا ينبغي رفع صوت الجوَّال في الأماكن العامة، ولا التحدث بصوت عالٍ يزعج الآخرين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار))؛ [رواه ابن ماجه].
4. الابتعاد عن التجسس:
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12]، فلا يجوز استخدام الجوَّالات للتجسس على الآخرين، أو التلصص على حياتهم.
5. تربية الأبناء على استخدام الجوَّالات:
فالأبناء أمانة في أعناقنا، ومن واجبنا أن نعلمهم كيف يستخدمون الجوَّالات بطريقة صحيحة، ونراقب محتوياتها، ونوجههم للابتعاد عن المحتوى الضار؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ [رواه البخاري].
ومن الوسائل التي تُعيننا على ضبط استخدام الجوَّالات:
1. وضع خطة يومية لاستخدام الجوَّال:
خصص وقتًا محددًا لاستخدام الجوَّال، ولا تدَعه يسيطر على يومك.
2. استخدم التطبيقات النافعة:
استفِدْ من التطبيقات التعليمية والإسلامية التي تعينك على التقرب إلى الله.
3. الابتعاد عن الإدمان الرقمي:
ابتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب، واشغل وقتك بما هو أنفع.
4. مراقبة النفس ومحاسبتها:
كن صريحًا مع نفسك، واسألها: هل استخدامك للجوال يقربك إلى الله أم يبعدك عنه؟
دعوة للتوبة وضبط استخدام الجوَّالات:
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
فيا أيها الأحبة:
إن الحديث عن آداب الجوَّالات ليس مجرد نصائح عابرة، بل هو جزء من ديننا الحنيف الذي يدعو إلى ضبط كل جوانب حياتنا بما يرضي الله.
قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، فلنحاسب أنفسنا على كل رسالة نرسلها، وكل صورة ننشرها، وكل وقت نقضيه.
أيها الإخوة:
الجوَّالات أمانة، وسنُسأل عنها يوم القيامة، فلنستخدمها في الخير، ولنبتعد عن كل ما يغضب الله، ولنكن قدوة حسنة لأبنائنا ومجتمعنا في كيفية التعامل مع هذه النعمة.
اللهم أصلح أحوالنا، وبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
_________________________________________
الكاتب: د. خالد بن حسن المالكي
Source link