من فاتته منزلة، أو لم يقدّر له ربه فضيلة في الدين والدنيا، فليتعزّ بأنه ربما لم يكن متأهلًا لها، وليعظ نفسه بأنه لعله ليس قادرًا على حملها.
في سؤال موسى ﷺ ربه الرؤية قال تعالى:
{وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ قَالَ لَن تَرَانِی وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَانِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقࣰاۚ فَلَمَّاۤ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ}.
فلما سأل موسى ﷺ ربه الرؤية في الدنيا ولم يعطه، طيّب خاطر نبيه، ونبّهه وذكره بأمور:
فقال سبحانه: {وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَانِیۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكࣰّا}.
فأخبره سبحانه أن فوت الفضيلة ليس لنقص السائل ﷺ، ولكن لعدم قدرته على حمل النعمة.
ومن فاتته منزلة، أو لم يقدّر له ربه فضيلة في الدين والدنيا، فليتعزّ بأنه ربما لم يكن متأهلًا لها، وليعظ نفسه بأنه لعله ليس قادرًا على حملها.
ثم قال سبحانه:
{یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی}.
فذكّره ربه بما آتاه من فضائل، وما أعطاه من نعمة وكرامة.
لأنّ من فاتته فضيلة، ثم تذكر ما آتاه الله من نعم وفضائل طابت نفسه، ورضي بما أوتي.
ثم قال له ربّه:
{فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ}.
فأمره ان ينشغل بشكر ما أوتي من النعم عن التحسر على ما فاته من النعم.
وموسى ﷺ منزه عن أن تكون عدم قدرته على الرؤية لنقص منزلته أو نقص زكائه ﷺ.
ولكن بخلاف الأنبياء فإن من الناس من ينهار تحت النعمة، لأنه ليس لديه قابلية نفسية لحمل تلك الفضيلة.
وهو أمر يبحثه أهل الاختصاص تحت مصطلح (عتبة التحمل النفسي)، ففي بعض الدراسات النفسية الإكلينيكية (نشرت في ٢٠١٠ بالتاريخ النصراني) ظهر أن بعض الأفراد إذا حصلوا على “نعمة” أو “منزلة كبيرة” قد لا يحتملونها نفسيًا، وقد يُصابون بانهيارات نفسية، أو سلوك مدمر ومحطم للذات، ويظهر عليهم أعراض القلق والتوتر بل وأحيانًا الاكتئاب.
ومن فقه المؤمن أن يرضى عن ربه عند فوات النعمة، ولهذا ففي بعض أبحاث علم النفس الاجتماعي يطلقون فكرة: (القبول النفسي للتفاوت)، وتدل هذه الدراسات أن الذين يرون في فوات الفرص حكمة لا هزيمة، يكونون أكثر رضا ونجاحًا على المدى الطويل.
ومن الطريف أنّ بعض علماء النفس أنشأ نظرية سماها: “الحرمان الوقائي”، ويقصد أن بعض صور الحرمان قد تكون وقائية للنفس البشرية!
وأن تذكر النعم الحاصلة يؤدي إلى انخفاض القلق، ويقوي الرضا عند الإنسان.
فاستحضار حكمة الله في منعه رتبة كريمة من رتب الأولياء، ومن الطريف أيضًا أن من طرق العلاج السلوكي ما يسمى: (التركيز الواعي على الموجود)، وهي نظرية علاجية تؤكد أن التحسّر على ما فُقد يُضعف النفس، وأن تذكر الموجود واستحضار النعمة الحاضرة أساس الراحة النفسية.
والعلم عند الله.
______________________________________________
الكاتب: محمد آل رميح
Source link